ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 22 ديسمبر 2025 12:06 صباحاً - «الخليج ما بعد النفط»، جملة كانت مثار تساؤلات عديدة خلال العقد الماضي، في ظل تحولات عصفت بكبريات الاقتصاديات الدولية على مدار حقبة من الزمن، بدأت في أعقاب أزمة مالية عالمية، أعادت ترتيب موازين القوى الاقتصادية، مروراً بتقلبات حادة في الأسعار العالمية للنفط، مقابل تطور متسارع في التكنولوجيا وأسواق العمل، وتغير واضح في احتياجات سكان العالم، واللذان باتا يهددان الشكل النمطي للاقتصاد بشكل عام.
كانت هذه الجملة غريبة آنذاك على أذان الكثير، حتى على كبار الاقتصاديين في نظرتهم لدول المنطقة، التي تحوز ما يوازي ربع إنتاج العالم من النفط، وتعتمد على الذهب الأسود كسلعة شكلت الوجود الأوحد لها في خارطة التجارة العالمية منذ عقود طوال، لكن الآن، ومع القراءة الحالية لما قطعته دول مجلس التعاون على طريق التنويع الاقتصادي، وحققته على أرض الواقع من قوة اقتصادية ضخمة بديلة للنفط، سوف يتلمس القارئ التحدي الذي استطاعت تلك الدول عبوره، لا سيما منذ انتهاء عقد التطلعات بجائحة عالمية، أعادت من جديد ترتيب الأوراق على الأرض.
فالثمار التي جنتها دول مجلس التعاون في تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط في مداخيلها المالية، وزخم الفرص المتاحة بقطاعات الاقتصاد البديلة خلال السنوات المقبلة، والسياسات الاحترازية والأدوات المتطورة، سواء المطبقة أو التي في حوزتها لامتصاص التغيرات الاقتصادية، كانت كلها بمثابة الطريق الممهد لقطار الشرق السريع، الذي استقلته دول مجلس التعاون، لتصبح أكثر قوة، وأسهل وصولاً إلى مقدم الاقتصادات المحركة للمشهد العالمي.
تجربة إماراتية
ويظهر رصد شامل قامت به «حال الخليج» لمؤشرات الناتج المحلي الصادرة من الجهات الرسمية والمؤسسات الإحصائية في دول مجلس التعاون، أن الأنشطة غير النفطية في دول الخليج، حققت إجمالي مساهمة قدرها 5.7 تريليونات دولار خلال السنوات الخمسة الماضية، بحصة وازت 57 % من إجمالي الناتج المحلي المحقق في الدول الست، البالغ قرابة 10 تريليونات دولار، ما بين عامي 2019 و2024. وجاءت الإمارات والسعودية في مقدم دول الخليج من حيث حجم الناتج غير النفطي المحقق، بينما جاءت الإمارات والبحرين في المقدمة من حيث حصة الناتج غير النفطي من إجمالي الناتج المحلي.
وطبقاً لإحصاءات الناتج المحلي الصادرة وزارة الاقتصاد والمركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء في الإمارات، حققت الدولة إجمالي ناتج محلى تجاوز 2.3 تريليون دولار خلال السنوات الخمس، فيما كان الناتج غير النفطي قد اختص بحصة تجاوزت 73 % من إجمالي الناتج المحقق، بقيمة تجاوزت 1.685 تريليون دولار.
وبشكل عام، تصاعد نمو الناتج المحلي غير النفطي منذ 2020، حيث سجل في ذلك العام حوالي 250 مليار دولار، بحصة 71 % من إجمالي ناتج بلغ 352 مليار دولار، بينما بلغ الناتج غير النفطي في 2021، ما قيمته 303.5 مليارات دولار، بحصة 72 %، من إجمالي ناتج محلى ناهز 422 مليار دولار.
وبلغ الناتج غير النفطي 352 مليار دولار، بحصة 70 % من إجمالي الناتج المحقق في 2022، البالغ قيمته 502 مليار دولار، بينما وصلت حصته 74 %، بقيمة 378 مليار دولار من إجمالي ناتج بلغ 511 مليار دولار في 2023، مقابل ذلك، كانت مساهمة القطاع غير النفطي بأكبر قيمة في 2024، بقيمة 402 مليار دولار، بحصة بلغت 75 % من إجمالي الناتج المحقق، البالغ 537 مليار دولار.
عوامل قوة
وتحدث معالي عبد الله بن طوق المري وزير الاقتصاد والسياحة، لـ «حال الخليج»، قائلاً إن الإمارات نجحت خلال السنوات الماضية في تقديم تجربة نموذجية في تنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز نموه وتنافسيته على المستويين الإقليمي والدولي، حيث أولت الدولة اهتماماً كبيراً بوضع استراتيجيات وتشريعات مبتكرة، لزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وتشجيع فرص تأسيس الشركات والأعمال بمختلف القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى ذلك، تسهم رؤية «نحن الإمارات 2031»، في تعزيز استدامة الاقتصاد الوطني، من خلال ترسيخ مكانة الدولة مركزاً عالمياً للاقتصاد الجديد بحلول العقد المقبل.
واستعرض بن طوق ما حققته القطاعات الوطنية من اختلاف ملحوظ خلال السنوات الماضية، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي بنحو 28 % في العام الماضي، عن المحقق في 2024. فيما واصل هذا الزخم في الربع الأول 2025، بوصول مساهمة القطاعات غير النفطية إلى مستوى قياسي جديد ناهز 78 % من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعة بمساهمة كل من قطاع التجارة وقطاع المالية والتأمين والصناعات التحويلية، وقطاع التشييد والأنشطة العقارية، والتي شهدت زخماً واضحاً، سواء من حيث حصص المساهمة، أو من حيث معدل النمو في مساهماتها بالناتج.
وأكد بن طوق على دور المنظومة التشريعية الاقتصادية التي طورتها الدولة، في دعم التنويع، وتقليل الاعتماد على النفط، وتسريع التحول نحو القطاعات المستقبلية، من خلال إصدار وتحديث أكثر من 35 تشريعاً وسياسة وقراراً اقتصادياً، على مدار السنوات الخمس الماضية، من بينها 10 سياسات في قطاعات الاقتصاد الجديد، سواء للشركات العائلية والتعاونيات والتجارة أو الاستثمار الأجنبي.
وفي ضوء هذه الجهود، حقق الاقتصاد الوطني مجموعة من النتائج والمؤشرات، التي أكدت نجاح تجربة التنويع الاقتصادي، وتعزيز المرونة والقدرة على مواجهة المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية، حيث حصلت الإمارات على المركز الخامس عالمياً في مؤشر النمو الاقتصادي الحقيقي للناتج المحلي في 2024، كما جاءت ضمن أفضل 10 اقتصادات في مجموعة من المؤشرات التنافسية العالمية المرتبطة بالناتج المحلي.
رؤية سعودية
أما بالنسبة للسعودية، فقد بلغ إجمالي الناتج المحلي، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء، 5.2 تريليونات دولار، بحصة نسبتها 50 % من الناتج للأنشطة غير النفطية، بقيمة تناهز 2.6 تريليون دولار خلال السنوات الخمسة.
وطبقاً للجدول الزمني للبيانات، ناهز الناتج غير النفطي 360 مليار دولار، بحصة 50 % من إجمالي ناتج وازى 734 مليار دولار في 2020، بينما بلغ الناتج غير النفطي 440 مليار دولار، بحصة 48 % من إجمالي الناتج المحلي، البالغ 917 مليار دولار في 2021. وشكلت مساهمة الأنشطة غير النفطية 47 %، بقيمة 550 مليار دولار، من إجمالي ناتج بلغ 1.170 تريليون دولار في 2022.
في المقابل، كان إجمالي الناتج المحلي المحقق في المملكة 1.141 تريليون دولار في 2023، كانت حصة الناتح غير النفطي منه 50 %، بأكثر من 570 مليار دولار، بينما بلغ إجمالي الناتج 1.238 تريليون دولار في 2024، بلغت منه حصة الناتح غير النفطي 51 %، بإجمالي 631 مليار دولار.
ووفق تصريحات رسمية لوزير الاقتصاد السعودي، فيصل الإبراهيم، فإن اعتماد المملكة على النفط تراجع بأكثر من 90 % في القوة الاقتصادية للمملكة، حيث باتت الأنشطة غير النفطية تنافس بقوة على أكثر من نصف من الناتج المحلي، مضيفاً أن المملكة ما زالت في بداية التحول إلى اقتصاد أكثر مرونة، مستندة إلى الاستثمار الجيد للإمكانات، وقوة السياسات المحلية، وملاءة الشركات الضخمة.
تنويع قطري
وفي قطر، أظهرت البيانات الصادرة عن مركز الإحصاء الوطني، أن الناتج المحلي الإجمالي المحقق، ناهز التريليون دولار خلال 5 سنوات ماضية، كانت الحصة الأكبر منها للأنشطة غير النفطية، بما تجاوز 65 %، محققة 653.5 مليار دولار من الناتج غير النفطي.
وكان الناتج غير النفطي في قطر قد وازت حصته 62 %، بقيمة 89 مليار دولار، من إجمالي ناتج بلغ 144 مليار دولار في 2020، والذي حققت فيه الأنشطة النفطية 55 مليار دولار، بينما تجاوزت حصة الناتج غير النفطي 109مليارات دولار، بنسبة 61 % من إجمالي الناتج المحقق في 2021، البالغ 178 مليار دولار، مقابل مساهمة نفطية بلغت 68.6 مليار دولار.
وتجاوزت قيمة الناتج غير النفطي 166 مليار دولار، بحصة 70 % من إجمالي الناتج المحلي عام 2022، والبالغ 236 مليار دولار، وكانت مساهمة القطاع النفطي قد ناهزت 70 مليار دولار في ذلك العام، وشكل الناتج غير النفطي قرابة 142 مليار دولار، بحصة تجاوزت 66.5 % من إجمالي الناتج، البالغ في 2023 قيمة 213 مليار دولار، حيث بلغت مساهمة القطاع النفطي حوالي 71 مليار دولار. وكانت مساهمة الناتج غير النفطي 147.5 مليار دولار، بنسبة 67.6 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، البالغ 218 مليار دولار في 2024، بينما بلغت مساهمة الناتج النفطي 70.5 مليار دولار.
وأكد الشيخ فيصل بن ثاني بن فيصل آل ثاني وزير التجارة والصناعة، أن استراتيجية الوزارة تهدف إلى تحقيق التنويع في القطاعات الاقتصادية، وضمان الوصول لمعدل نمو سنوي مركب، بنسبة 3.4 % للقطاعات غير النفطية، مع استهداف جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 100 مليار دولار بحلول 2030، بما يدعم أهدافها في تعزيز الابتكار وريادة الأعمال، وتحسين بيئة الأعمال، لجذب المزيد من الاستثمارات الدولية.
نجاح كويتي
وفي الكويت، أظهرت البيانات أن قيمة الناتج الذي حققته الأنشطة غير النفطية، بلغت 376 مليار دولار، لتقارب 50 % من إجمالي الناتج الذي حققته الدولة خلال السنوات الخمس، البالغ 771 مليار دولار. وطبقاً للبيانات، بلغت مساهمة الأنشطة غير النفطية 72.7 مليار دولار، بحصة 65.5 % من إجمالي الناتج، البالغ 111 مليار دولار في عام الجائحة، بينما بلغت قيمة مساهمتها 77.1 مليار دولار، بنسبة 52 % من إجمالي الناتج المحقق في 2021، البالغ 148.3 مليار دولار، في حين بلغت قيمة مساهمتها 80.4 مليار دولار، بنسبة 44 % من إجمالي ناتج بلغ 183.5 مليار دولار في 2022. بينما شكلت نسبة 46 %، بقيمة 76 مليار دولار، من إجمالي الناتج 165.4 البالغ مليار دولار في 2023، فيما شكلت قيمة مساهمة الأنشطة غير النفطية 70 مليار دولار، بحصة 43 % من إجمالي الناتج البالغ 163.2 مليار دولار في العام الماضي.
وأكد وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، وزير المالية، وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار بالوكالة، الدكتور صبيح المخيزيم، أن التنويع الاقتصادي لم يعد خياراً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في المجالات كافة. وقال: «أود أن أركز على المستقبل لا الماضي، مستقبل يكون فيه التمويل والمصارف والاستثمار محركات التحول، تقود التنويع والابتكار والنمو المستدام، بالشراكة مع القطاع الخاص والحلفاء العالميين، وإن الكويت تدخل اليوم مرحلة حاسمة في مسيرتها الاقتصادية، فلم يعد التنويع خياراً سياسياً، بل أصبح ضرورة استراتيجية».
زخم عماني
وفي سلطنة عمان، كان إجمالي الناتج غير النفطي المحقق خلال الخمس سنوات، قد بلغ 330 مليار دولار، بحصة تناهز 67.8 % من إجمالي الناتج، البالغ 490 مليار دولار في تلك الفترة. وأوضحت البيانات أن مساهمة الناتج غير النفطي للسلطنة، بلغت 43 مليار دولار، بحصة 57 % من إجمالي الناتج البالغ 76 مليار دولار في 2020، بينما بلغت مساهمته 59 مليار دولار، بنسبة بلغت 68.6 % من إجمالي ناتج محلي بلغ 86 مليار دولار في 2021.
وكانت حصة القطاع غير النفطي في 2022، قد بلغت 72 مليار دولار، بنسبة 65.4 % من إجمالي الناتج المحلي البالغ 110 مليارات دولار، وبلغت قيمتها 75.2 مليار دولار، بنسبة 71 % من إجمالي الناتج البالغ 106 مليارات دولار في 2023. في المقابل، بلغت 80.6 مليار دولار، بحصة 72 % من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي، البالغ 112 مليار دولار.
وقال الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد العماني: إن هناك جهوداً كبيرة تبذل لتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية الحكومية، إذ تشكل حالياً حوالي 70 % من جملة الإيرادات، مبيناً أن الأنشطة غير النفطية قادت النمو الاقتصادي خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يشجع على بذل المزيد من الجهود المتصلة بالتنويع الاقتصادي.
استراتيجية بحرينية
أما في البحرين، كان الناتج غير النفطي هو المهيمن على اقتصاد المملكة، حيث حقق إجمالي مساهمة بلغ 182 مليار دولار، وبنسبة 84 % من إجمالي الناتج الذي حققته، والذي قارب 217 مليار دولار خلال السنوات الخمس.
وطبقاً للبيانات الرسمية، فإن مساهمة الأنشطة غير النفطية بلغت 32 مليار دولار في 2020، بحصة 88.8 % من إجمالي الناتج البالغ 36 مليار دولار، بينما بلغت 33 مليار دولار، بنسبة 81 % من إجمالي ناتج محلي محقق، بلغ 41 مليار دولار في 2021، فيما بلغت المساهمة في 2022 حوالي 38 مليار دولار، بنسبة 82 % من إجمالي الناتج البالغ 46.4 مليار دولار.
وبلغت المساهمة 38.2 مليار دولار، بنسبة 83 % من إجمالي ناتج قيمته 46.1 مليار دولار في 2023، بينما كانت الحصة الأكبر خلال العام الماضي بقيمة 40.5 مليار دولار، بنسبة 86 % من إجمالي الناتج البالغ 47 مليار دولار.
وتقوم الحصة الأكبر من اقتصاد البحرين على القطاعات غير النفطية، وفق ما صرحت به نور الخليف وزيرة التنمية المستدامة في البحرين، مشيرة إلى أن كلاً من القطاع السياحي والمواصلات والخدمات المالية والخدمات اللوجيستية والتطور الصناعي، لا سيما في قطاع الألومنيوم، كانت أهم القطاعات وأدوات التنويع الاقتصادي، لا سيما في السنوات بعد جائحة كورونا، متوقعة استمرار ذلك الزخم، مدفوعاً باستمرارية التشريعات والسياسات الاستراتيجية، وتواصل نسب النمو في اقتصاد المملكة.
وأكد الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة وزير المالية والاقتصاد، أن رؤية البحرين الاقتصادية 2030، التي تم إطلاقها عام 2008، رسمت ملامح واضحة للتطور والنمو، وأسهمت في الانتقال من اقتصادٍ قائم على النفط، إلى اقتصاد منتج ومتنوع، قادر على المنافسة عالمياً، بما يحقق التطلعات والأهداف المنشودة.
اقتصاد بديل
وبعد استعراض المؤشرات المحققة على الأرض نحو تنويع الناتج المحلي، ومدى نجاح دول مجلس التعاون في تقليص حصة النفط مقابل الأنشطة الأخرى، يبرز لنا تساؤل مهم، وهو.. هل تستطيع قطاعات الاقتصادية غير نفطية، مثل الإنشاءات أو السياحة أو الطاقة المتجددة أو التكنولوجيا، الاستمرارية بنفس القوة، وبناء اقتصاد بديل دائم؟.
