حال المال والاقتصاد

رفضت علاج ابنها.. قصة هتي غرين أبخل مليارديرة عرفها العالم

رفضت علاج ابنها.. قصة هتي غرين أبخل مليارديرة عرفها العالم

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 2 نوفمبر 2025 08:21 صباحاً - رغم أن وول ستريت كانت لعقود طويلة مسرحاً يهيمن عليه الرجال، فإن القرن التاسع عشر شهد بزوغ اسم امرأة استثنائية كسرت كل القواعد وهي هينرييتا هاولاند روبنسون غرين، المعروفة باسم هتي غرين، التي أصبحت رمزاً للذكاء المالي والصرامة الاقتصادية، ولقّبتها الصحافة آنذاك بـ"ساحرة وول ستريت".

وُلدت هِتي عام 1834 في مدينة نيو بيدفورد بولاية ماساتشوستس، في أسرة ثرية جمعت أموالها من تجارة صيد الحيتان، ومنذ طفولتها المبكرة أظهرت نبوغاً في الحسابات، إذ كانت في السادسة من عمرها تقرأ على والدها الأخبار المالية من الصحف، وفي الثالثة عشرة تولت إمساك دفاتر العائلة بنفسها. تلك البيئة المليئة بالتجارة والاستثمار كوّنت لديها عقلية مالية نادرة جعلتها تدير ثروتها لاحقاً بعقلية مؤسساتية رغم أنها لم تتلقَّ تعليماً جامعياً رسمياً، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

بعد وفاة والدها وعمّتها في ستينات القرن التاسع عشر، ورثت هِتي ما يقرب من تسعة ملايين دولار، وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذلك العصر. لكنها لم تكتفِ بالميراث، بل دخلت عالم الاستثمار بكل ثقة، فاشترت السندات الحكومية والعقارات بأسعار منخفضة، وباعتها حين ارتفعت، متبعة قاعدتها الشهيرة: "اشترِ عندما يخاف الناس، وبِع عندما يطمعون".

كانت إدارتها الصارمة لأموالها سبباً في بناء ثروة هائلة قُدّرت عند وفاتها عام 1916 بنحو مئة مليون دولار، أي ما يعادل اليوم حوالي ثلاثة مليارات دولار. بذلك أصبحت أول امرأة في التاريخ الحديث تبني ثروتها وتديرها بنفسها في عالم المال الأمريكي.

ورغم هذا النجاح، أحاطت بها الشائعات من كل جانب، إذ اشتهرت ببخلها الشديد وعيشها المتقشف رغم ثرائها الفاحش. فقد كانت تسكن شققاً متواضعة، وترتدي ثوباً أسود بسيطاً لسنوات طويلة، حتى أصبحت صورتها رمزاً للحرص المفرط في المال. كما اتُّهمت بأنها تسببت في بتر ساق ابنها لرفضها دفع تكاليف علاجه، وهي قصة نفتها لاحقاً عائلتها وعدّتها الصحف مبالغة خيالية.

كانت غرين تعتبر الاقتصاد الصارم مبدأً مقدساً، فاعتمدت أسلوب حياة بسيط للغاية رغم ثروتها الهائلة. كانت توفر في كل شيء، تطفئ المصابيح لتقليل استهلاك الزيت، تنتقل بين البنوك للحصول على أقل تكلفة، وطعامها كان متواضعاً ورخيصاً، غالباً فطائر الشوفان الباردة لتوفير مصاريف الطهي، ممتنعة عن أي رفاهيات أو كماليات.

لكن خلف هذه الصورة القاسية، كانت هِتي امرأة تؤمن بالاستقلال المالي للنساء، وتشجّعهن على إدارة أموالهن بأنفسهن في وقت لم يكن يُسمح فيه حتى للمرأة بالتصويت. كانت ترفض الوصاية الذكورية على أموال النساء، وتعتبر أن "الحرية الاقتصادية هي أساس الاحترام".

وقد واجهت غرين خلال حياتها عشرات الدعاوى القضائية بسبب ثروتها واستقلالها، لكنها خرجت منها أقوى في كل مرة. وعُرفت بموقفها الحازم من السياسيين والمحامين، إذ قالت يوماً بسخريتها المعهودة: "أستطيع التفاهم مع أي رجل في السوق، إلا المحامي الذي يحاول أن يعلّمني كيف أحمي مالي".

توفيت هِتي غرين عام 1916 عن عمر ناهز 81 عاماً، تاركة وراءها إرثاً مالياً ضخماً، ودرسا خالداً في أن الذكاء المالي لا يعرف جنساً ولا زمناً. فقد كانت امرأة سبقت عصرها بعقود، أثبتت أن الطموح والانضباط يمكن أن يصنعا من فتاة في بيئة تجارية تقليدية أسطورة استثمارية خالدة في التاريخ الاقتصادي الأمريكي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا