كتب ناصر المحيسن - الكويت في السبت 27 ديسمبر 2025 10:10 مساءً - تتجاوز سلطنة عُمان في حضورها الإنساني والسياحي حدود الوصف، فهي وجهة استثنائية بكل تفاصيلها...عراقة التاريخ، وسماحة القلوب وجمال أهلها، عناصر تتفرد بها عُمان عن سائر البلدان السياحية.
قد يجد الزائر في مدن العالم معالم تُبهره، لكنه في عُمان يكتشف ما هو أعمق من ذلك.. بشاشة الوجه العُماني وكرمه الأصيل، الذي يتسع قلبه وعقله لكل ضيف... هنا، يشكل التسامح والوفاء ملامح راسخة في الروح البشرية، وتنساب راحة البال مع جمال الطبيعة، لتسحر القلوب والعقول، وتسكن اللحظات الجميلة في سلطنة المحبة والعطاء.
يتنامى القطاع السياحي في عُمان بشكل متسارع، مع وجود رغبة في تعزيز الحركة الاقتصادية ونقلها إلى العالمية، تجارياً وسياحياً وخدماتياً، لتشكّل السلطنة وجهة استثمارية جاذبة للعالم وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى ما تملكه من مدن سياحية مثل مسقط وصور وصحار ونزوى وصلالة التي تشكّل محطات سياحية نابضة بالحياة، تستقطب الزوار بما تحمله من تاريخ وثقافة وجمال طبيعي.
على ارتفاع 3000 متر... الجبل الأخضر
بدعوة من وزارة التراث والسياحة لزيارة عدد من الوجهات السياحية، شد الرحال الوفد الإعلامي الكويتي إلى عُمان في رحلة تاريخية، وعلى بعد نحو 170 كيلومتراً من العاصمة مسقط كانت الوجهة حيث الجبل الأخضر في محافظة الداخلية، والذي يبلغ ارتفاعه نحو 3000 متر ويشتهر بزراعات الرمان والخوخ والمشمش والجوز والورود والتي لا تنمو في أي مكان آخر بالخليج العربي.
وفي أعلى مرتفعات العاصمة يطل الجبل الأخضر بمناخه المتفرد، حيث اعتدال درجات الحرارة صيفاً والبرودة الشديدة والسحب الكثيفة شتاء، تمر السحب الجميلة بين «أشجار الحلويات»، وأشهرها رمان الجبل الأخضر الذائع الشهرة في الخليج، وهناك أشجار النواة الحجرية المحلية كالخوخ، والمشمش، وأشجار الجوز الشهيرة والعنب التين، ويشتهر سكانه بتربية الماشية والزراعة ويزخر بالقرى القديمة مثل العقر والعين والأفلاج المائية، ومطلات الوادي البانورامية، بالإضافة إلى القلاع والحصون القريبة مثل قلعة بيت الرديدة وحصن جبرين وغيرها.
والجميل أن الجبل الأخضر يعج بالقرى والأماكن التاريخية والثقافية، مثل قرية العقر ذات البيوت الحجرية والمناظر الخلابة، وقرية العين الشهيرة بالزراعة والأفلاج المائية القديمة وقرية وادي بن حبيب وقلعة بيت الرديدة التاريخية ومزارع ورد الجبل المخصص لصناعة ماء الورد، وهناك أيضاً مسارات ترشدك إلى القرى الثلاث، وهو مسار مشي سهل يوفر مناظر رائعة للمدرجات الزراعية.
«متحف عمان»... قصص التاريخ والجغرافيا
توجه الفريق الإعلامي من الجبل الأخضر إلى «متحف عمان» عبر الزمان الذي شيد أخيراً، وافتتحه رسمياً السلطان هيثم بن طارق في مارس 2023، وهو يحوي قصص التاريخ والجغرافيا، حيث زيارة متحف عمان عبر الزمان بولاية منح في محافظة الداخلية يرصد تاريخ أرض عمان قبل مئات السنين، ويسعى إلى التعريف بالحقب التاريخية المختلفة التي شهدتها سلطنة عُمان مثل جيولوجيا الأرض والسكان الأوائل، وصولاً إلى عصر النهضة المباركة.
وفي هذا السياق، قال هارون بن عيسى من فريق المتحف، إن «المتحف يسلط الضوء على حضارة عُمان عبر الزمان، وتاريخ السلطنة في العصر البرونزي، بوصفه مرحلة مفصلية في تشكّل الهوية الحضارية العُمانية، حيث تميزت عُمان عبر الزمان بعلاقاتها التجارية الواسعة مع حضارات كبرى، مثل بلاد الرافدين ودلمون ووادي السند، وهو ما يعكس الدور المحوري الذي لعبته عُمان في حركة التجارة والتواصل الحضاري في العالم القديم».
