حال الكويت

أرض الكويت... تاريخ من تعايش الثقافات

  • 1/2
  • 2/2

كتب ناصر المحيسن - الكويت في الأربعاء 8 مايو 2024 10:02 مساءً - أجمع عدد من الأكاديميين المختصين، على أهمية تعزيز وحماية الوحدة الوطنية، ونبذ الخلاف بين مكونات المجتمع الكويتي الذي تميز منذ القدم بتنوعه العرقي والمذهبي، لافتين إلى أن تاريخ الكويت الأثري الموثق علمياً، دل على تعايش وتنوع الثقافات على هذه الأرض، التي حافظت على تعدديتها، مؤكدين على أهمية الالتفاف حول القيادة الحكيمة وتكافل الشعب، والتركيز على التقدم والتطور يداً بيد.

جاء ذلك في الجلسة الحوارية «مآثر وآثار الكويت تجمعنا»، أول من أمس في ديوان «سهر والمعطش»، «ديوان الوحدة الوطنية» في منطقة المسايل.

الدستور ترجمة للأخلاق

بداية، اعتبر الأستاذ في جامعة الكويت الدكتور فلاح الهاجري، أن تاريخ الكويت الأثري الذي تركته الحضارات المتعاقبة على أرض الكويت منذ مئات السنين، دل على أهمية التعايش على هذه الارض، مبيناً أن «أهل الكويت أهل فزعة ومجتمعنا متماسك منذ نشأة الكويت، والمجتمع الكويتي مجتمع ينتمي الى الدين الإسلامي الحنيف».

وأضاف أن الدستور لم يأتِ من فراغ بل تجسد فيه حب وترابط قلوب أهل الكويت وتصرفات المجتمع والتي انتجت هذه الوثيقة الدستورية التي نعتز بها، والدستور لم يأت إلا ترجمة لأخلاق أهل الكويت، والتعاون الموجود بين المواطنين والتراحم بينهم على اختلاف مشاربهم وطوائفهم.

ولفت الهاجري إلى ان «الحرية كفلها الدستور. ونحن نطلب المزيد من الحريات، ومن فضل الله على هذا المجتمع، فمن قبل الدستور، هذا المجتمع منضبط في حريته، ننتقد انتقاداً علمياً منصفاً، ولكن الطعن في الاشخاص ليس من الحرية في شيء، وهذا يؤدي الى تفكك المجتمع، فالإسلام جاء لضبط مسائل الحرية»، مستدركاً «الآن نرى دعوات عنصرية وطائفية وفئوية وقبلية وطبقية، تنادي بتفكك المجتمع».

وتابع أن من حدود الله عدم التجاوز على الآخرين «فنحن عندما ننتقد وننبذ الطائفية والعنصرية، فكلنا مجتمع واحد وكلنا كويتيون، ولا فرق بين أصل عربي واعجمي او بدوي وحضري، وهذا يدل على ترابط المجتمع، فالمجتمع الكويتي يربي نفسه، فلا يسمح لأحد ان يتعدى على أحد».

الهوية... اختلاف وفروقات

وبدوره، قال أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتور يعقوب الكندري، بحكم التخصص نتحدث عن الثقافات الفرعية الموجودة في المجتمع الكويتي، وكيف حافظ خلال الفترات الزمنية على وحدته وهويته الوطنية والمجتمعية، وكيف أصبحت هذه الهوية الوطنية، مع الأسف الشديد، بين فترة وأخرى تتخللها بعض الشوائب.

وأضاف مفهوم الهوية الوطنية والمجتمية مبني أساساً على اختلاف وفروقات، بمعنى فروقات ثقافية، فالمجتمع الكويتي فيه فروقات ثقافية مثل أي مجتمع معاصر، وهناك ثقافات فرعية داخل المجتمع، مبيناً أن المجتمع الكويتي حسب التقسيم الثقافي داخل المجتمع يتكون من 6 ثقافات فرعية أساسية، وهناك ثقافات أخرى.

ولفت الكندري أن هناك 3 متغيرات أساسية تلعب دوراً في تحديد هذه الثقافات، وهذه المتغيرات هي: (المذهب سني/ شيعي)، و(الجذور قبلية/ حضرية) و(الأصول عربية/ فارسية)، فالمجتمع الكويتي مكون من هذا النسيج، فجميع أفراده إما أتوا من الشمال وإما الجزيرة العربية وإما من إيران، فتشكيل المجتمع الكويتي من 6 ثقافات فرعية أساسية، كبرى داخله.

