ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 8 يوليو 2025 06:38 مساءً - تواصل أسهم التكنولوجيا الكبرى في وول ستريت تصدّر المشهد الاستثماري، في ظل تحولات اقتصادية متسارعة، وتغيرات متلاحقة في ملامح السوق العالمية، مدفوعة بموجة الذكاء الاصطناعي التاريخية، وتحديات لا يمكن إغفالها.
وبينما رسم النصف الأول من العام 2025 لوحة أداء متباينة للأسهم الكبرى، حيث تفاوتت المكاسب والخسائر تبعاً للسياسات والتطورات التقنية وعوامل داخلية أخرى، يدخل النصف الثاني من العام بزخم كبير وتوقعات عالية، لكنه أيضاً لا يخلو من الرياح المعاكسة والتقلبات المنتظرة.
وعلى الرغم من صعود أسهم شركات مثل ميتا ومايكروسوفت وإنفيديا، واجهت أخرى مثل تسلا وآبل وألفابت ضغوطاً حادة، تعكس هشاشة بعض محاور النمو أمام التوترات السياسية والمخاطر التنظيمية. وفي المقابل، تبدي الأسواق شهية واضحة للاستثمار في قطاعات الحوسبة الفائقة ومراكز البيانات والأمن السيبراني، وسط آمال متزايدة بخفض أسعار الفائدة وتوسيع الإنفاق على البنية التحتية الرقمية.
أداء «السبعة العظماء» في النصف الأول
شهدت أسواق الأسهم في وول ستريت خلال النصف الأول من عام 2025 تقلبات ملحوظة بين أبرز شركات التكنولوجيا الكبرى المعروفة بـ«السبعة العظماء»، فقد تنوع أداء هذه الشركات بين مكاسب واسعة بدعمٍ من طفرة الذكاء الاصطناعي، وتراجعات ملحوظة، بما يعكس حالة الغموض والتحديات التي تواجه القطاع في ظل تحولات اقتصادية متسارعة.
ووفق حسابات «حال الخليج»، غلب اللون الأخضر على ثلاث من شركات التكنولوجيا الكبرى الرئيسية، فيما انخفضت أسهم ثلاث شركات أخرى، واستقرت أسهم شركة واحدة.. تصدرت قائمة الارتفاعات النصف سنوية ضمن أسهم التكنولوجيا شركة ميتا، والتي سجلت نمواً بنحو 26% خلال النصف الأول، بعد أن ارتفعت من 585.51 دولاراً بنهاية العام 2024 وصولاً إلى 738.09 دولاراً في نهاية يونيو.
كما قفزت أسهم شركة مايكروسوفت بنسبة 18% تقريباً من 421.50 دولاراً إلى 497.41 دولاراً في نهاية النصف الأول من العام. تلتها أسهم عملاق الرقائق إنفيديا، بدعمٍ من زيادة الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي في ظل الزخم الذي يشهده القطاع، لتقفز بنحو 17.65% من 134.29دولاراً إلى 157.99 دولاراً.
تصدرت أسهم صانعة السيارات الكهربائية، تسلا، قائمة تراجعات أسهم التكنولوجيا الكبرى في وول ستريت في النصف الأول، منخفضة بأكثر من 21% من 403.84 دولارات نهاية 2024 إلى 317.66 دولاراً بنهاية النصف الأول، بعد أن شهدت الشركة رياحاً غير مواتية تحت وطأة انخراط رئيسها التنفيذي إيلون ماسك في الحياة السياسية وارتباطه السابق بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئاسته لإدارة كفاءة الحكومة، قبل انسحابه منها وشنه هجوم حاد على الرئيس الأمريكي قبل أن يعلن مؤخراً عن تشكيل حزب سياسي. كما تواجه أسهم الشركة رياحاً معاكسة مرتبطة أيضاً بقانون ترامب الضريبي الذي يلغي امتيازات وتفضيل السيارات الكهربائية.
أما صانعة الآيفون، آبل، فقد تراجعت أسهمها بنحو 18% في النصف الأول (من 250.42 دولاراً إلى 205.17 دولارات)، بعدما فشلت الشركة في إقناع المستثمرين بإجراءاتها لمجاراة زخم الذكاء الاصطناعي وعدم الكشف عن منتجات جديدة تلبي التوقعات. كما انخفضت أسهم «ألفابت» بنسبة 5.8% (من 189.30 دولارات إلى 178.23 دولاراً). بينما ارتفع أسهم أمازون هامشياً بنسبة 0.49% ليستقر عند عند 219 دولاراً تقريباً وهي نفس مستوياتها التي أنهت بها العام 2024.
وبين طموحات لا سقف لها ومخاطر لا يمكن تجاهلها، دخل قطاع التكنولوجيا في وول ستريت النصف الثاني من عام 2025 بزخم قوي وتوقعات متفائلة، مدعوماً بموجة استثمار تاريخية في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية.
وبينما تراهن الأسواق على استمرار صعود أسهم التكنولوجيا الكبرى، تبرز في المقابل تحديات لا تقل وزناً، من ضغوط التقييمات المرتفعة (التي يحذر معها عديد من الخبراء من فقاعة مماثلة لفقاعة الدوت كوم) إلى المتغيرات الجيوسياسية ومزاج المستثمرين المتقلب.
وفي هذا المشهد المتداخل بين الفرص والمخاطر، تواصل كبرى الشركات التقنية رسم ملامح المرحلة المقبلة من الثورة الرقمية، وسط ترقّب لحركة الأسواق وأداء الشركات في النصف الحاسم من العام، والذي تتكشف فيه المزيد من السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتأثيراتها، بما في ذلك تأثيرات الرسوم التي تم تأجيل فرضها إلى الأول من أغسطس المقبل.
