ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 6 مايو 2025 04:05 مساءً - من المتوقع أن يُبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع الأربعاء، في نطاق يراوح بين 4.25 % و4.50 %، في وقت تبدو الأسواق مطمئنة نسبياً لهذا القرار، ومع ذلك تتجه الأنظار بشكل مكثف نحو خطاب رئيس بنك الاحتياطي الأمريكي، جيروم باول، الذي ينتظر المستثمرون منه إشارات واضحة حول ملامح السياسة النقدية للفترة المقبلة، لا سيما بعد التطورات الأخيرة المرتبطة بالبيانات الاقتصادية الأمريكية، علاوة على نتائج أعمال الشركات، لا سيما شركات التكنولوجيا السبع الكبرى.
وتُسعّر الأسواق احتمالية بنسبة 2.7 % فقط لخفض الفائدة في الاجتماع الثالث للاحتياطي الأمريكي منذ عودة ترامب للبيت الأبيض، بينما تظل إشارات باول «حاسمة» في توجيه توقعات المستثمرين بشأن اجتماع يونيو المقبل، في وقت يقف فيه صناع السياسة النقدية عند مفترق طرق رئيسي، لا سيما أن الرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين المحيطة بالسياسات التجارية تشكلان عامل ضغط إضافياً على الأسواق.
ومن شأن استمرار التوترات التجارية، لا سيما مع الصين، أن يزكي المخاوف التضخمية ويُعقد مهمة الفيدرالي في السيطرة على الأسعار دون كبح النمو. كما أن حالة الغموض بشأن القرارات الحكومية القادمة تجعل المستثمرين في حالة ترقب دائم، ما يعزز تقلبات الأسواق المالية خلال الفترة المقبلة، ويضع السياسة النقدية الأميركية أمام تحديات متزايدة تتطلب قراءة دقيقة للمشهد المحلي والدولي معاً. بينما تبدو في الأفق مؤشرات إيجابية مرتبطة بالمفاوضات التجارية التي تترقب الأسواق نتائجها.
أهم البيانات
وفيما تمنح البيانات الأخيرة صورة أوضح للفيدرالي بشأن صحة الاقتصاد، يشير خبير الاقتصاد الكلي، ومؤسس شركة أركومينا للأبحاث، ماركو بييغوفيتش، في تصريحات خاصة لـ «حال الخليج» إلى تقرير الوظائف لشهر أبريل، والذي أظهر نمو بـ 177 ألف وظيفة، مقارنة بالتوقعات بارتفاع عدد الوظائف 130 ألف وظيفة، فيما ظل معدل البطالة عند 4.2%، وهو لا يزال غير كافٍ لتحفيز الاحتياطي الفيدرالي على اتخاذ إجراء.
أما مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر مارس، وهو مقياس التضخم المفضل للفيدرالي، فقد سجل تحسناً ملحوظاً بمقدار 0.4 نقطة مئوية ليصل إلى 2.3%، لكن من غير المرجح أن يدفع ذلك الفيدرالي إلى التحرك أيضاً، لأن التوقعات تشير إلى أن زيادات الأسعار المرتبطة بالرسوم الجمركية سترفع هذا المؤشر مستقبلاً.
وجاء الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول سلبياً عند -0.3%، لكن هذا -بحسب بييغوفيتش- كان نتيجة صافية للصادرات فقط، إذ تسارع معدل "الناتج الأساسي" الذي يشمل الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار الثابت، من 2.9% إلى 3.0%، مما يعكس استمرار الزخم القوي للنمو. لذلك، من المرجح أن يُبقي الفيدرالي أسعار الفائدة مستقرة ضمن نطاق 4.25%-4.5%.
وتعليقاً على تلك البيانات الأخيرة، يقول مؤسس ومستشار الاستثمار في شركة «أكين للاستثمارات»، ستيفن أكين، في تصريحات لـ «حال الخليج» إن البيانات الاقتصادية لا تزال تأتي مطابقة لمعظم التوقعات أو أعلى منها، ولذلك فإن الأسواق تتوقع أن يُبقي الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة في اجتماع هذا الأسبوع، مردفاً: نحن الآن في مرحلة حرجة مع تزايد الضغوط على كلا الجانبين في نقاش أسعار الفائدة، ولكن في هذه المرحلة، أعتقد بأنهم سيُبقون أسعار الفائدة عند مستواها الحالي.
وهو ما يتفق معه مؤسس سكيلد فاينانس، كيفن إستس، والذي يقول لـ «حال الخليج»: أعتقد بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيواصل نهجه المعتاد.. ومن المرجح أن يوازن قراراته السياسية بناءً على التقارير الداخلية حول التضخم والبطالة والنشاط الاقتصادي.
