ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 19 أكتوبر 2025 05:46 مساءً - شرعت شركات عالمية في التكنولوجيا والطيران في الإعلان عن خططها لتقليص آلاف الوظائف، مبرّرة ذلك بكفاءة الذكاء الاصطناعي وقدرته على استبدال البشر بالأنظمة الذكية.
لكن خبراء اقتصاد وعمل يؤكدون أن هذه المبررات قد لا تكون سوى واجهة لتقليص التكاليف وإصلاح أخطاء التوظيف السابقة.
حلول آلية
أعلنت الشهر الماضي شركة "اكستنشر" الاستشارية، على سبيل المثال، عن إعادة هيكلة تتضمن خروجًا سريعًا للموظفين الذين لا يتمكنون من تطوير مهاراتهم في الذكاء الاصطناعي، بينما كشفت "لوفتهازا" عن نيتها إلغاء 4 آلاف وظيفة بحلول عام 2030 ضمن خطتها للتحول الرقمي، بحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي".
كما سرّحت "سيلز فورس" نحو 4 آلاف موظف في أقسام الدعم الفني، مشيرة إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح يؤدي نصف مهام العمل داخل الشركة.
وخفضت "كليرن" السويدية للتقنيات المالية، قوتها العاملة بنسبة 40% بعد تبنيها حلولاً آلية واسعة النطاق.
كما أعلنت منصة " دولينجو" لتعلّم اللغات أنها ستستغني تدريجيًا عن المتعاقدين لصالح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
يرى فابيان ستيفاني الباحث في معهد الإنترنت بجامعة أكسفورد، يرى أن الشركات تتخذ من الذكاء الاصطناعي كبش فداء لتبرير قرارات تسريح الموظفين، موضحًا أن كثيرًا من هذه المؤسسات كانت قد وظّفت أكثر من حاجتها خلال جائحة كورونا، وأن موجة التسريحات الحالية ليست سوى تصحيح للسوق.
وقال ستيفاني: "أنا متشكك جدًا في أن تكون هذه التسريحات نتيجة مكاسب كفاءة حقيقية. يبدو أن الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي كـ‘عذر مقنع’ لإعادة الهيكلة".
ويرى جان كريستوف بوغلي مؤسس شركة"اوسنتيك ال واي" Authentic.ly أن الشركات تبالغ في الحديث عن تبني الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن وتيرة الاعتماد الفعلي عليه أبطأ بكثير مما يُعلن عنه.
وأضاف: "في الوقت الذي تتحدث فيه الشركات عن تسريح آلاف الموظفين بسبب الذكاء الاصطناعي، نجد أن كثيرًا من مشاريعها التقنية يتم تعليقها لأسباب تتعلق بالتكلفة أو الأمان."
حذّرت خبيرة التوظيف جاسمين إسكاليرا من أن هذه الممارسات تغذي الخوف من الذكاء الاصطناعي، موضحة أن الموظفين يشعرون بعدم الأمان المهني بسبب غياب الشفافية حول كيفية استخدام التقنية فعليًا في المؤسسات الكبرى.
تشير دراسات حديثة إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف ما زال محدودًا.
فبحسب تقرير صادر عن جامعة ييل، لم تُظهر بيانات سوق العمل الأميركي بين عامي 2022 و2025 أي تحول كبير ناتج عن الأتمتة.
كما أكدت أبحاث الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أن معظم الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لا تُقلّص الوظائف بسببه، بل تعيد تدريب الموظفين أو تنقلهم إلى أدوار جديدة.
وأفادت 1% فقط من شركات الخدمات بأن الذكاء الاصطناعي هو سبب تسريح العمال خلال الأشهر الستة الماضية، بانخفاض عن 10% من الشركات التي سرحت عمالها باستخدام الذكاء الاصطناعي في عام 2024. وفي الوقت نفسه، ذكرت 12% من شركات الخدمات أن الذكاء الاصطناعي دفعها إلى توظيف عدد أقل من العمال في عام 2025.
وعلى النقيض من ذلك، استخدمت 35% من شركات الخدمات الذكاء الاصطناعي لإعادة تدريب الموظفين، وقامت 11% منها بتوظيف المزيد نتيجة لذلك.
وقال ستيفاني إنه لا يوجد الكثير من الأدلة من بحثه تظهر مستويات كبيرة من البطالة التكنولوجية بسبب الذكاء الاصطناعي.
وقال "يسمي خبراء الاقتصاد هذا بالبطالة الهيكلية، وبالتالي فإن فطيرة العمل لم تعد كبيرة بما يكفي للجميع، وبالتالي فإن الناس سيخسرون وظائفهم بالتأكيد بسبب الذكاء الاصطناعي، ولا أعتقد أن هذا يحدث على نطاق واسع".
ويخلص البروفيسور ستيفاني إلى أن التاريخ يعيد نفسه، قائلاً: "الخوف من أن تقتل الآلات الوظائف تكرر منذ العصور الرومانية. في كل مرة كان العكس يحدث — التكنولوجيا تخلق فرصًا جديدة وتجعل الاقتصادات أكثر إنتاجية."
وأضاف أن المخاوف بشأن قدرة التكنولوجيا على إنهاء العمل البشري يمكن رؤيتها عبر التاريخ.
تكرر هذا الأمر في هذا القرن وحده عشرات المرات، ويمكنك العودة إلى العصور القديمة حيث سيطر الأباطرة الرومان على بعض الآلات لقلقهم من هذا الأمر، وكان يحدث دائمًا العكس. فقد زادت الآلات من إنتاجية الشركات والصناعات.
لقد سمح بظهور وظائف جديدة كليًا. لو تأملنا الإنترنت قبل عشرين عامًا، لما كان أحد ليعرف ما هو مؤثر وسائل التواصل الاجتماعي أو مطور التطبيقات، لأنه لم يكن موجودًا آنذاك.
واقع مضطرب
وأصدر مختبر الميزانية، وهو مركز أبحاث سياسي غير حزبي في جامعة ييل، تقريرًا يوم الأربعاء أظهر أن العمالة في الولايات المتحدة لم تتعرض في الواقع لاضطرابات كبيرة بسبب أتمتة الذكاء الاصطناعي منذ إصدار ChatGPT في عام 2022.
قام المختبر بفحص بيانات سوق العمل الأمريكي من نوفمبر 2022 إلى يوليو 2025 باستخدام ”مؤشر الاختلاف” الذي يقيس مدى تغير المزيج المهني - نسبة العمال في وظائف مختلفة - منذ ظهور الذكاء الاصطناعي، وقارنه بتحولات تكنولوجية أخرى مثل إدخال الحواسيب والإنترنت. ووجد أن الذكاء الاصطناعي لم يتسبب بعد في فقدان وظائف واسع النطاق.
وعلاوة على ذلك، أصدر خبراء الاقتصاد في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك بحثًا في أوائل سبتمبر أظهر أن استخدام الذكاء الاصطناعي بين الشركات ”لا يشير إلى انخفاضات كبيرة في العمالة” في قطاع الخدمات والتصنيع في منطقة نيويورك-شمال نيوجيرسي.
ووجدت الدراسة أن 40% من شركات الخدمات قالت إنها تستخدم الذكاء الاصطناعي هذا العام، مقارنة بـ 25% في العام الماضي، في حين شهدت شركات التصنيع قفزة مماثلة من 16% في العام الماضي إلى 26% هذا العام، لكن عدد قليل جدًا منها كان يستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريح العمال.