واشار الكندري الى ان الثقافات الستة كانت متعايشة، بحيث لا يمكن في اي وقت ان نسمع اي نوع من انواع التفصيل او التحديد لهذه الثقافة عن المذهب، وكانت متمازجة ومندمجة اجتماعيا بشكل كبير جدا، إلى أن أتت بعض المتغيرات مع الأسف الشديد خلال العشرين سنة الماضية، والتي بدأت تظهر هذه الثقافات وزادت في فترة من الفترات شدة اختلافها مع بعضها البعض، والحمد لله فإن المثقفين في المجتمع الكويتي استطاعوا أن يحبطوا هذه المحاولات التي تعزز الفرقة في الهوية الوطنية.

ورأى الكندري «أننا لا نستطيع تحقيق التوافق بين الثقافات الستة في المجتمع الكويتي إلا من خلال تطبيق القانون، فعندما يغيب القانون تظهر الثقافات متناحرة، ولكن ببساطة عندما نطبق القانون، فالجميع متساوون، نشعر بالوحدة الوطنية والهوية الوطنية».

السلوك البشري الثقافي

ومن جهته، قال أستاذ الانثروبولوجيا في كلية الآداب في جامعة الكويت الدكتور حسن أشكناني «اليوم نعمل على ربط الآثار مع الوحدة الوطنية، وهذا من المواضيع النادرة جدا، ولا اعتقد ان هناك تخصصاً في الوطن العربي يربط الاثار مع الوحدة الوطنية»، مبينا ان «تخصصنا هو التنقيب عن الماضي البشري. ونهتم بالعادات والتقاليد والنظام السياسي والاجتماعي والديني والفكري في المجتمعات الحالية، ودور الديوانية في العمل السياسي والعقيدة، ودورها في الحصول على المناصب، والاقتصاد وعلاقته بالامراض، وهذه كلها مواضيع الانثروبولوجيا، وهي السلوك البشري الثقافي، ولكن في علم الآثار ندرس هذه المفاهيم في المجتمعات القديمة».

واضاف أن الحكومة اهتمت في عام 1957 بدعوة أول فريق تنقيب أثري في تاريخ الكويت. وجاءت البعثة الدنماركية، حيث كانت قد اكتشفت في البحرين حضارة دلمون وعمرها 5 آلاف سنة، وثلث ملحمة غلغامش يتحدث عن دلمون، ومكان وصله زيوسدرا (سيدنا نوح عليه السلام) وتبارك فيه، هو أرض مقدسة اسمها دلمون، وفيها آبار مياه وعيون السمك، ويقصد فيها اللؤلؤ والنخيل، وبعث زيوسدرا كتاباً الى كبير آلهة سومر. وقال اجلس في هذه الأرض وانا سارسل لك ابني، وهذه اسطورة طبعا، حيث أرسل ابنه انزاك ولم نعرف هذه القصة منذ 4500 سنة الى سنة 1958، عندما تم التنقيب الأثري في منطقة تل سعد جنوب غرب جزيرة فيلكا.

وأشا إلى عثور الباحثين على ختم دلموني قياسه واحد سنتيمتر، مصنوع من العقيق مكتوب عليه «انا ايجال جولا خادم انزاك من اوقروم». وهو أدم ملك على أرض الكويت، قبل 4500 سنة، وهذا كان مفتاحا لاكتشافناً الكثير من المواقع الاثرية في جزيرة فيلكا، حيث كانوا يسمونها قديما جنة عدن في حضارة دلمون، وقصر الحاكم الدلموني عندنا في فيلكا، وتحت تل سعد معبد و37 بيتاً لمن سكن دلمون قبل 7 آلاف سنة.

وتابع «بجانب ما ذكرنا وجد موقع جديد سيعلن عنه قريبا، واحتمال أن يكون معبداً على مساحة ألف متر مربع، وفيه آلاف مؤلفة من الفخاريات والاختام والعقيق والنصوص القديمة، ومنذ 1958 حتى اليوم لدينا 9 بعثات اثرية، للبحث في منطقة كاظمة والصبية وفيلكا وقريبا نتحرك على الخيران»، مبينا انه تم اكتشاف حضارة تتبع الاسكندر المقدوني في الكويت، والحضارة الهلنستية وجدنا لها آثاراً قريبة وعجيبة في الكويت، وقلعة كاملة 60 متراً في 60 متراً تحت الأرض في منطقة تل سعد، لها 9 ابراج وفيها ألف تمثال ديني يوناني.

