كتب ناصر المحيسن - الكويت في الخميس 29 مايو 2025 10:10 مساءً - يُعبّر الموروث الشعبي لكل بلد عن طبيعة هذا البلد والمجتمع ويبيّن عاداته وتقاليده ويجسّد هويته الوطنية التي بلا شك تكون متفرّدة نظراً لطبيعة هذا المجتمع، وإن تشابهت مع غيرها في المحيط، إلّا أن هذا الموروث هو الفيصل في التفرّد والمعبّر الرئيس عن هذه الهوية.
والموروث الكويتي بكل أنواعه من قصائد وأمثال شعبية وكنايات ومقولات ومن أهازيج الأطفال وطرق لعبهم وطقوسهم في المناسبات لاشك زاخر بما يجسّد هذه الهوية، ويشرح ويبيّن هذه العادات والتقاليد لهذا المجتمع.


وفي بحثنا هذا، سنتطرق للحج والعيد في هذا الموروث، وما جاء فيه من خلال ما ذكرنا من معطيات كالقصائد والأمثال وطقوس الأطفال وأهازيجهم.
بدايةً، معلوم أن الحج في السابق كان مشقة ومعاناة وتعباً، حيث كانت الرحلة على ظهور الجمال المتعبة، ومدة الرحلة كانت شهوراً طويلة في الذهاب والإياب، ناهيك عن ظروف المناخ المتقلبّة من برد وحر وتضاريس صعبة من رمال وصخور وانقطاع الماء والغذاء ولا ننسى قُطّاع الطرق الذين ينشطون في موسم الحج والذين كانو يسمّون سابقا بـ(الحنشل)، ولعل أدق تجسيد لهذه الرحة الشاقة هو ما ذكره الشاعر الكبير فهد بورسلي رحمه الله حين جسّد في قصيدة جميلة له رحلة الحج على الجمال، وما عاناه خلالها حيث أتت القصيدة من رحم المعاناة، ومن واقع تجربة حيث قال بها قصيدة كاملة.
البشير
وعند انتهاء مناسك الحج ينذر شخص ما من الحجاج نفسه ليعود مسرعاً قبل جماعته ليبشّر بعودتهم ويسمّى بلهجتنا (البشير أو المبشّر)، ومهمته هذه تكون بهدف تطمين الأهالي في البلد على أهاليهم الحجاج ومن ثم يقوم الأهالي بإعطائه البشارة وهي المنح والهدايا نظير هذه البشارة.
طقوس للأولاد والبنات
وهناك أيضاً طقوس للأولاد والبنات في هذا الموسم نبدأها بطقس يعرف باسم (الحَيَّة) بمعنى الحجّة، وهو طقس تقوم به الفتيات الصغيرات بزرع بعض بذور النباتات البسيطة كالرشاد والشعير والحلبة في سلّة صغيرة، وحين ينبت هذا الزرع يتجمعون ويذهبون للبحر ويلقون بهذه السلال في البحر مرددين اهزوجة تقول (يا حيّتي يا بيّتي حيّي لابوي حيّي لامي سبع حجّات) تعبيراً عن شوقهم واهتمامهم بهذه المناسبة الدينية وترقبّا لعودة الحجاج، ومن ناحية أخرى يقوم الأولاد في ليلة الوقفة (وقفة عرفات) بطقس يسمى (كاسيروه دلّه) ويسمى هذا اليوم بـ (يوم النشر)، حيث يقوم الأولاد برفع رايات ملونة والطواف على البيوت، والفرجان مرددين اهزوجة تقول كلماتها (كاسيروه دلّة أربع آنات دلّة)، وفي قول آخر (كاسينه دلّة) والمعنى هنا متضارب بين البحّاث الروّاد فالبعض فسّر القول بدلال القهوة المكسورة والبعض لم يفسّر القول أو الاهزوجة.