عُمان في وثائق ونقوش بلاد الرافدين
وأوضح بن عيسى أن «المتحف يستعرض مجموعة من الأدلة التاريخية، من بينها وثائق ونقوش من بلاد الرافدين ورد فيها ذكر عُمان، إضافة إلى الإشارات إلى الملوك والمعتقدات الدينية في تلك الفترة، مما يؤكد عمق الحضور السياسي والديني لعُمان في التاريخ القديم»، مشيراً إلى أن «المتحف يسلط الضوء أيضاً على القوارب العُمانية القديمة، من خلال عرض مراحل بنائها المختلفة، والبضائع التي كانت تُنقل عبرها، في دلالة واضحة على تطور مهارات الملاحة وبناء السفن لدى العُمانيين، ودورهم الريادي في التجارة البحرية خلال العصر البرونزي».
وفي جناح القنوات المائية، بيّن أن «الأفلاج تُعدّ جزء لا يتجزأ من تاريخ عُمان وحضارتها، إذ شكلت عبر العصور ركيزة أساسية في حياة الإنسان العُماني»، كما تضم السلطنة أكثر من 3000 ألف فلج ما زالت تؤدي دورها الحيوي، حيث توفّر ما يقارب 40 في المئة من المياه المستخدمة في ري المزارع، مؤكداً أن الأهمية الكبيرة للأفلاج دفعت إلى تخصيص جناح كامل في المتحف للحديث عنها، يتناول عمارة الأفلاج وهندستها، إضافة إلى التراث غير المادي المرتبط بها، مثل القصص والأساطير والحكايات الشعبية، وكذلك الأشعار التي ارتبطت بالأفلاج عبر الأجيال، وهذه القيمة التاريخية والثقافية العالمية للأفلاج العُمانية تُوِّجت بإدراج خمسة أفلاج ضمن قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي.
«صحراء بدية»... رمال على مدّ النظر
المحطة الثالثة للزيارة كانت الأكثر إثارة في الرحلة، حيث زار الوفد الإعلامي «صحراء بدية» رمال ممتدة على طول النظر، وهي وجهة سياحية صحراوية شهيرة تقع في ولاية بدية بمحافظة شمال الشرقية، وتتميز بكثبانها الرملية الذهبية الساحرة، والواحات الخضراء وتوفر تجارب مثل رحلات الدفع الرباعي، والتزلج على الرمال، وركوب الجمال، والتخييم مع أجواء تراثية، وهي نقطة انطلاق ممثلة لاستكشاف جمال الصحراء العمانية.
وتتنوع طبيعة ولاية بدية بين الرمال والجبال والسهول والواحات الخضراء التي يبلغ عددها 15 واحة تنتشر فيها النباتات البرية، وتضم عيوناً مائية كثيرة ويعتمد سكانها على الأفلاج في استخراج المياه الجوفية واستعمالاتها؛ إذ يوجد بها 17 فلجاً، وتنتشر في الولاية الأشجار البرية مثل الغاف والصنوبر، وبها أنواع من الحيوانات البرية مثل الغزلان إضافة إلى الزواحف والطيور.
وتحظى صحراء «بدية» بعوامل جذب سياحي وتراثي وشهرة محلية وخارجية فريدة ساهمت في تعزيز ما تمتلكه من مقومات طبيعية وبيئة تنفرد بها، حيث تمثل واحاتها الجميلة ذات الرمال الذهبية الناعمة بوابة عبور لقوافل السياح الأجانب والزوار المتجهين إلى رمال الشرقية، وتمتزج فيها روح الأصالة العمانية والتاريخ بالمعاصرة في تجانس فريد ونادر يجمع الطبيعة والتراث والأصالة العمانية، ويرتبط أهلها بالموروثات التقليدية وحبهم للأصالة ومحافظتهم عليها رغم الحداثة التي تعيشها الولاية. ويتجلى ذلك بوضوح في التمسك بالعادات والتقاليد وبعض الفنون التقليدية والمسابقات التي تقام خلال المناسبات الدينية والوطنية، مثل سباقات عرضة الهجن والخيل.
صحراء السلطنة... تنوع وثراء في الطبيعة السياحية
وخلال الزيارة، كان الوفد على موعد مع زيارة مصنع القوارب الخشبية في ولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية، وذلك في رابع محطات الرحلة، ويعتبر المصنع معلماً تاريخياً وسياحياً مهماً، ويقوم بصناعة العديد من السفن والقوارب مثل البغلة والغنجة، رغم التحديات التي تواجهها الصناعة من قلة الطلب وتأثير المواد الحديثة.
وأشار المرشد السياحي ياسر المعمري إلى أن ولاية صور تشتهر بصناعة السفن الخشبية والأبواب الخشبية، إضافةً إلى كونها منطقة ساحلية معروفة بصيد الأسماك، ويعد المصنع هو الأقدم في منطقة الخليج، ولا يزال قائماً حتى اليوم، محافظاً على أساليب العمل التقليدية في صناعة السفن الخشبية، مبيناً أن أوزان السفن تتراوح بين طن واحد إلى ثلاثة أطنان حسب رغبة المالك أو العميل والذي يقوم بتحديد المواصفات والتفاصيل الخاصة بالسفن المطلوبة ليباشر بعدها العاملون في المصنع عملهم.
ولفت المعمري إلى أن مدة صناعة السفينة تتراوح بين سبعة أشهر وسنة كاملة، بحسب التصميم الداخلي، والذي يُعد من أكثر المراحل التي تتطلب جهداً ووقتاً، وهذه السفن لا تزال تُستخدم في البحر حتى الوقت الحالي، وفي سلطنة عُمان تُستخدم ضمن البرامج والرحلات السياحية.
منارة العيجة... برج دفاعي ومنارة سياحية
كما زار الوفد الإعلامي منارة العيجة أو منارة صور حيث تعتبر برجاً دفاعيّاً تم تحويله إلى منارة تستخدم لتوجيه قوارب الداو الخشبية إلى بحيرة صور، وتعد المنارة واحدة من أفضل وأجمل مناطق الجذب التي يمكن زيارتها في الولاية فهي تقع بمواجهة خليج عمان، كما تقع في أعلى نقطة على الجانب الشرقي من ميناء صور.
وتتميز المنارة بموقعها الفريد والمنقطع النظير في الجمال، كما تمنح مناظر بانورامية ساحرة للمدينة والخليج والمناطق المحيطة بها.
«رأس الحد»... أول شروق للشمس على الشرق الأوسط
وإلى محطة من أجمل المواقع السياحية في عمان، كان التوجه إلى منطقة رأس الحد في محافظة جنوب الشرقية أو ما يسمى «بلد الشروق» والتي تعتبر أول بقعة تشهد أول شروق وأول غروب للشمس في الشرق الأوسط.
وتتميز بموقعها الجغرافي الفريد، حيث تقع في الحد الفاصل بين بحر العرب وبحر عمان، كما تعتبر الأجواء فيها معتدلة على مدار السنة، ففي الصيف يكون الجو بارداً بفعل الرياح الموسمية فيما يكون دافئاً في الشتاء عندما تهب عليها رياح الشمال، وتتميز بشواطئها الجميلة ورمالها الذهبية التي تعتبر مقصداً للكثير من السياح من داخل سلطنة عمان وخارجها للاستجمام والابتعاد عن صخب المدن، كما تجذب شواطئها السلاحف البحرية الخضراء للتكاثر. وبها أول محمية السلاحف أنشئت في أبريل عام 1996. وفيها حصن رأس الحد نسبة إلى «رأس الحد».
«وادي شاب»... جمال أخاذ ومياه فيروزية
وادي شاب التابع لولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية، يعد وجهة طبيعية سياحية فريدة، تستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم، حيث يتميز الوادي بجماله الطبيعي الأخاذ، والمياه الفيروزية الصافية التي تجذب الجميع للسباحة فيها والاستمتاع بها.
ويقع وادي شاب على بُعد 150 كيلومتراً من العاصمة مسقط، ويحتاج الزوار إلى عبور الوادي من مواقف السيارات إلى الضفة الأخرى بواسطة قوارب صغيرة يمتلكها المواطنون من أصحاب المنطقة ثم متابعة الرحلة سيراً على الأقدام عبر المسارات الطبيعية التي تتخللها المناظر الطبيعية الخلابة إلى داخل الوادي وتستغرق الرحلة سيراً على الأقدام من 40 إلى 50 دقيقة بين الصخور والممرات المائية.
سوق مطرح... عبق الماضي وروائح اللبان والبخور
لا يمكن زيارة سلطنة عمان دون التوجه إلى سوق مطرح بإطلالته الفريدة على بحر عمان، حيث عبق الماضي الجميل وروائح اللبان والبخور، تجذبك على بعد عشرات الأمتار، ويعد «مطرح» السوق التراثي الشعبي الأشهر والأقدم في العاصمة مسقط، رغم تعدد الأسواق والمجمعات التجارية وتطورها العمراني.
ويعود إنشاء السوق إلى ما قبل نحو 200 عام، ويعد وجهة للسائح والزائر ومقصداً للمواطن والمقيم على حد سواء، في معروضاته المتنوعة، مثل المشغولات اليدوية كالفضيات والخناجر والأقمشة التقليدية والحلوى العمانية المشهورة والبهارات المتنوعة.
«هوية النجم»... حفرة طبيعية مذهلة
في طريقك للعودة إلى مسقط من جنوب الشرقية، لا يمكنك أن تفوّت فرصة زيارة منتزه «هوية النجم» وهو عبارة عن حفرة طبيعية مذهلة في ولاية قريات بمحافظة مسقط، وتُعرف ببحيرتها الفيروزية العميقة التي تتصل بالبحر ويبلغ قطر الحفرة نحو 40 متراً، وعمق مائها نحو 20 متراً، وتشكل بحيرة من المياه الفيروزية الجميلة التي تستهوي السياح للسباحة والاستمتاع بالمناظر الخلابة وتُعد وجهة سياحية شهيرة للسباحة والغوص والتمتع بالطبيعة الصخرية الساحلية.
أخبار متعلقة :