ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 17 يوليو 2025 02:14 مساءً - في عالم تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية والاقتصادية، لم يعد الذهب وحده رمز الثروة أو النفوذ. بل ظهر معدن آخر – أقل بريقًا، لكنه أكثر تأثيرًا – يتصدر المشهد الصناعي والعسكري والتكنولوجي وهو النحاس.
هذا المعدن الأحمر، الذي طالما اعتُبر مكوّنًا أساسيًا في البنى التحتية، بات اليوم عنصرًا استراتيجيًا تتقاطع حوله مصالح الأمن القومي، والانتقال إلى الطاقة النظيفة، وثورة السيارات الكهربائية.
من هذا المنطلق، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في يوليو 2025 عن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس المصهور والمكرر، في خطوة وصفها بأنها "ضرورية لحماية الأمن القومي" و"إعادة بناء القدرة الصناعية الأمريكية".
القرار لم يكن اقتصاديًا بحتًا، بل حمل أبعادًا سياسية وتجارية عميقة. فمن وجهة نظر ترامب، النحاس لم يعد مجرد مادة خام، بل أصبح "سلاحًا اقتصاديًا" يجب أن يُستخدم للدفاع عن الاستقلال الصناعي الأمريكي، وتقليل التبعية لدول أجنبية – حتى وإن كانت حليفة.
أهمية النحاس
يُعد النحاس من المعادن الإستراتيجية الأساسية في العالم الصناعي، ويُستخدم في:
قطاع الطاقة
يدخل في صناعة كابلات الطاقة، المحولات، أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
الصناعات الدفاعية
يُستخدم في إنتاج الذخيرة، الأسلحة المتقدمة، أنظمة التحكم، وأجهزة الاتصالات العسكرية.
صناعة السيارات
السيارة الكهربائية تحتوي على ما يقارب 80 كجم من النحاس، مقارنة بـ 20–30 كجم فقط في السيارات التقليدية.
الاتصالات والتقنية
يستخدم في مراكز البيانات، شبكات الإنترنت والأجهزة الإلكترونية.
الدول المنتجة والمصدّرة للنحاس
النحاس يُنتج ويُصدر من عدد من الدول، من أبرزها:
تشيلي : أكبر منتج عالمي، وتوفر أكثر من 25٪ من الإنتاج العالمي.
بيرو : ثاني أكبر مصدر للنحاس الخام.
الكونغو الديمقراطية : ذات إنتاج مرتفع وخاصةً في الكوبالت والنحاس معًا.
الولايات المتحدة : تملك احتياطيات كبيرة لكنها تستورد حوالي 50٪ من استهلاكها
كندا والمكسيك : من المصدرين الرئيسيين للولايات المتحدة ضمن اتفاقية USMCA.
قرار ترامب وفرض الرسوم الجمركية
أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 10 يوليو 2025 عن فرض رسوم جمركية بنسبة 50٪ على واردات النحاس المصهور والمكرر، تبدأ في 1 أغسطس 2025، استنادًا إلى "المادة 232 من قانون التجارة الأمريكي"
دوافع ترامب لفرض الرسوم:
حماية الأمن القومي:
استند القرار إلى أن الاعتماد على النحاس المستورد، خاصة في الصناعات الدفاعية، يمثل تهديدًا مباشرًا
تحفيز الإنتاج المحلي:
يهدف القرار إلى تشجيع الاستثمار في مشاريع داخلية مثل مشروع Resolution Copper في أريزونا، الذي تأخر لأسباب تنظيمية .
تقليل الاعتماد على الخارج
ترامب أكد أن الولايات المتحدة يجب أن تمتلك السيطرة الكاملة على المعادن الحساسة، دون التعويل على دول أجنبية حتى وإن كانت حليفة .
استمرار لسياسة "أمريكا أولًا"
هذه الرسوم تُعد امتدادًا للنهج الحمائي الذي بدأه ترامب خلال رئاسته الأولى، خاصة على الصلب والألمنيوم
التداعيات الاقتصادية المتوقعة
وبحسب واشنطن بوست فإن التداعيات الاقتصادية المتوقعة سترفع الأسعار في السوق الأمريكية بنسبة 12–13% ، وزيادة تكاليف الإنتاج على الشركات الصناعية، وخاصة في قطاعات مثل السيارات والطاقة والإلكترونيات ، كما ستنشأ مخاوف من التضخم المحلي مع احتمالية تمرير الكلفة إلى المستهلك النهائي.
وستحدث الرسوم توترات تجارية محتملة مع كندا والمكسيك، رغم كونهما شريكين في اتفاقية التجارة الحرة USMCA، حيث ترى الدولتان أن الرسوم تخالف الاتفاقية.
التحديات أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي
وبحسب "واشنطن بوست" فإنه على الرغم امتلاك الولايات المتحدة احتياطيات ضخمة من النحاس، إلا أن بناء المناجم وتشغيل المصاهر يتطلب عدة سنوات من التخطيط والتنفيذ والموافقات البيئية، ما يجعل الاعتماد الكامل على الإنتاج المحلي غير ممكن في المدى القصير.
فرض ترامب رسومًا جمركية على النحاس بنسبة 50٪، بدعوى حماية الأمن القومي الأمريكي وتعزيز الصناعة المحلية ، حيث يرى أن النحاس يشكل مادة حيوية للصناعات الدفاعية والطاقة والتقنية، وأنه لا يجوز للولايات المتحدة الاعتماد على الخارج لتأمينها.
لكن في المقابل، قد تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع الأسعار والتضخم الصناعي، إضافة إلى توترات مع الشركاء التجاريين.
أخبار متعلقة :