مصر منبع الذهب.. رحلة المعدن النفيس من النوبة إلى الاقتصاد العالمي

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 10 سبتمبر 2025 02:46 مساءً - منذ آلاف السنين وحتى اليوم، ظل الذهب رمزًا للثروة والسلطة والمكانة الرفيعة، محتفظًا بمكانته في الاقتصاد العالمي، لكن قصة هذا المعدن النفيس تعود إلى ما قبل تشكّل الأرض نفسها.

Advertisements

أصول كونية

يؤكد العلماء أن الذهب نشأ بفعل انفجارات نجمية هائلة مثل المستعرات العظمى وتصادم النجوم النيوترونية، أي أنه في جوهره غبار نجمي تشكّل قبل نحو 13 مليار سنة، وعندما تكونت الأرض قبل 4.6 مليارات عام، استقر جزء من هذا المعدن في باطنها، فيما وصل الباقي عبر نيازك غنية بالذهب ضربت الكوكب قبل نحو 3.9 مليارات سنة.

أول اكتشافات البشر

يُرجّح أن الذهب كان أول معدن تعرف عليه الإنسان القديم، إذ وجده في الأنهار والكهوف على شكل قطع صغيرة، وبفضل لونه البراق وقابليته للتشكيل ومقاومته للتلف، أصبح مادة مفضلة لصناعة الحلي والزينة منذ أقدم العصور، وقد عُثر على أقدم قطع ذهبية مؤكدة في موقع فارنا بالبلغاريا بين 4600 و4200 قبل الميلاد.

الريادة المصرية

برزت مصر القديمة كأول حضارة جعلت الذهب صناعة كبرى، ففي عهد توت عنخ آمون (1332–1323 ق.م)، بلغ تعدين الذهب ذروته، كما تشير بردية منجم الذهب (1150 ق.م) إلى مواقع استخراج في النوبة، التي كانت آنذاك أغنى مناطق العالم بالذهب.

العملات والاقتصاد

حوالي 1500 ق.م، استخدم المصريون الذهب كأول وسيلة تبادل تجاري دولي. وبعد قرون، أصدرت مملكة ليديا أول عملات ذهبية في القرن السابع قبل الميلاد، تلتها العملات الخالصة في عهد الملك كروسوس، ليصبح الذهب أساس التجارة والنقد في العالم القديم.

يذكر أن الملك كروسوس هو آخر ملوك مملكة ليديا (تقع في غرب الأناضول – تركيا اليوم)، وقد حكم بين حوالي 595 – 546 قبل الميلاد. اشتهر في التاريخ الإغريقي بكونه واحداً من أغنى الرجال في العالم القديم، حتى صار اسمه مرادفا للثراء الفاحش، ولا تزال عبارة "غني ككروسوس" (Rich as Croesus) تُستخدم في اللغات الأوروبية.

من روما إلى غرب أفريقيا

الرومان طوّروا تقنيات متقدمة لاستخراج الذهب، فيما شكّلت إمبراطوريات غانا ومالي وسونغاي في غرب أفريقيا بين 700 و1600م أهم مصادر الذهب عالميا، وجعلت من مانسا موسى أغنى رجل في التاريخ. وفي المقابل، استغل الإسبان الذهب في غزو الأمريكتين، ما أدى إلى تدفق ضخم للذهب والفضة إلى أوروبا وتفاقم التضخم.

الذهب والملوك

ظل الذهب حليفا للملوك والتيجان عبر العصور، وأصبح منذ القرن الثامن عشر جزءا من النظام النقدي العالمي مع اعتماد المعيار الذهبي، الذي استمر حتى تخلي الولايات المتحدة عنه نهائيا عام 1971.

العصر الحديث

رغم تراجع دوره النقدي، لا يزال الذهب يحتفظ بقيمته كملاذ آمن. اليوم يُستخدم في المجوهرات والماليات والتكنولوجيا والطب وحتى استكشاف الفضاء. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي ما تم استخراجه حتى الآن يبلغ 187 ألف طن متري، فيما تبقى نحو 57 ألف طن فقط في باطن الأرض.

الحاضر والمستقبل

تتصدر الصين الإنتاج والاستهلاك العالمي، بينما تملك الولايات المتحدة أكبر احتياطي رسمي. ومع الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية، ارتفع سعر الذهب في 2025 إلى نحو3635 دولارا للأونصة، مع توقعات بمزيد من الارتفاع.

رغم أنه أقدم السلع عبر التاريخ، لا يزال الذهب معدنا يفاجئ العالم بقدرة استثنائية على الحفاظ على بريقه وقيمته.

أخبار متعلقة :