كتب ناصر المحيسن - الكويت في الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 12:10 صباحاً - في توقيت إقليمي ودولي يتّسم بتسارع التحولات الاقتصادية وتغيّر موازين الطاقة والتجارة، تأتي زيارة المبعوث التجاري للمملكة المتحدة الصديقة لدى دولة الكويت، اللورد إيان ماكنيكول، لتؤكد متانة العلاقات الكويتية – البريطانية وآفاقها المفتوحة على شراكات أوسع.
وخلال زيارته الرسمية إلى البلاد، أجرى اللورد ماكنيكول سلسلة من اللقاءات، شملت كلاً من وزير الدفاع الشيخ عبدالله علي عبدالله السالم الصباح، ووزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار بالوكالة صبيح المخيزيم، ورئيس الهيئة العامة للطيران المدني الشيخ حمود مبارك الحمود الصباح.
وفي حوار خاص مع «الراي»، سلّط ماكنيكول الضوء على فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، والدور المحوري للكويت في المنطقة، إلى جانب رؤيته لمستقبل الطاقة والتكنولوجيا النووية السلمية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، مؤكداً أن المملكة المتحدة «مُنفتحة على الأعمال»، وأن الكويت شريك إستراتيجي قادر على لعب دور مؤثر في المرحلة المقبلة.
وفي ما يلي نص الحوار:
• ما الرسالة الأساسية التي تحملها معك إلى الكويت خلال هذه الزيارة، وما الذي تسعون إلى تحقيقه عملياً على صعيد التعاون الاقتصادي؟
- بصفتي المبعوث التجاري الجديد للمملكة المتحدة إلى الكويت، فإن هذه الزيارة تُعدّ من أولى زياراتي، وهدفها الأساسي هو بناء العلاقات والتعرّف عن قرب إلى الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال، وكذلك إلى المجتمع الكويتي بشكل عام، وليس فقط أولئك الذين لديهم أعمال قائمة مع المملكة المتحدة، بل أيضاً الشركات الكويتية العاملة هنا.
الرسالة الأساسية التي أحملها هي أن بريطانيا مُنفتحة على الأعمال، ومهمتي كمبعوث تجاري تتركّز على العمل مع الشركات البريطانية لدعم الصادرات وبناء الشراكات، وبالتوازي مع ذلك، نحن هنا في الكويت عبر سفارتنا وفريقنا التجاري، ومع السفير البريطاني الجديد، لتعزيز هذا التوجه.
والأمر يسير في اتجاهين: نريد من الكويتيين أن يزوروا بريطانيا، وأن يستثمروا فيها، وأن يعملوا معها، وفي المقابل نسعى إلى فتح وتطوير مسارات التجارة بين البلدين والبناء عليها.
• كيف تقيّمون مستوى العلاقات التجارية الحالية بين المملكة المتحدة والكويت، وما المجالات التي لا تزال غير مستغلة بالشكل الكافي؟
- العلاقات التجارية الحالية جيدة، لكن توصيفي الأدق هو أن هناك فرصاً حقيقية لمزيد من التوسع. فقد شكّل قطاع النفط والغاز، تاريخياً، محوراً مهماً للتعاون الاقتصادي بين البلدين، وحقّق نتائج إيجابية.
وهناك فرص كبيرة في قطاع الصحة يمكن تطويرها، إضافة إلى البناء والإنشاءات والبنية التحتية. على سبيل المثال، صُمم مبنى الركاب الجديد في مطار الكويت من قبل شركة الهندسة المعمارية البريطانية الشهيرة «فوستر آند بارتنرز»، كما تعمل شركات بريطانية متعاقدة من الباطن في المشروع.
وعند النظر إلى ما تشهده مدينة الكويت من حركة بناء واسعة، تتضح فرص كبيرة أمام الشركات البريطانية في إدارة المشاريع الهندسية (EPC) وتقديم الخدمات المرتبطة بها. كما أرى فرصاً إضافية في قطاع الطاقة، في ظل التحول العالمي المتسارع والحاجة المتزايدة إلى الكهرباء.