أهازيج الصغار في العيد
ومن مظاهر العيد أهازيج الصغار حيث كانوا يرددون بعض الأغاني والصيحات ومنها (باكر العيد ونذبح بقرة نادو مسعود كبير الخنفرة) وأيضا يرددون اهزوجة تسمى (العايدوه) وهي تكون موسمها في موعد ذهاب الحجاج لرحلة الحج وتقول كلماتها باختصار (يالعايدوه يالعايدوه، يا عيد المبارك علينا دخل يالعايدوه).
اطريف اطريف
وعند عودة الحجاج محمّلين بالصوايغ (الهدايا) من بيت الله الحرام تقوم البنات الصغار بطقس يُعرف باسم (اطريف اطريف) طريقته القيام بالطواف على بيوت العائدين من الحج طمعاً بالصوايغ مرددين اهزوجة تقول (اطريف اطريف يا اهل البيت، عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم، يا مكة يا المعمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة).
هذا من ناحية الحج وطقوسه في الموروث الشعبي الكويتي.
العيد وطقوسه في الموروث
ونتطرق أيضاً إلى العيد ومفهومه وطقوسه وما جاء في هذا الموروث بشأنه بداية مع قصائد الشعراء عن العيد بشكل مختصر: الشاعر عبيد بن صمعان العجمي، حين صادفهم العيد في موسم الغوص، وهم في البحر قال شعرا (وا هني الترف عيده بالبلادي، في نهار العيد يلبس ثوب خارة، عيدنا بالهير تسمتنا الأيادي، لبسنا الشمشول ملبوس الغيارىٰ).
(ثوب خارة: من الملابس النسائية، الهير: مكان ومغاص اللؤلؤ، الشمشول: لباس الغواص السروال القصير).
وأيضا قال الشاعر صقر النصافي عن العيد وهو في موسم الغوص: (العيد هذا عيدهم يا خليفة، اللي نهار العيد يسعون بالكيف، والا انت عيدك بالدروب الكليفة، نهار عيد الله تغوص الخواليف). (الخواليف: نوع من الصدف الكبير المسنّن يُشكّل خطراً على الغوّاص).
ويقول الشاعر فهد بورسلي عن العيد: (تعدّيت ما مرّيت يا عيد ارمضان، نجازيك في هجرك بعيد الضحيّة، أحسّب اسبوع العيد من شهر شعبان، وغيري يحسّب والليالي مديّة)، وقال أيضا: (يا علي ما تجمّل عيد ارمضاني، كود يجبر خاطري عيد الضحيّة).
ومن ناحية أخرى، توجد بعض المقولات والأمثال في الموروث والمرتبطة بالعيد ونذكر منها: يقال (بالسنة عيدين وهذا الثالث) تعبيرا عند فرحتنا وللترحيب من نحب من الأعزّاء، ويقال (فرقاه أو فراقه عيد) عند التخلّص ممن نكره، ويقال (عيّد يا سعيّد) عندما يبتسم الحظ، ويقال في الأمثال (ما كل يوم للصبايا عيد) ويضرب للصغار من لا ينظرون عواقب الأمور وأن ليست كل الأيام فرح وسرور كالعيد فلابد من منغصات الحياة، ويقال (خذ من كيسه وعايده) حين يكون العطاء مأخوذاً مسبقاً ممن نعطيه له.
هذا ما وفقنا الله بحصره ورصده وطرحه مما يمثّل الحج والعيد في موروثنا الشعبي الكويتي، آملين المحافظة على هذا الموروث وهذه الهوية المجتمعية الوطنية بتقاليدها وعاداتها الجميلة وحفظ الله الكويت وأميرها وشعبها من كل مكروه.
المراجع
اللوحات من كتاب (التراث الكويتي في لوحات أيوب حسين الأيوب) وكتاب (أغاني الأطفال في الكويت لإبراهيم راشد الفرحان)، وكتاب (مع الأطفال في الماضي لأيوب حسين الأيوب)
* باحث في اللهجة والموروث الشعبي الكويتي وعضو الجمعية الكويتية للتراث