زخم متوقع في النصف الثاني
بدوره، يوضح أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري لدى حديثه مع «حال الخليج» أن معظم المؤشرات والتحليلات المالية تشير إلى أن أسهم التكنولوجيا في وول ستريت ستواصل أداؤها القوي خلال النصف الثاني من العام 2025، مدفوعة بموجة استثمار غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية.
ويرى مراقبون أن طفرة مراكز البيانات، وأشباه الموصلات، وخدمات الحوسبة السحابية، ستكون محركاً رئيسياً للنمو، مع تركيز المستثمرين على شركات مثل Nvidia وAMD وBroadcom، التي استفادت بشكل مباشر من الطلب المتزايد على قدرات الحوسبة الفائقة. كما بدأت المكاسب تمتد إلى قطاعات فرعية أخرى مثل الأمن السيبراني وشبكات البيانات ومعدات تصنيع الرقائق الإلكترونية، مما يعكس اتساع رقعة النمو داخل قطاع التكنولوجيا.
من جهة أخرى، يتوقع أن يلعب خفض محتمل لأسعار الفائدة في النصف الثاني من العام دوراً داعماً لأسهم التكنولوجيا، التي تتأثر عادةً إيجاباً بالسياسات النقدية التوسعية، بحسب العمري، الذي يضيف: «مع ذلك، تبقى بعض التحديات قائمة، أبرزها التوترات التجارية المستجدة، وضغوط التقييم المرتفع لبعض الأسهم، إلى جانب حالة عدم اليقين الجيوسياسي».
لكنه يشدد على أنه «على الرغم من هذه المخاطر، يبدو أن الأسواق تراهن بقوة على استمرار العصر الذهبي للتكنولوجيا، مستفيدة من التحولات العميقة التي يقودها الذكاء الاصطناعي، والتي لا تقتصر فقط على تطوير المنتجات، بل تمتد إلى إعادة تشكيل أنماط الإنتاج والخدمات في العالم بأسره».
ويتابع: «نشهد لحظة محورية في التاريخ التكنولوجي، حيث أصبحت شركات الذكاء الاصطناعي ليست فقط رافعة للسوق، بل محرّكاً لتغيير جذري في بنية الاقتصاد العالمي.. التوجه نحو أتمتة الأعمال، وتحليل البيانات الضخمة، وبناء بنية تحتية فائقة الأداء، سيُنتج تأثيراً طويل الأمد على أسواق المال. النصف الثاني من 2025 سيكون حاسماً في ترسيخ هذا التحول، مع اتساع قاعدة الاستثمار لتشمل شركات متوسطة وصاعدة في مجالات الأمن السيبراني والحوسبة الكمية والتقنيات الناشئة».
وعلى الرغم من حالة الترقب والحذر، يبقى التوجه العام للأسواق إيجابياً تجاه قطاع التكنولوجيا، خصوصاً في ظل استمرار ما يُعرف بـالثورة الصناعية الرقمية، والتي ما زالت في بدايتها.
تحديات ورياح غير مواتية
على الجانب الآخر، يقول خبير أسواق المال، العضو المنتدب لشركة «أي دي تي»، محمد سعيد لـ«حال الخليج» إن معظم أسهم التكنولوجيا في وول ستريت دخلت النصف الثاني من العام 2025 بزخم واضح، إلا أن هناك تغيرات ملموسة في مزاج المستثمرين واتجاهاتهم؛ فبعد فترة طويلة من هيمنة الشركات التكنولوجية العملاقة على قيادة السوق ثمة توسع اليوم في حركة الاستثمار لتشمل قطاعات وشركات أخرى، ما يضفي مزيداً من التوازن والمرونة على المشهد العام، ويعكس صحة أكثر واقعية للأسواق.
لا يزال القطاع التكنولوجي مستفيداً بقوة من موجة الذكاء الاصطناعي، التي تستمر في دعم الطلب على البنية التحتية الرقمية، والشرائح الإلكترونية، والتقنيات البرمجية، لاسيما في ظل الأداء القوي لشركات رائدة مثل إنفيديا ومايكروسوفت وميتا، منذ بداية العام، بينما في تقدير سعيد «هناك مؤشرات على إمكانية تباطؤ وتيرة النمو السريع في أرباح تلك الشركات العملاقة، ما يدفع المستثمرين للبحث عن فرص مجزية في شركات تكنولوجيا متوسطة وصغيرة تمتلك أساسيات قوية وتقييمات أقل من قيمتها الجوهرية».
لكن بشكل عام، تشير توقعات عديد من المحللين إلى استمرار الأداء القوي للقطاع، خاصة في ظل احتمالات خفض أسعار الفائدة الأمريكية مرتين خلال النصف الثاني من العام، ما يعزز من شهية المخاطرة ويمنح الشركات التكنولوجية بيئة تمويل أكثر مرونة. كما أن أي تهدئة في التوترات التجارية أو تحسن في ملف الرسوم الجمركية سيشكل دعماً إضافياً للأسواق.
وفي المقابل يلفت خبير أسواق المال إلى أن «تقييمات أسهم الشركات التكنولوجية الكبرى لا تزال عند مستويات مرتفعة للغاية، ما قد يجعل السوق عرضة لتصحيحات قوية في حال صدور مفاجآت سلبية على صعيد الأرباح أو السياسات النقدية أو حتى الأحداث الجيوسياسية».
وبوجه عام، يظل الاتجاه العام إيجابياً، ولكن مع ضرورة التحوّط من موجات تصحيح محتملة أو جني أرباح على المدى القصير، خاصة إذا طرأت مستجدات مفاجئة تتعلق بأسعار الفائدة، أو النزاعات التجارية، أو المنافسة المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي.