ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 16 أكتوبر 2025 11:30 صباحاً - الهند تخسر كنوزها الأكثر قيمة، وهو ليس الذهب أو النفط، بل ضوء الشمس نفسه. على مدى العقود الثلاثة الماضية، انخفضت ساعات سطوع الشمس بشكل مستمر عبر معظم أنحاء الهند، محفوفة بالغيوم والهباء الجوي والتلوث الذي يمتد بجذوره إلى أزمة التلوث الهوائي الشديدة التي تعود إلى التسعينيات.
هذه النتائج الصادمة، التي توصلت إليها دراسة جديدة أجراها ستة علماء هنود، تحذر من أن تضاؤل أشعة الشمس لا يهدد فقط الزراعة والحياة اليومية، بل يلقي بظلاله الداكنة على طموح الهند بأن تصبح قوة عظمى في مجال الطاقة الشمسية، وهو هدف يُعَد بتوفير 500 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
فهل تحجب الأبخرة المصير الاقتصادي لأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان؟
تكشف دراسة جديدة أجراها ستة علماء هنود أن ساعات سطوع الشمس – وهي الفترة التي تصل فيها أشعة الشمس المباشرة إلى سطح الأرض ، قد انخفضت بشكل مطرد في معظم أنحاء الهند على مدى العقود الثلاثة الماضية، مدفوعة بالغيوم والهباء الجوي وظواهر الطقس المحلية.
أظهرت البيانات المأخوذة من 20 محطة أرصاد جوية في الفترة من 1988 إلى 2018 تراجعاً مستمراً في ساعات سطوع الشمس على مستوى البلاد، وأفاد العلماء بأن أكبر التراجعات السنوية حدثت في المنطقة الداخلية الشمالية وعلى الأخص في مدينتي أمريتسار و كولكاتا، بالإضافة إلى الحزام الهيمالاوي والساحل الغربي، وتحديداً مومباي.
يتشابك هذا النمط الموسمي لسطوع الشمس مع مشكلة أعمق وأكثر استمراراً: أزمة تلوث الهواء الحادة في الهند، التي تُعد الآن من بين أكثر 10 دول تلوثاً في العالم، والتي يعود سببها إلى التسعينيات.
فقد أدى التوسع الحضري السريع والنمو الصناعي إلى زيادة استهلاك الوقود الأحفوري وحرق الكتلة الحيوية، مما دفع الهباء الجوي (الجزيئات الصلبة أو السائلة الدقيقة) إلى الغلاف الجوي وخفّف من حدة أشعة الشمس.
في الشتاء، يؤدي التلوث الهوائي المرتفع الناتج عن الضباب الدخاني وحرق المحاصيل عبر سهول الغانج الهندية إلى إنتاج جزيئات الهباء الجوي التي تشتت الضوء وتقلل ساعات سطوع الشمس.
والأخطر، أن هذا الهباء يعمل كـ "نوى تكثيف"، مما يجعل الغيوم تتكون وتستمر لفترات أطول دون إطلاق المطر، وبالتالي تمنع وصول ضوء الشمس بشكل فعال.
وفقاً لـ ساشيدا ناند تريباثي، عالم الغلاف الجوي، أدى الهباء الجوي إلى خفض كمية ضوء الشمس التي تصل إلى الأرض في الهند بنحو 13%، بينما تسببت السحب في انخفاض إضافي بنسبة 31% إلى 44% في الإشعاع الشمسي. هذه الأنماط تثير مخاوف متعددة؛ فإلى جانب التأثيرات البيئية، يفاقم نقص ضوء الشمس مشكلة نقص فيتامين (د) بين السكان الهنود، مما يشكل خطراً صحياً واسع الانتشار.
كما أن التلوث يهدد طموحات الهند في الطاقة الشمسية بشكل مباشر، إذ يقلل من إنتاج الألواح الشمسية بنسبة تتراوح بين 12% إلى 41%، ويكلف ما يقدر بـ 245 مليوناً إلى 835 مليون دولار من الطاقة المفقودة. ويزيد التلوث من وطأة الخسائر على الزراعة، متسبباً في خسارة تقدر بنسبة 36% إلى 50% في غلة المحاصيل – وخاصة الأرز والقمح – في المناطق الأكثر تلوثاً.
الهند ليست وحدها التي تفقد ضوء الشمس، لكنها تخالف الاتجاه العالمي للتعافي. فبينما شهدت دول مثل ألمانيا والصين انخفاضاً سابقاً في سطوع الشمس بسبب الانبعاثات الصناعية، قادت قوانين الهواء النظيف الأكثر صرامة في التسعينيات إلى "السطوع العالمي" (Global Brightening)، حيث بدأ سطح الأرض يتلقى تدريجياً المزيد من ضوء الشمس منذ الثمانينيات.
يؤكد تحليل جديد لبيانات الأقمار الصناعية هذا التأثير، مبيناً أنه أقوى في نصف الكرة الشمالي. ومع ذلك، فإن الدول الأكثر تلوثاً مثل الهند تفوت هذا الاتجاه الإيجابي. وإذا استمرت الشمس في الاختباء خلف الضباب الدخاني، فإن الهند تخاطر بالاعتماد على الأبخرة بدلاً من الطاقة الكاملة المتجددة، مما يهدد استدامتها الاقتصادية والبيئية.
