حال المال والاقتصاد

"نتفليكس" و"بارامونت".. نقاط القوة والضعف للاستحواذ على "ورنر برذرز"

"نتفليكس" و"بارامونت".. نقاط القوة والضعف للاستحواذ على "ورنر برذرز"

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 10 ديسمبر 2025 06:06 مساءً - تدور معركة شرسة بين شركتي نتفليكس وبارامونت للاستحواذا على شركة "ورنر برذرز"، في تنافس يحشد فيه الطرفان كل نفوذهما المالي والسياسي لتعزيز موقعهما في عالم الترفيه والفن والإعلام، وهي معركة تبدو يتوقف عليها مصير صالات السينما التي عرفها العالم منذ أكثر من قرن، وربما تعيش سنواتها الأخيرة إذا فازت نتفلكس بهذه الصفقة حيث تعيش هوليوود منذ سنوات مأزومة وحزينة أمام التحولات العاصفة عبر الذكاء الاصطناعي وتغير اتجاهات الأجيال الجديدة غير الموالية لـ«الجلوس في الصالات».

وشركة ورنر براذرز هي واحدة من أعرق استوديوهات السينما والتلفزيون في العالم، تأسست عام 1923 في هوليوود، وتخصصت في إنتاج وتوزيع الأفلام والمسلسلات، وتمتلك واحدة من أضخم مكتبات المحتوى في تاريخ الصناعة. اليوم تعمل ضمن مظلة وورنر براذرز ديسكفري، التي تضم إلى جانب الاستوديوهات شبكات تلفزيونية كبرى ومنصات بثّ، أبرزها "إتش بي أو"، ما يجعلها لاعباً محورياً في صناعة الترفيه العالمية.

تقدّمت نتفليكس بعرض يُقدَّر بنحو 82–83 مليار دولار للاستحواذ على «قلب» أصول ورنر براذرز ديسكفري، أي استوديوهات السينما والتلفزيون، وشبكة إتش بي أو، ومنصة إتش بي أو ماكس، إضافةً إلى مكتبة المحتوى والحقوق الفكرية المرتبطة بها. ولا يشمل عرض نتفليكس شبكات الكابل التقليدية مثل سي إن إن وديسكفري.

في المقابل، طرحت باراماونت عرضاً أشمل وأكبر من حيث القيمة الاسمية، إذ يقدر بنحو 108 مليارات دولار، ويستهدف الاستحواذ على كامل شركة وورنر براذرز ديسكفري، بما في ذلك الاستوديوهات، ومنصات البثّ، وشبكات الكابل الإخبارية والترفيهية. ويقوم العرض على التوجّه مباشرة إلى مساهمي وورنر بقيمة نقدية لكل سهم، في خطوة تُصنَّف كعرض استحواذ عدائي في التوصيفات الخاصة بعمليات الاستحواذ، لأن مجلس إدارة وورنر براذرز يميل إلى نتفلكس، لذلك توجهت بارامونت إلى حاملي الأسهم مباشرة.

آلية العرض العدائي تقوم على أن يأتي الطرف المتقدم بالعرض ليقول: مجلس إدارتكم ليس جيداً بما فيه الكفاية، ولا يخدم مصالحكم كما ينبغي. سنذهب مباشرة إلى المساهمين، وسنعرض عليكم 30 دولاراً نقداً لكل سهم.

الصراع بين نتفليكس وباراماونت لا يدور حول من يملك استوديو عريقاً فحسب، بل حول أي نموذج سينتصر: نموذج البثّ الرقمي الشامل الذي يقوده المنزل والشاشة الصغيرة (نتفلكس)، أم النموذج الهجين الذي ما زالت فيه السينما والاستوديو التقليدي حجر الزاوية (بارامونت).

منذ أن لمّحت ورنر براذرز ديسكفري إلى إمكانية تفكيك أعمالها وفصل استوديوهاتها عن شبكاتها الكابلية، تحرّكت الأطراف الكبرى سريعاً. ديفيد إليسون، الذي كان يرى في ورنر هدفاً استراتيجياً حتى قبل إتمام استحواذه على باراماونت، اعتبر اللحظة فرصة وجودية: إمّا القفز إلى مصافّ الكبار، أو القبول بمكانة لاعبٍ ثانوي في سوقٍ يزداد تركّزاً. في المقابل، تعاملت نتفليكس مع الفرصة بوصفها امتداداً طبيعياً لمسارها: توسيع الهيمنة.

بالأرقام، يتّضح سبب اختلال ميزان القوة. نتفليكس تدخل هذه المعركة وهي تمتلك نحو 300 مليون مشترك عالمي، ما يجعلها أكبر منصة بثّ مدفوع في العالم بلا منازع. في المقابل، تمتلك HBO Max قرابة 95 مليون مشترك، بينما عدد مشتركي مجموعة بارامونت نحو 80 مليون مشترك. أي أن نتفليكس وحدها تفوق — من حيث الحجم — مجموع القاعدتين تقريباً.

