الارشيف / حال المال والاقتصاد

النفوذ وآليات التسعير مهمان في الاقتصادات الناجحة

النفوذ وآليات التسعير مهمان في الاقتصادات الناجحة

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 23 أكتوبر 2024 08:54 مساءً - مشكلة الاقتصاد العالمي اليوم ليست في التعريفات الجمركية بل في تركز القوى، سواء كانت في دول مثل الصين، أو شركات، سواء لتعبئة لحوم أو منصات تكنولوجية عملاقة

رنا فروهر

ربما تقتصر رئاسة جو بايدن على ولاية واحدة، لكن إدارته غيرت الاقتصاد السياسي العالمي بطرق سيتردد صداها لفترة طويلة بعد رحيله.

وقد أنهت سياسات بايدن التجارية، على وجه الخصوص، عصر العولمة القائم على مبدأ السوق الحرة، الذي كان يميل إلى تفضيل المصالح غير المقيدة للشركات الكبرى والدول، ما أدى إلى عصر ما بعد النيوليبرالية الذي أصبحت فيه قضايا العمالة والموارد الطبيعية والآثار السلبية لتركز القوة على السوق، من الشواغل الأساسية لواضعي السياسات.

وغالباً ما ينتقد المعارضون هذا التحول بأنه انحراف غريب عن المبادئ الاقتصادية المتعارف عليها. ولا شك أنه تغيير في «تخفيض الضرائب»، والسوق يعرف الأفضل، الذي ساد خلال النصف الثاني من القرن الماضي. إلا أن موقف بايدن يعيد الولايات المتحدة إلى المبادئ الأساسية لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تشكلت مؤسسات بريتون وودز.

آنذاك، حاول قادة الولايات المتحدة، ونجحوا فقط بشكل جزئي، في صياغة نهج تجاري يركز على العمالة لما بعد الحقبة الاستعمارية، وهو نهج يشبه إلى حد كبير ما يحاول البيت الأبيض إنعاشه في عهد بايدن.

ولنلق نظرة على المقترحات الأصلية لوزارة الخارجية عام 1945 بشأن التجارة العالمية وتشغيل العمالة. عارضت هذه المقترحات القيود الحكومية على التجارة، لكنها اعترفت كذلك بقدرة الجهات الفاعلة من القطاع الخاص على تشويه النظام، وعلى الحاجة لأن تضمن الدول لاستقرار إنتاج السلع الأساسية وتأمين الوظائف المحلية.

وقالت الخارجية الأمريكية إن «الإنتاج المحلي الكلي والمنتظم، مع زيادة المشاركة في التجارة العالمية يشكلان أعظم فائدة يمكن أن تقدمها أي دولة للمنتجين العالميين. ومن المهم ألا تسعى الدول إلى تحقيق التشغيل الكامل للعمالة على حساب تصدير البطالة إلى جيرانها».

ومن الواضح أن المخاوف التي كانت لدى الدول الأوروبية بشأن بعضها البعض في ثلاثينيات القرن العشرين، تشبه إلى حد كبير مخاوف العديد من الدول حالياً حول تصدير الصين لقضايا العمالة والإفراط في الإنتاج إلى بقية العالم.

لهذا السبب، أقرت المقترحات الأمريكية بأنه «لا توجد حكومة مستعدة لتبني التجارة الحرة بمعناها المطلق... وقد تكون التجارة مقيدة أيضاً بالمصالح التجارية التي تسعى للحصول على الميزات غير العادلة للاحتكار... ولقد اجتمعت الشركات على كبح المنافسة.

وهذه الممارسات تقوض المنافسة الشريفة والتجارة العادلة، وتلحق الضرر بالشركات الجديدة والصغيرة، وتفرض رسوماً غير عادلة على المستهلكين. وفي بعض الأحيان، قد تكون هذه الممارسات أكثر ضرراً بالتجارة العالمية من القيود التي تفرضها الحكومات».

ويبدو أن هذا يشبه نظريات إدارة بايدن حيال سياسة مكافحة الاحتكار والمنافسة إلى حد كبير، والتي تتوافق مع سياستها التجارية.

واليوم، المشكلة في الاقتصاد العالمي ليست في التعريفات الجمركية، بل في تركز القوى، سواء كانت في دول، مثل الصين، أو شركات، سواء لتعبئة لحوم أو منصات تكنولوجية عملاقة.

إن بناء مراكز متعددة للإنتاج والاستهلاك على مستوى العالم، وضمان معايير عالية للعمالة والبيئة، يكبح جماح السلطة غير المبررة على مستوى العالم بغض النظر عن مصدرها.

وللأسف، خففت المصالح الأمريكية نهج مؤسسات بريتون وودز خلال فترة التحضير لإنشاء الجات، التي أصبحت منظمة التجارة العالمية لاحقاً، وازداد تآكل هذا النهج في سبعينيات القرن العشرين، مع التحول نحو اعتقاد مدرسة شيكاغو بأن السعر وليس القوة هو ما يهم في الاقتصاد الفعال.

الواقع أن تقرير معهد روزفلت عن إرث أجندة بايدن التجاري والاقتصادي، الذي سيصدر هذا الأسبوع، يلخص هذا التحول باقتباس من الخبير الاقتصادي ووزير الخزانة الأمريكي السابق لورانس سامرز: وهو أن «زيادة الانفتاح التجاري يعزز ثروة الدولة مقارنة بما كانت لتكون عليه لولا ذلك، ويحسن وضع عمالها كذلك.. لماذا لا يستطيع أحد رواية قصة عيد الميلاد دون الاعتماد على الواردات؟ ماذا لو كان علينا أن نشتري دمى باربي بأربعة أضعاف سعرها الحالي؟».

كل هذا صحيح، إلا أن المشكلة الحالية ليست في نقص دمى باربي، أو أي نوع من السلع الاستهلاكية، بل في أن المزيد من السلع الرخيصة التي تنتهي في مكبات النفايات لم تعوض حقيقة أن الأجور في العديد من البلدان ببساطة لم تواكب تكاليف المعيشة لأفراد الطبقة المتوسطة.

كما أنها لم تخلق الانتظام في الإنتاج والتوظيف على المستوى الوطني اللازم لتحقيق استقرار الاقتصاد أو الديمقراطية.

أما الانتصار الكبير الذي حققته إدارة بايدن فيكمن في أنها أعادت إحياء وعي أمريكا وغالبية العالم بأن القوة توجد في الاقتصاد السياسي، وأن كل تحديات اليوم، بداية من إغراق السوق بواردات الصلب والألمنيوم الصينية إلى القوة الاحتكارية لشركات التكنولوجيا الكبرى، والأزمات المالية المتكررة، وتعطيل سلاسل التوريد، وتطوير الذكاء الاصطناعي، ستتطلب نهجاً يضع القوة وليس السعر فقط في قلب صناعة السوق.

وأستمد قدراً كبيراً من الدعم من حقيقة مفادها أن أحدث الحائزين جائزة نوبل في الاقتصاد، سيمون جونسون، دارون عجم أوغلو، وجيمس روبنسون، لديهم مجموعة من الأعمال التي تؤكد هذا المنظور.

وخلال بث مباشر على شبكة الإنترنت لمركز أبحاث السياسات الاقتصادية مؤخراً، سلط جونسون الضوء على أن الرؤية «في عهد الاستقلال» التي طرحتها إدارة بايدن، والتي تركز على الأفراد والكوكب بدلاً من التسعير فقط، تمثل ما كان يفترض أن يحققه نظام بريتون وودز قبل أن تستولي عليه الدول والشركات من أصحاب المصالح ذوي النفوذ.

هذه نقطة يجب مراعاتها ونحن نتطلع في الوقت الراهن إلى إعادة تشكيل هذه المؤسسات وإصلاح نظام التجارة العالمية.

Advertisements

قد تقرأ أيضا