وفق آراء الخبراء، وما أتت به الكثير من الدراسات المختصة، فإن تلك القطاعات قد باتت تفوق القطاع النفطي في أثرها الاقتصادي، سواء في حصتها في الناتج المحلي، أو حجم التوسع أو النمو الاستثماري، أو حتى الأثر المباشر في سوق العمل، حيث إن مؤشر تلك القطاعات في منحنى تصاعدي واضح، مقابل ما يقدمه القطاع النفطي، ما يعكس التوقعات القوية على هذا الصعيد، والآمال المدعومة بالكثير من الأدوات الاقتصادية، والمقومات التي أمكن تحقيقها خلال السنوات القليلة الماضية.
ويواصل معالي عبد الله بن طوق إجابتنا عن ذلك التساؤل، مؤكداً أن قطاعات الاقتصاد الجديد، هي الرهان الحقيقي للمرحلة المقبلة، والأقدر على المساهمة في بناء اقتصاد المستقبل في دول مجلس التعاون، القائم على المعرفة والابتكار.. فمن السياحة والطيران وريادة الأعمال، والشركات العائلية والتعاونيات، مروراً بالتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المال والاقتصاد الرقمي، والتجارة الإلكترونية والطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء، وصولاً إلى الإعلام والفنون الرقمية والنقل الذكي والبنية التحتية، نجد أن كلها قطاعات قادرة على بناء اقتصادات المستقبل.
واستطرد معاليه قائلاً: إن الإمارات تقدم نموذجاً مثالياً قابلاً للتطبيق على مستوى المنطقة، من خلال تطويرها السياسة الوطنية للتجمعات الاقتصادية، والتي ترسي تجمعات من الصناعات والخدمات ذات الصلة ببعضها بعضاً، والمؤسسات المرتبطة بها في مناطق جغرافية محددة، مستفيدين من مزايا متعددة، مثل الموارد الطبيعية، والموقع الجغرافي، وبيئة الأعمال، والروابط المتكاملة.
ومن المخطط، وفق بن طوق، أن تسهم السياسة الوطنية للتجمعات الاقتصادية في خمسة قطاعات رئيسة، في تعزيز منظومة الابتكار بالدولة، وتحقيق تنمية اقتصادية بأكثر من 30 مليار درهم سنوياً، ونمو قيمة التجارة الخارجية للدولة بمقدار 15 مليار درهم خلال السبع سنوات القادمة، إضافة إلى خلق أكثر من 20 ألف فرصة عمل جديدة، من خلال تطبيق السياسة، والتي من بينها الارتقاء بعدة قطاعات، مثل قطاعات التكنولوجيا المالية، المنتظر رفع مساهمته بالناتج المحلي للإمارات من 8.7 % إلى 12 % بحلول 2031، إلى جانب قطاع الطيران، الذي يسهم حالياً بحوالي 18 % من الناتج، وقطاع السياحة الذي يسهم بحصة 13 % من الاقتصاد الوطني.
وأضاف معاليه: نحن نرى دوراً حيوياً لتلك السياسة في تعزيز تنافسية الاقتصاد غير النفطي خلال المرحلة المقبلة، مع مواصلة خطط التطوير والتنويع والتحول نحو الاقتصاد المستدام والقائم على المعرفة، لا سيما اعتماد التطوير على تعظيم المقومات المحلية، وتمكين البيئة والسياسات، والبنية التحتية والاستثمار، وتطوير المهارات، وبناء القدرات، والربط بالأسواق العالمية والوصول إليها، والمتابعة وإدارة المعرفة والاستدامة.
توقعات قوية بمواصلة الزخم
واستكمالاً لمعدلات النمو المتوالية، التي شهدتها اقتصادات الخليج على مدار السنوات الماضية، فإن التوقعات قوية جداً بمواصلة هذا الزخم خلال الفترة المقبلة، ما يعزز الرابط بين التنويع الاقتصادي وقوة رأس المال، ومدى اتساع القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وتوسع الاستثمارات، ونمو دور القطاع الخاص. ويدلل صندوق النقد الدولي على مواصلة اقتصادات الخليج خطوات التطور، وبناء أنشطة الاقتصاد البديل، في ظل مؤشرات مواصلة نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لدول الخليج، بنسبة 4.3 % في 2025.