«شبعنا تذمراً وانتقادات»

ومن جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور عبدالله سهر «من خلال هذا الديوان، نسعى للحديث عن كل الأمور الإيجابية في بلدنا، وحرصنا على أن نتحدث عن الاشياء الجميلة في الكويت، ونحن في الكويت وان كنا نتألم من الكثير من الاشياء السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن علينا ان نتذكر أننا نعيش في الكثير من النعم».

وأضاف أن الدكتور فلاح تحدث عن نعمة الإسلام والعروبة، التي تجمعنا وهذه من أفضل النعم، والحمد لله المجتمع الكويتي مجتمع محافظ على دينه وتراثه وليس متعصباً ومنفتح على الآخر، وتحدث الدكتور يعقوب الكندري عن الموزاييك الذي يمثله النسيج المجتمعي في الكويت، وهذه نعمة من الله، ان جعلنا متعددين لكي نعلم نعمة التعددية، وكذلك طاف بنا الدكتور حسن في هذا التاريخ الذي اجتمعت فيه هذه الحضارات كلها، من 7 آلاف سنة، حضارات استقرت في هذه الارض وأعطتها التعددية من عدة لغات وأجناس وأديان وأصول ووجدت في هذه الأرض سحراً والا ماذا لدينا؟ صحراء لا ينبت فيها زرع ولا فيها ماء، غير انهم وجدوا فيها نعمة الامان والتعايش وهي من افضل النعم.

واعتبر أنه «مهما انتقدنا الاوضاع القائمة، ولكن نعم الله سبحانه وتعالى علينا كثيرة في هذا البلد، لدينا قيادة حكيمة وشعب متسامح ومتكافل، ولو تطرق الباب على اي شخص ما تعرفه وتقول له انا جائع يكرمك، ونحن الحضر عندما نذهب للبدو ونشرب معهم فنجان قهوة معهم (يطيح الحطب)».

وأضاف «في الغزو، بيت القرين استشهد فيه الشيعة والسنة دفاعا عن الكويت، وهذه كلها من نعم الله علينا في الكويت لابد ان نذكرها، ونذكر فيها ابناءنا وفي نفس الوقت نتذكر الأشياء التي نسعى لاصلاحها، لاننا شبعنا من التذمر والانتقادات».

6 ثقافات أساسية للمجتمع الكويتي

فصّل الدكتور يعقوب الكندري، الثقافات الفرعية الأساسية الست في المجتمع الكويتي، كما يلي:

• الأولى: سنية المذهب، عربية الأصل، قبلية الجذور.

• الثانية: سنية المذهب، عربية الأصل، حضرية الجذور.

• الثالثة: سنية المذهب، غير عربية الأصل، حضرية الجذور.

• الرابعة: شيعية المذهب، عربية الأصل، قبيلة الجذور.

• الخامسة: شيعية المذهب، عربية الأصل، حضرية الجذور.

• السادسة: شيعية المذهب، غير عربية الأصل، حضرية الجذور.

وهناك ثقافات أخرى محدودة.

من الفصل العنصري إلى رئيس أسود

قال الكندري «لنا أمثلة في الدول الأخرى في تعزيز الهوية الوطنية من خلال تطبيق القانون، مثال أميركا التي تحتوي على فسيفساء للثقافات الفرعية. فقبل حركة الحقوق المدنية في أواخر الستينيات كان هناك تمييز عنصري بين الابيض والأسود، وبعد اقرار الحقوق المدنية المجتمع الاميركي طبق القانون بصرامة، وبعد 49 سنة اصبح رئيس الدولة أسود البشرة».

منازل عمرها 7 آلاف سنة

ذكر أشكناني أن البعثة السلوفاكية اتت الى منطقة الصبية قبل 10 سنوات، واكتشفت موقعاً اثرياً واحداً، وفيه منازل تعود لنهاية العصر الحجري عمرها 7 آلاف سنة، ووجد فيها مجسم لأقدم سفينة في تاريخ البشرية، وهي صغيرة طولها 15 سم، وفي ما بعد وجدنا مقدمة السفينة الحقيقية.

Advertisements

قد تقرأ أيضا