• استناداً إلى لقاءاتكم مع المسؤولين الكويتيين، ما أبرز القواسم المشتركة في الرؤى الاقتصادية؟
- كان القاسم المشترك في لقاءاتي مع كبار المسؤولين الكويتيين، هو التركيز على الفرص المستقبلية. نعلم جميعاً عمق العلاقة التاريخية بين بلدينا، سواء على مستوى العائلات الحاكمة أو في مجالي الأمن والدفاع خلال العقود الماضية.
لكن اللافت هو التركيز المشترك على المستقبل، وكيفية تشجيع الشركات البريطانية على العمل في الكويت، وفي المقابل تشجيع الاستثمارات الكويتية – سواء عبر الهيئة العامة للاستثمار أو العائلات الكويتية – على التوسع في المملكة المتحدة. العلاقة متبادلة ومتوازنة.
الفرص المتاحة
• ما الذي يُميّز الكويت كشريك تجاري واستثماري للمملكة المتحدة مقارنة بدول أخرى في المنطقة؟
- جزء من التميّز يعود إلى التاريخ المشترك، لكن الأهم هو حجم الفرص المتاحة. نحتاج إلى عمل أكبر – السفارة البريطانية في الكويت، والسفارة الكويتية في لندن – لتوضيح هذه الفرص وشرحها بشكل أوسع.
لم يكن هناك تدفق سياحي كبير من المملكة المتحدة إلى الكويت، بينما كان العكس قائماً. لدينا فرصة حقيقية لتطوير هذا الجانب والانتقال به إلى مرحلة جديدة.
• هل هناك قطاعات محددة تشجعون الشركات البريطانية على التوسع فيها داخل السوق الكويتي؟
- نعم، أبرزها قطاع الصحة، حيث ناقشنا خلال لقائنا مع وزير الصحة فرص التعاون، لا سيما بعد توقيع مذكرة تفاهم أخيراً بين الجانبين. كما أن قطاع الطاقة والإنشاءات يحظيان باهتمام كبير، في ظل تنويع مصادر الطاقة عالمياً.
وهناك أيضاً فرص مهمة في الطيران وصناعة الطيران، حيث تُصنع محركات «رولز رويس» في ديربي، وأجنحة الطائرات في جنوب إنكلترا، ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون في هذا المجال. وهذه القطاعات تتماشى مع الإستراتيجية الصناعية البريطانية، كما تنسجم مع رؤية «كويت 2035».
أمن الطاقة
• كيف يمكن للتجربة البريطانية أن تسهم في دعم توجهات الكويت في مجال أمن الطاقة وتنويع مصادرها؟
- المملكة المتحدة تُعدّ من الدول الرائدة عالمياً في تنويع مصادر الطاقة، سواء الطاقة المتجددة أو النووية أو التقنيات الحديثة، وهناك فرص كبيرة للتعاون مع الشركات الكويتية الراغبة في الاستثمار في هذه المجالات.
فجامعاتنا، مثل أكسفورد وكامبريدج، تخرج تقنيات متقدمة نحرص على تطويرها ونقلها إلى مرحلة التطبيق العملي. على سبيل المثال، تعمل خفر السواحل الكويتية مع شركة بريطانية طوّرت سفناً غير مأهولة للمراقبة البحرية، تُدار من البر داخل الكويت، وتُستخدم لتعزيز السلامة البحرية ومكافحة التهريب.
وهذا نموذج عملي للتكنولوجيا البريطانية المبتكرة بالتعاون مع مؤسسات كويتية كفؤة، وأرغب في رؤية المزيد من هذه النماذج.
التعاون النووي
• كيف ترون دور الطاقة النووية السلمية في مزيج الطاقة المستقبلي لدول الخليج؟
- شهدنا تجربة ناجحة في دولة الإمارات مع أول محطة نووية كبرى، وفي المملكة المتحدة حصلت شركة «رولز رويس» على الموافقات لبناء أول مفاعل نووي صغير (SMR)، مع عقود قائمة في جمهورية التشيك وخطط للتوسع في دول أوروبية أخرى.