بالنسبة إلى نتفليكس، لا تمثّل صفقة وورنر براذرز تغييراً في الهوية. فالشركة لا تسعى إلى إحياء هوليوود الكلاسيكية لذاتها، بل إلى إدماج إرثها داخل نموذج البثّ المنزلي الذي يشكّل جوهر نتفليكس أساساً. امتلاك مكتبة وورنر، الممتدة على أكثر من قرن من الإنتاج، مع حقوق امتيازات ضخمة وأصول مثل استوديو تلفزيوني قادر على إنتاج وبيع المحتوى لجهات خارجية، يمنح نتفليكس ما كانت تفتقده: ذراعاً تقليدية تولّد إيرادات لا تقوم فقط على الاشتراك.

وعلى مستوى المشتركين، ورغم تداخلٍ يُقدّر بنحو 70–75% بين قواعد نتفليكس وإتش بي أو، فإن دمج القاعدتين يمنح نتفليكس دفعة مهمة في السوق الأميركي تحديداً، حيث باتت المنصة قريبة من التشبّع في سوق يصعب فيها اجتذاب مشتركين جدد من دون الاستحواذ. ونفلكس التي انتزعت في الأصل المشاهدين من التلفزيون الأرضي والكابلي، بدأت تخسر مؤخراً حصةً من وقت المشاهدة في الولايات المتحدة لصالح «يوتيوب». وتضم منصة جوجل تشكيلةً ضخمة ومتنامية من المحتوى، من مقاطع صُنّاع المحتوى والمؤثّرين إلى بودكاستات الفيديو واللقطات الرياضية وغيرها.

الأبعد من ذلك، أن الصفقة تمنح نتفليكس نفوذاً غير مباشر على مستقبل السينما نفسها. فمخاوف هوليوود لا تتعلق بعدد الأفلام، بل بسلسلة التأثيرات: تقليص دور وورنر في التوزيع السينمائي يعني فجوات أكبر في رزنامة العروض، وضغطاً مالياً إضافياً على دور السينما، وتسريع انتقال الجمهور نحو انتظار الإصدار السريع على منصات البثّ. بعبارة أخرى، لا تُخرج نتفليكس منافساً من السوق فحسب، بل تُضعف النموذج الذي ظلّ يقيّد توسّعها: صالة السينما.

في الجهة المقابلة، تخوض باراماونت معركة بقاء حقيقية. فخدمة بارامونت بلس، بعدد مشتركيها الذي يدور حول 80 مليوناً،تواجه صعوبات كبيرة. لذا، الاستحواذ على وورنر براذرز يمثّل بالنسبة إليها حبل نجاة.

لهذا، لا يقتصر خطاب باراماونت على المال، بل يتكئ بقوة على منطق مكافحة الاحتكار لتوسيع فرصها أمام فائض القوة التي تمتلمها نتفلكس. فدمج أكبر منصة بثّ في العالم مع واحدة من أعرق مكتبات المحتوى، برأيها، سيقود إلى هيمنة خانقة على السوق، ويجعل المنافسة شبه مستحيلة. وترافق ذلك مع رهانٍ واضح على السياسة والتنظيم، إذ تدرك باراماونت أن قرار الصفقة لن يُحسم في مجالس الإدارة وحدها، بل في واشنطن، حيث يمكن للخطاب التنظيمي والتحالفات السياسية أن تعادل — جزئياً — ضعفها الرقمي.

رفعت منصات البثّ الأسعار مع إنفاقها بكثافة على إنتاج محتوى جديد وتباطؤ نمو المشتركين. وتبلغ كلفة أعلى باقة لدى نتفليكس حالياً 24.99 دولاراً شهرياً. كما تبنّت الشركة خلال السنوات الماضية خيارات مدعومة بالإعلانات، إذ يبلغ سعر أدنى باقة مع إعلانات 7.99 دولارات شهرياً.

كما رفعت «إتش بي أو ماكس» أسعارها واعتمدت الإعلانات: إذ تبلغ كلفة الباقة الأساسية المدعومة بالإعلانات 10.99 دولارات شهرياً، فيما تصل الباقة المميزة الخالية من الإعلانات إلى 22.99 دولاراً.

وتقول نتفليكس إنها تخطط للإبقاء على «إتش بي أو ماكس» خدمةً مستقلة في المرحلة الأولى إذا حدث الاندماج، ما قد يعني استمرار الأسر في دفع اشتراكين منفصلين، على الأقل في المدى القريب. ولا يزال من غير الواضح حجم المحتوى الذي قد تدمجه نتفليكس من وورنر براذرز في منصتها الأساسية. وقد تطرح الشركة مستقبلاً حزماً جديدة تُخفّض كلفة الاشتراك في الخدمتين معاً، أو تستغل الصفقة لإطلاق مستويات تسعير جديدة.

في المحصلة، لا يدور الصراع حول من يشتري وورنر براذرز فقط، بل حول من يكتب الفصل التالي من تاريخ الترفيه. نتفليكس تسعى إلى تثبيت عالمٍ تُنتَج فيه الأفلام والمسلسلات لتُشاهَد أولاً في المنازل، مدعومةً بأكبر قاعدة مشتركين في العالم. وباراماونت تحاول، مدفوعةً بالأرقام نفسها، كبح هذا المسار أو على الأقل تأجيله.

Advertisements

قد تقرأ أيضا