ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 10 أغسطس 2025 12:06 صباحاً - أسهمت الجهود المتواصلة التي بذلتها دولة الإمارات خلال العقود الماضية في إحداث تحول نوعي جعل من سوق العمل الإماراتي مقصداً للباحثين عن عمل والمستثمرين والخبرات من مختلف أنحاء العالم، حيث تمكنت الدولة، من خلال رؤية استشرافية وخطط مدروسة، من صياغة منظومة تشريعية وتنظيمية متكاملة، تقوم على حماية حقوق العاملين، وضمان بيئة عمل آمنة ومحفزة، وفي الوقت نفسه تهيئة مناخ جاذب للاستثمار يمنح أصحاب الأعمال مرونة عالية في إدارة عملياتهم وتطوير أعمالهم.
وتعكس المؤشرات العالمية التي حلت الدولة في صدارتها تميز المنظومة التشريعية التي أرستها الدولة، والتي جاءت نتيجة تراكم خبرات وتجارب، وإصرار على تبني أفضل الممارسات العالمية وتكييفها بما يتناسب مع خصوصية الاقتصاد وأهدافه التنموية، حيث تصدرت الإمارات 10 مؤشرات دولية رئيسية وفق تقرير الكتاب السنوي الصادر عن مركز التنافسية العالمي.
وشملت هذه المؤشرات انخفاض معدل المنازعات العمالية، وسهولة إنهاء عقود العمل، ونمو القوى العاملة، وارتفاع مستوى التنافسية في سوق العمل، وانخفاض متوسط ساعات العمل، وارتفاع معدل التوظيف، ونمو حجم العمالة، وتوفر الكفاءات الإدارية المتخصصة، وغياب التعقيدات البيروقراطية، وتوافر الخبرات المهنية المتقدمة.
تشريعات حديثة
كما حل سوق العمل الإماراتي في المرتبة الثانية عالمياً في أربعة مؤشرات إضافية، أبرزها نسبة القوى العاملة الأجنبية، ونسبة القوى العاملة وتوفر المهارات المالية، والعمالة الماهرة، وهي مؤشرات تؤكد مكانة الإمارات كلاعب عالمي محوري في تطوير أنظمة العمل وتطبيق التشريعات الحديثة، وجاء ثالثاً في ثلاثة مؤشرات وهي: «المهندسين المؤهلين ومؤشر التوقعات نسبة البطالة وتوافر العمالة الماهرة».
ركائز
واعتمدت الدولة على ركائز عدة في بناء سوق عمل تنافسي، وكان في مقدمتها التحديث المستمر للقوانين العمالية، والذي جاء أحد أشكاله في المرسوم الاتحادي رقم (33) لسنة 2021 بشأن تنظيم علاقات العمل، الذي يعد نقلة نوعية في تنظيم العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل، حيث أتاح القانون أنماط عمل متعددة، مثل العمل عن بعد، والعمل الجزئي، والعمل المؤقت، والعمل المشترك، ما أوجد مرونة كبيرة في سوق العمل، وأسهم في تمكين المؤسسات من استقطاب المهارات المناسبة لاحتياجاتها التشغيلية، ومنح العاملين خيارات تلائم ظروفهم الحياتية والمهنية.
كما نص القانون على مبدأ المساواة في الأجر بين الجنسين عن العمل نفسه أو العمل ذي القيمة المتساوية، وحظر أي شكل من أشكال التمييز على أساس العرق أو الدين أو اللون أو الإعاقة أو الجنس، بما يعزز قيم العدالة والمساواة.
علاقة تعاقدية
ولتحقيق أعلى مستويات الشفافية في العلاقات التعاقدية، ألزمت التشريعات أصحاب العمل بتوضيح كافة شروط وأحكام التعاقد منذ اليوم الأول، بما في ذلك الأجور، وساعات العمل، والإجازات، وحقوق التدريب، وآليات إنهاء العقد، وذلك لتجنب النزاعات وضمان وضوح الحقوق والالتزامات.
وفي مجال حماية الحقوق المالية، كان لنظام حماية الأجور (WPS) دور محوري في ضمان وصول الرواتب إلى 99 % من العمال في مواعيدها عبر القنوات المصرفية المعتمدة، ومنع أي تأخير أو تلاعب، وقد عززت الدولة هذا النظام بآلية مراقبة إلكترونية آنية ترصد عمليات الدفع لحظة بلحظة، وتتخذ إجراءات فورية ضد أي مخالفات، تصل إلى تعليق تصاريح العمل ووقف نشاط المنشأة المخالفة.
أما في جانب الصحة والسلامة المهنية، فقد واصلت الإمارات تطبيق مبادرة «حظر العمل وقت الظهيرة» للعام الحادي والعشرين على التوالي، وذلك من 15 يونيو إلى 15 سبتمبر، بين الساعة 12.30 ظهراً وحتى 3 عصراً، لحماية العمال الميدانيين من مخاطر التعرّض لأشعة الشمس المباشرة ودرجات الحرارة العالية، ووفق بيانات وزارة الموارد البشرية والتوطين، بلغت نسبة الالتزام بالمبادرة أكثر من 99 % خلال موسم 2024، وإلى جانب ذلك تم توفير محطات استراحة مكيفة لعمال التوصيل، مدعومة بخرائط تفاعلية لتحديد مواقعها، وفرض غرامات تصل إلى 5000 درهم لكل عامل مخالف أو 50 ألف درهم في حالات المخالفات الجماعية، مع إمكانية تعليق ملف المنشأة.
وفي إطار الحماية الاجتماعية، أطلقت الدولة سلسلة مبادرات شملت إنشاء 330 مركزاً إرشادياً، والتي كان لها الفضل في توعية أكثر من 9 ملايين عامل بحقوقهم وواجباتهم، حيث تقدم هذه المراكز خدماتها تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتوطين بـ 17 لغة.
إلى جانب ذلك، طبقت دولة الإمارات، متمثلة في وزارة الموارد البشرية والتوطين، إلزامية التأمين الصحي، حيث يلزم أصحاب العمل بتوفير تغطية صحية متكاملة تشمل الفحوصات الطبية والعلاجات والأدوية والرعاية الوقائية، إضافة إلى خدمات الطوارئ.
وقد أسهمت هذه الخطوة في تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة للعمال، وتقليل الأعباء المالية على الأفراد، وضمان حصولهم على العلاج في الوقت المناسب، الأمر الذي انعكس إيجاباً على إنتاجيتهم واستقرارهم الوظيفي.
كما بادرت الدولة إلى إطلاق نظام ادخار خاص بالعمال، وهو نظام مبتكر يتيح للعاملين من غير المواطنين فرصة استثمار مدخراتهم بطريقة آمنة وشفافة، من خلال قنوات مالية معتمدة تخضع لرقابة الجهات المختصة، ويهدف هذا النظام إلى توفير بديل مستدام لنظام مكافأة نهاية الخدمة التقليدي، بما يمنح العمال إمكانية تنمية مدخراتهم على المدى الطويل، وتحقيق عائدات مالية تساعدهم على ضمان مستقبلهم وأسرهم بعد انتهاء فترة عملهم في الدولة، ويعد هذا النظام واحداً من أبرز النماذج الإقليمية في إدارة مستحقات نهاية الخدمة، لما يوفره من حماية لرأس المال وتنوع في خيارات الاستثمار.
أخبار متعلقة :