وهناك فرصة كبيرة لسلاسل التوريد البريطانية في هذا القطاع، إضافة إلى خبرتنا في التنظيم والرقابة النووية، حيث شارك خبراء بريطانيون في تطوير الإطار التنظيمي لمحطات الإمارات، ونحن مستعدون لمشاركة هذه الخبرات مع الكويت.
• هل هناك نقاشات أولية مع الجانب الكويتي حول التعاون النووي؟
- لم تُعقد نقاشات رسمية بعد، لكن الفرصة متاحة. أدعو أي جهة مهتمة للتواصل مع السفير البريطاني أو الفريق التجاري أو معي شخصياً لتسهيل هذه الحوارات.
• ما الرسالة التي توجهونها للمستثمر الكويتي؟
- الرسالة بسيطة وواضحة: المملكة المتحدة مُنفتحة على الأعمال... أهلاً وسهلاً بكم.
دور قيادي للكويت في اتفاقية التجارة الحرة
قال اللورد ماكنيكول إن الكويت لعبت دورا قيادياً خلال الأشهر الـ12 الماضية، في ما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وأسهمت بشكل فعّال في دفع المفاوضات قدماً، مشيراً إلى أنه لم يتبقَ سوى قضايا فنية محدودة مع بعض الدول الأخرى، ولا توجد أي قضايا عالقة مع الكويت، ولهذا أود أن أوجّه الشكر للكويت على قيادتها الحكيمة لهذا الملف.
الأمان النووي في صدارة اهتمامنا
بسؤاله عن الضمانات المحيطة بالصناعة النووية ومدى التزامها بأعلى معايير السلامة والاستدامة، قال اللورد ماكنيكول: في المملكة المتحدة، وعلى مدى سبعة عقود، لم نسجل أي حادث نووي. السلامة كانت وستبقى أولوية قصوى، ومع تطور التقنيات – سواء المفاعلات الصغيرة أو المتقدمة – تبقى معايير الأمان في صدارة الاهتمام.
مشاريع بنية تحتية بريطانية بعوائد جاذبة للاستثمار الكويتي
قال اللورد ماكنيكول إن الهيئة العامة للاستثمار الكويتية كانت أول مكتب استثماري سيادي يُنشأ في بريطانيا عام 1953 داخل بنك إنكلترا، وأسهمت استثماراتها في تطوير البنية التحتية والعقارات وقطاع التجزئة في المملكة المتحدة.
وشدّد على رغبة بلاده في توسيع نموذج الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم مشاريع بنية تحتية كبرى في بريطانيا، تُحقّق عوائد مجزية للكويت، وفي المقابل ننقل خبراتنا في الهندسة والطاقة والسياحة لدعم المشاريع الكويتية.
6.5 مليار جنيه إسترليني حجم التبادل التجاري سنوياً
رداً على سؤال: كيف تتصورون مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال السنوات الخمس المقبلة؟، قال اللورد ماكنيكول: أتوقّع تحسناً ملموساً. حجم التبادل التجاري يتجاوز حالياً 6.5 مليار جنيه إسترليني سنوياً، وهناك فرص كبيرة للنمو، خصوصاً في قطاع الأغذية والزراعة، حيث لاحظت خلال زيارتي أن لحوم الضأن المستوردة من بريطانيا تصل إلى الكويت ثلاث مرات أسبوعياً.
«فريج صويلح»
أعرب اللورد ماكنيكول عن سعادته بالأجواء في الكويت، وقال ضاحكاً: لا أصدق أنني جلبت الطقس الأسكتلندي معي إلى الكويت. لكن بعيداً عن الطقس، كان الترحيب الكويتي دافئاً ومميزاً، على المستويين الرسمي والشخصي، وسنحت لي الفرصة لتذوق الطعام الكويتي اللذيذ في «فريج صويلح».
أخبار متعلقة :