ومن المتوقع أن تعزز دول مجلس التعاون وتيرتها الاقتصادية القوية خلال سنوات مستقبلية، وهو ما أوضحته تصريحات لمدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، الذي رأى أن اقتصادات الخليج مستمرة في قوتها، فهي ذات رؤية استراتيجية في التنويع، وذات توجه واضح نحو القطاعات الواعدة، وفي مقدمها التكنولوجيا، وهي العوامل التي من شأنها تعزيز قدرتها على تخطي أي تغيرات على المستوى العالمي.
قطاعات واعدة
ووفق رصدنا لبيانات الزخم المتوقع في قطاعات الاقتصاد البديل، أظهرت مؤشرات المؤسسات المختصة ودراسات المراكز البحثية العالمية، فرصاً ضخمة في العديد من القطاعات، بما يجعلها ذات دور واضح في بناء الاقتصادات الخليجية، بعيداً عن قطاعات النفط والغاز والصناعات الأحفورية.
والبداية عند القطاع السياحي، حيث تظهر بيانات حديثة للمركز الإحصائي الخليجي، ارتفاع نسبة مساهمة القطاع السياحي، بإجمالي الناتج المحلي الخليجي بأكثر من 30 % في 2024، مقارنة بعام 2019، مع نمو 51 % في إجمالي عدد السياح من 2019 إلى 2024، الذي تجاوز 72 مليون سائح، لتبلغ عائدات السياحة خليجياً 120 مليار دولار، فيما توقع المركز أن تصل مساهمة القطاع في الناتج الإجمالي الخليجي في 2034، إلى 13.3 % من إجمالي الناتج المحقق، وبقيمة تتجاوز 371 مليار دولار.
في المقابل، تؤكد دراسة حديثة صادرة عن مجلس السفر والسياحة العالمي، تدفقاً متوقعاً لحركة الاستثمارات القوية بالسوق السياحي الخليجي بشكل عام، لا سيما في الإمارات والسعودية، وذلك لاستيعاب زخم الإنفاق السياحي بدول الخليج، المتوقع أن يصل إلى حد 224 مليار دولار في 2034.
طاقة المستقبل
وإن كان قطاع السياحة يحظى بتوقعات واسعة في جذب الاستثمار، ما يجعله محوراً هاماً في خطط الاقتصاد البديل، فإن طاقة المستقبل، وفي مقدمها الطاقة المتجددة، تعد من أقوى محاور التطوير المستدام، حيث باتت لاعباً أساسياً في مستقبل التنويع في اقتصادات دول الخليج، والمحرك الرئيس للتحول في مرحلة ما بعد النفط، لا سيما مع تعميق حركة إحلال الطاقة المستدامة كمصدر أساسي للطاقة، سواء للعمليات الإنتاجية والمشاريع، أو في حاجة التجمعات السكنية أو المرافق العامة، أو نحو تعزيز وسائل التنقل الخضراء ذات البصمة الكربونية المنخفضة.
ويستند ذلك الزخم إلى كثير من العوامل، التي باتت تنفرد بها دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها الرؤية الواضحة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، التي تضمها الخطط طويلة الأجل في اقتصادات الخليج الكبرى، وفي مقدمها الإمارات والسعودية وقطر، إلى جانب حزمة المشاريع الضخمة وذات الأجل الطويل، سواء التي نفذت، أو المتطلع لها في مجال الطاقة النووية، والمشاريع القائمة أو تحت تحت الإنشاء أيضاً في مجال الطاقة المستخلصة من الهيدروجين.
هذا إلى جانب قطاع الطاقة المتجددة، حيث تبنت دول الخليج أكبر المشاريع قاطبة في الطاقة الشمسية، فيما تنفذ للعديد منها أيضاً خلال سنوات قلائل من مشاريع ومجمعات ضخمة للطاقة الكهروضوئية، والتي من شأنها تعزيز استثمارات طويلة الأجل، ذات مردود اقتصادي دائم، وأثر اقتصادي واضح في دعم إيرادات تلك الدول، وبالتالي، استمرارية الإنفاق في خطط التنمية المستدامة، إلى جانب الفرص الواضحة لتعزيز أسواق العمل ونقل الخبرات.
وتظهر بيانات حديثة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا»، أن دول الخليج قطعت شوطاً كبيراً في توسيع قدراتها من الطاقة المتجددة حتى عام 2024، حيث أضافت خلال العام الماضي بمفرده أكثر من 3.1 جيجاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية الجديدة، وتصدرت القطاع كل من الإمارات والسعودية وقطر والبحرين.
وتبين دراسة للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات «ضمان»، تصدر الإمارات الدول المستثمرة في قطاع الطاقة المتجددة، بأكبر محفظة مشاريع طاقة متجددة إقليمية، بحوالي 57 مشروعاً، بقيمة 89 مليار دولار، توفر 16 ألف وظيفة، وكانت الشركات الخليجية هي الأكبر على صعيد استقطاب تلك المشاريع في المنطقة، خلال السنوات الماضية، منها شركة «أكوا باور» السعودية، بأكبر عدد، وهو 20 مشروعاً، بحصة 6 % من المشاريع الأجنبية، بينما تصدرت شركة «إنفينتي باور» الإماراتية، كأكبر مستثمر، بإجمالي 34 مليار دولار، بحصة 34 % من إجمالي الاستثمارات في القطاع.
مقابل ذلك، تبين حصة دول الخليج من السوق العالمي، حجم الزخم الذي ينتظر القطاع، وقدرته على دعم خطط الاقتصاد البديل، حيث تستحوذ الإمارات بواقع 7 شركات، على حصة 67 % من إجمالي 113 مليار دولار، كقيمة 90 مشروع يبني في قطاع الطاقة المتجددة عالمياً، والتي توفر 22 ألف وظيفة، بينما آلت حوالي 17 % من إجمالي تلك المشاريع إلى الشركات السعودية، فيما تظهر الدراسة أن كلاً من الإمارات والسعودية وقطر والكويت وعمان، تم تصنيفها بناءً على تلك الخطط المستقبلية، كأفضل الاقتصادات العربية الاستثمارية في قطاع الطاقة والكهرباء.
ازدهار عقاري
وتواصل الدراسات العالمية المتخصصة استكشاف مكامن القوة في اقتصادات دول الخليج، نحو تدعيم أركان الاقتصاد البديل، متبلورة هذه المرة في القطاع الإنشائي والتشييد العقاري، حيث حققت اقتصادات خليجية كبرى نجاحاً كبيراً في التخلص من هيمنة النفط، إلى جانب تعزيز سوق مشروعات البناء والعقارات، بدعم من زيادة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الضخمة.
ووفق توقعات حديثة لوكالة «فيتش»، من المنتظر أن تستحوذ الدول الثلاث، الإمارات والسعودية وقطر، إلى جانب كل من الجزائر ومصرـ على حصة 80 % من إجمالي 500 مليار دولار، كناتج لأنشطة التشييد في المنطقة.
وعلى صعيد أكبر الأسواق ومدى القيمة السوقية المتوقعة، بما يدعم قوة القطاع، كأحد قطاعات الاقتصاد البديل، أكدت دراسة حديثة لمؤسسة «ريسيرتش آند ماركت»، المتخصصة في أبحاث السوق، أن التوقعات ترجح الزخم الواضح، مع اختلافه باختلاف أسواق الإنشاءات خليجياً. ففي الإمارات، من المنتظر أن ينمو بمعدل 6 % سنوياً، ليصل إلى 95 مليار دولار بحلول 2029، فيما تخصص السعودية ما يقارب تريليون دولار لمشروعات البناء والعقارات، ضمن خطة شاملة، تستهدف مجموعة متنوعة من الاستثمارات طويلة الأجل، ما بين المشروعات العملاقة، وتوسعة المدن، وزيادة المعروض من المنازل، وصولاً إلى تحديث شبكات النقل، وغيرها من البنية التحتية والتشييدية المتطورة.
اقتصاد المعرفة
وفي المقابل، فإن التحول الواضح لدول الخليج، وتسابقها في تعزيز بنية التكنولوجيا المستقبلية والذكاء الاصطناعي، يعمق الثقة بسوق مستقبلي جاذب لكافة الشركات العالمية. وأظهرت دراسات لمؤسسات بحثية دولية، مثل «برايس كوبرز»، توقعات بإسهام قطاع الذكاء الاصطناعي بما يتجاوز 256 مليار دولار في الناتج المحلي لدول مجلس التعاون، مختصة بحوالي 80 % من حصة إسهام هذا القطاع في ناتج دول منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ما يعكس مدى الحصة الهائلة المتوقعة لهذا القطاع في اقتصادات الدول الخليجية، لا سيما مع ارتباطه الوثيق بقطاعات رئيسة أخرى، مثل القطاع المصرفي والمالي، ومجال الرعاية الصحية وغيرها.