وبالنظر إلى أن تقرير الوظائف الأخير لا يُظهر ضعفاً كافياً، فمن المتوقع ألا يُفصح جيروم باول عن كثير من التلميحات بخصوص اجتماع يونيو المقبل، مع التأكيد على استمرار حالة عدم اليقين، خصوصاً تلك الناجمة عن السياسات الحكومية مثل الرسوم الجمركية. وبالتالي، قد لا يختلف الخطاب العام عن تصريحات باول السابقة، ما يعني أن الفيدرالي سيظل في وضع الانتظار حتى تتضح أمامه تأثيرات السياسات الحكومية على الاقتصاد.
الفيدرالي على حبل مشدود
كبير مسؤولي الاستثمار في «رانينغ بوينت كابيتال»، مايكل آشلي شولمان، يرى أن الفيدرالي الأمريكي يسير على حبل مشدود بين كبح التضخم ودعم النمو الاقتصادي، منبهاً إلى أنه حتى الآن، يبدو أن البنك المركزي مرتاح لترك السوق تتوازن بنفسها، لكنه قد يفاجئ الأسواق بإجراء جديد لاحقاً هذا العام.
وفي تصريحات خاصة لـ «حال الخليج»، يوضح شولمان أن قرار الفيدرالي يعتمد على مسار التضخم ومتانة سوق العمل واتجاهات النمو، وعلى الرغم من تسجيل الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً بنسبة 0.3% في الربع الأخير، فإن التوقعات تشير إلى تحسن قادم خلال الربعين المقبلين، مما يمنح الفيدرالي هامش راحة للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، خاصة مع استمرار معدل البطالة عند مستوى منخفض يبلغ 4.2%. كما يؤكد شولمان أن طريقة تواصل الفيدرالي لا تقل أهمية عن قراراته، إذ يُنتظر من باول إصدار بيان محسوب يطمئن الأسواق دون إغلاق الباب أمام التحرك مستقبلاً.
ومع تراجع الضغوط الجيوسياسية وانتعاش الأسواق العالمية بفضل تخفيف لهجة ترامب تجاه الصين واستعداد بكين للتفاوض، يجد الفيدرالي نفسه أمام مشهد أقل توتراً، لكنه سيظل مستعدًا لأي مفاجآت قد تحملها الأخبار القادمة، لا سيما فيما يتعلق بالتطورات المرتبطة بالرسوم الجمركية.
ولا يزال شبح الحرب التجارية الناجمة عن رسوم ترامب الجمركية -رغم الرسائل المرنة أخيراً المرتبطة بالمفاوضات التجارية- يهيمن على الأسواق وتوقعاتها، وهو ما يؤكده الاستاذ بكلية سميث للأعمال في جامعة ماريلاند، ديفيد كاس، والذي يقول لـ «حال الخليج» إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لن يُغيّر أسعار الفائدة في اجتماعه القادم بسبب حالة عدم اليقين بشأن تأثير الرسوم الجمركية التي اقترحها الرئيس ترامب على التضخم وعلى التوظيف. ويعتقد بأن الفيدرالي سينتظر بضعة أشهر على الأقل لجمع هذه البيانات.
ضغوط ترامب
ومارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطاً متقطعة على الفيدرالي الأميركي، بدءًا من التلويح بإقاله جيروم باول، حتى التراجع عن تلك التصريحات بعد ردود فعل الأسواق العاصفة، لكنّه لا يزال يتمسك بدعوة بنك الاحتياطي لخفض الفائدة مهاجماً نهج باول.
وفي هذا السياق، يقول كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، ميشال صليبي، يقول في تصريحات خاصة لـ "حال الخليج": "واحدة من الأمور التي أراحت الأسواق كانت تصريحات ترامب بأنه لا ينوي إقالة جيروم باول حتى نهاية ولايته في العام 2026، وهذا الأمر خفف قليلًا من المخاوف.. وفي اعتقادي، إذا حدث ضغط على جيروم باول لخفض أسعار الفائدة، فسيكون ضغطاً غير مباشر من خلال البيانات الاقتصادية".
ويؤكد أنه من المتوقع أن يبقي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير، فيما تتجه الأنظار إلى خطاب جيروم باول، خاصة بعد صدور بيانات اقتصادية ونتائج شركات التكنولوجيا التي دعمت الأسواق بزخم إضافي رغم بعض المخاوف بشأن الناتج المحلي الإجمالي بسبب ارتفاع الواردات.
ويعتقد بأن أداء الاقتصاد الأميركي يظهر أن بيانات الوظائف وانخفاض البطالة ونتائج أرباح الشركات تجعل مسألة خفض الفائدة غير محسومة لاجتماع يونيو، إذ ينتظر السوق إشارات واضحة من باول حول توجهاته القادمة، رغم تأثير الواردات على تراجع الناتج المحلي. فيما تبقى احتمالية خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يونيو المقبل قائمة.
وفيما يخص التعريفات الجمركية، يوضح أن التهدئة النسبية في هذا الملف ساعدت على استقرار الأسواق ورفع الأسهم الأميركية، إلا أن استمرار التصعيد، خصوصاً مع الصين، قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الدورة الاقتصادية ويدفع الفيدرالي لاحقاً إلى إعادة النظر في موقفه من الفائدة.
أخبار متعلقة :