هذا التحول لم يكن شكلياً، بل جاء نتيجة سياسة اقتصادية مدروسة تدعمها الصناديق السيادية، واتفاقات تجارية، وشركات بنية تحتية قادرة على إعادة رسم خريطة الترابط بين القارتين، بحسب موقع «allAfrica».
استثمارات
وتقود هذه الطفرة مؤسسات استثمارية كبرى منها: صندوقا «أدكيو» و«مبادلة» اللذان وسّعا محفظتهما في مجالات الزراعة الغذائية والصناعات التحويلية والمنصات الصناعية، فيما أعادت «أدنوك» صياغة استراتيجيتها في أفريقيا، لتتجه نحو الأصول التكريرية والوسيطة، بينما عزز مكتب أبوظبي للصادرات تدفقات المعدات والخدمات.
وإلى جانب رؤوس الأموال، وفّرت الأطر القانونية الأساس الضروري لضمان استدامة هذه المشاريع. فقد أبرمت الإمارات اتفاقات شراكة اقتصادية شاملة مع موريشيوس، ومع كينيا في يناير 2025.
وتُظهر الصفقة الكينية بوضوح هذا النهج، إذ لم تقتصر على خفض الرسوم الجمركية، بل تضمنت فصولاً تتعلق بالأمن الغذائي والتجارة الرقمية والخدمات، بهدف تشجيع مشروعات ثلاثية المحاور: شركات أوروبية توفر التكنولوجيا والامتثال، مؤسسات إماراتية تقدم التمويل واللوجستيات، وشركاء كينيون يتولون التنفيذ على الأرض.
وتستند مفاوضات مشابهة مع جمهورية أفريقيا الوسطى، إلى هدف رفع التجارة غير النفطية فوق خط أساس يبلغ 3.67 مليارات درهم. وعلى الطرف الأوروبي، اتفقت بروكسل والإمارات على إطلاق مفاوضات بشأن اتفاقية تجارة حرة، من شأنها، في حال نجاحها، أن تربط الخليج بشكل أوثق بالسوق الأوروبية الموحدة، وتمنح اليقين القانوني لسلاسل القيمة المتنامية، التي تمتد عبر مسار أوروبا – الإمارات – أفريقيا.
وتزيد الشراكات الثنائية من ترسيخ هذا الاتجاه، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين فرنسا والإمارات 8.5 مليارات يورو في عام 2023، فيما وقّعت إيطاليا حزمة استراتيجية مع الإمارات بقيمة 40 مليار دولار، تشمل الطاقة وكابلات الألياف البحرية والذكاء الاصطناعي.
موانئ ومناطق ومسارات موثوقة
وتكتسب هذه الاتفاقيات أهميتها، لأنها تتكامل مع بصمة لوجستية إماراتية، باتت اليوم ذات نطاق قاري. إذ يدير أو يشرف مشغّلون إماراتيون على 13 ميناءً في ثماني دول أفريقية، بينها ستة امتيازات، وُقّعت خلال السنوات الأربع الماضية فقط.
وتشغّل «دي بي ورلد» شبكة تمتد عبر أفريقيا، من داكار إلى بربرة ودار السلام، فيما توسعت «موانئ أبوظبي» بسرعة في أنغولا والكونغو برازافيل. وتتكامل هذه الأصول مع موانئ برية ومناطق حرة صناعية، وممرات نقل تربط الإنتاج الداخلي بالمنافذ البحرية.
أما في الخليج، فتؤدي منطقة «كيزاد» المرتبطة بميناء خليفة، دوراً محورياً في المعالجة الخفيفة، وإعادة التصدير، ضمن أنظمة تفضيلية. وبالنسبة للموردين الأوروبيين والمنتجين الأفارقة، فإن النتيجة المباشرة، هي مسارات أقصر وأكثر موثوقية إلى الأسواق، حيث تجتمع الخدمات اللوجستية والتمويل تحت مظلة واحدة.
الطاقة والطموحات الرقمية
وتشكل الطاقة الركيزة الأساسية لهذا الجسر. فارتباط الإمارات بالقارة، يسير على مسارين: استمرار حضور قطاع النفط والغاز في شرقي وغربي أفريقيا، إلى جانب رهان استراتيجي أوضح على الطاقة المتجددة والجزيئات الخضراء. وتشير الدراسات المستقلة إلى أن التزامات الإمارات في مشروعات الطاقة النظيفة بأفريقيا، تجاوزت بالفعل 9 مليارات دولار، مع تعهد بضخ ما بين 4 و5 مليارات إضافية حتى عام 2030، موزعة على أكثر من 20 دولة.
وتلفت مراكز أبحاث أوروبية، إلى أن التعاون مع الإمارات في مجالات الطاقة المتجددة والشبكات الكهربائية وممرات الهيدروجين في أفريقيا، قد يكون أكثر واقعية من المنافسة، نظراً لأن التحديات الكبرى تكمن في التمويل والتنفيذ.
ومع استهداف الاتحاد الأوروبي استيراد 10 ملايين طن من الهيدروجين المتجدد بحلول 2030، تتحول الممرات الشمالية – الجنوبية، التي تربط توليد الطاقة في أفريقيا بالمعالجة الإماراتية والاستهلاك الأوروبي، من فكرة إلى مشروعات قائمة.
ولا يقتصر الجسر على الطاقة، بل يمتد إلى العالم الرقمي. إذ يصدّر «هب 71»، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، خدمات متقدمة في التكنولوجيا المالية والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.
وتُبسط هذه القدرات عبر امتياز معرض «جيتكس»، الذي توسع من دبي إلى برلين ومراكش، ليمنح منصات تلتقي فيها ابتكارات أوروبا وأفريقيا مع رأس المال الخليجي. ويحمل ذلك بعداً رمزياً لافتاً: فالإمارات لم تعد تكتفي بتسويق نفسها كبوابة، بل كأرضية محايدة، تلتقي فيها منظومات ابتكارية نادراً ما تتفاعل مباشرة.
وفي التطبيق العملي، لم يعد «الجسر» مجرد استعارة، بل نظام تشغيل متكامل. فبالنسبة للشركات الأوروبية الساعية إلى تنويع سلاسل إمدادها، وللحكومات الأفريقية الباحثة عن شركاء موثوقين، تتيح الإمارات مساراً تتوافق فيه العقود ورؤوس الأموال والممرات.
أما التحدي في السنوات المقبلة، فلن يكون إثبات نجاح النموذج، بل توسيعه، من دون التفريط في عنصر الحياد، الذي يجعل من أبوظبي شريكاً مقبولاً على طرفي الممر.
أخبار متعلقة :