حال المال والاقتصاد

اقتصاد التجربة .. كيف حققت عروض" تيتانيك وبومبي" أرباحاً عالمية تتجاوز 114 مليار دولار؟

اقتصاد التجربة .. كيف حققت عروض" تيتانيك وبومبي" أرباحاً عالمية تتجاوز 114 مليار دولار؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 21 ديسمبر 2025 04:51 مساءً - تُعد صناعة العروض الانغماسية (Immersive Experiences) اليوم واحدة من أكثر القطاعات نمواً وإثارة للجدل في المشهد الثقافي العالمي لعام 2025، حيث تحولت أحداث تاريخية مأساوية مثل غرق السفينة تيتانيك أو إبادة مدينة بومبي البركانية إلى مشروعات استثمارية ضخمة تدر أرباحاً هائلة تتجاوز بمراحل إيرادات المتاحف التقليدية وتنافس شباك التذاكر السينمائي.

ويعتمد مفهوم "الانغماسية" فعلى تقنية "الغمر الحسي الكامل"، حيث يتم دمج الزائر داخل بيئة رقمية وتفاعلية تمحو الحدود بين الواقع والخيال؛ فبدلاً من الاكتفاء بمشاهدة القطع الأثرية خلف واجهات زجاجية، يجد الزائر حواسه محاصرة بتقنيات الواقع الافتراضي والإسقاط الضوئي الشامل بزاوية 360 درجة  مما يجعله يشعر وكأنه يعيش الحدث لحظة بلحظة، فيرى تدفق المياه في أروقة السفينة أو يسمع صرير المعدن الملتوي، وهو ما يخلق حالة من "المحاكاة التهديدية" التي تمنح الدماغ إثارة المأساة من مسافة آمنة تماماً.

ويعكس هذا التحول صعود ما يعرف بـ "اقتصاد التجربة" (Experience Economy)، حيث تشير البيانات المالية الموثقة لعام 2025 إلى أن القيمة السوقية لهذا القطاع بلغت 114 مليار دولار، مع توقعات استثمارية تشير إلى وصول حجم السوق إلى 412 مليار دولار بحلول عام 2030.

وعند عقد مقارنة اقتصادية، نجد أن الترفيه الانغماسي يتفوق على النموذج السينمائي التقليدي في "استدامة الإيرادات"؛ فبينما حقق فيلم "تيتانيك" الشهير لجيمس كاميرون حوالي 2.2 مليار دولار على مدار عقود، نجد أن العروض الانغماسية الموزعة عالمياً تحقق تدفقات نقدية مستمرة بتكلفة تشغيلية أقل، حيث تعتمد على "نموذج ربحي متعدد القنوات" يرفع متوسط إنفاق الزائر الواحد بنسبة تصل إلى 40% عبر مبيعات الهدايا التذكارية، وخدمات الصور الرقمية المحسنة، والمشروبات المرتبطة بطابع العرض، مما يفسر الانتشار السريع لهذه العروض في مدن كبرى مثل لندن، ولوس أنجلوس، وسنغافورة، وهامبورغ، حيث زادت عمليات البحث عن هذه التجارب بنسبة 83% خلال العام الأخير وحده.

ومع ذلك، تثير هذه الصناعة تساؤلات أخلاقية عميقة حول "تسليع المأساة" وتحويل موت آلاف البشر إلى وسيلة للربح الترفيهي (Immersive Entertainment)، إذ ينتقد أكاديميون  الممارسات المالية التي تتبعها هذه المعارض، مثل بيع "صفارات طوارئ تذكارية" أو إتاحة ألعاب كمبيوتر تحت عنوان "تجنب الجبل الجليدي" في أماكن يُفترض أنها مخصصة لتخليد ذكرى الضحايا.

ويرى النقاد أن هذا التوجه يغلب عليه السعي وراء العائد المادي السريع على حساب القيمة التعليمية، خاصة وأن هذه العروض التجارية لا تخضع للمعايير الأخلاقية الصارمة التي تلتزم بها المؤسسات المتحفية الدولية، مما يجعل جودة ومحتوى العرض رهينة لتقديرات المنظمين وأهدافهم المادية التي تمنح الأولوية "للإبهار البصري" الجاذب للنقرات والتذاكر، وهو ما تصفه بعض المراجعات الصحفية بأنه "استغلال تجاري يقترب من حدود الابتذال".

وتمتد التحديات لتشمل الدقة التاريخية لهذه التجارب، حيث رصد مؤرخون أخطاءً فنية فادحة في بعض العروض الشهيرة، تكشف أن الاستثمار في "تكنولوجيا الانغماس" يطغى أحياناً على الاستثمار في "البحث التاريخي"، مثل إظهار السفينة وهي تصطدم بالجبل الجليدي من جهة اليسار بدلاً من اليمين، مما يفرغ الحدث من سياقه الإنساني العميق ويحوله إلى مجرد منتج ترفيهي صاخب.

وفي المقابل، تبرز نماذج تحاول الموازنة بين التكنولوجيا والوقار التاريخي عبر فرض رقابة ذاتية ترفده بشهادات صوتية حقيقية، مما يشير إلى أن مستقبل هذا القطاع سيعتمد بشكل كبير على قدرة المنتجين على تقديم محتوى يحترم "حرمة التاريخ" مع الحفاظ على جاذبيته الاستثمارية.

وتكشف قائمة أهم خمس تجارب غامرة عالمياً، ومن بينها "تيتانيك: أصداء من الماضي" و"الأيام الأخيرة لبومبي"، أن المشهد الثقافي العالمي يتجه نحو واقع جديد تصبح فيه "المأساة المصنعة" بضاعة رائجة، تتفوق في أرباحها على السينما والمتاحف، طالما استمر الطلب العالمي على عيش المآسي من مقاعد مريحة خلف سماعات الواقع الافتراضي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا