33 مليار درهم قيمة مباني الإمارات الذكية في 2030

ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 20 سبتمبر 2025 11:46 مساءً - تعد دبي وأبوظبي مدينتان ذكيتان؛ فمبانيهما لم تعد مجرد جدران تؤوي ساكنيها أو العاملين بها، بل صارت تنظم حياتهم، وتخفض استهلاكهم للطاقة، عبر أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي جعلت من المباني الذكية سوقاً ضخمة في ودبي بشكل خاص، بلغت قيمتها حسب دراسات «جراند فيو هورايزون» في العام الماضي 6 مليارات درهم، ومن المتوقع أن تصل بحلول عام 2030 إلى 33 مليار درهم.

Advertisements

وقفزت دبي من المرتبة 12 إلى المرتبة 4 عالمياً في مؤشر «IMD» للمدن الذكية، خلال سنوات قليلة، بفضل التنفيذ السريع لمشاريع البنية التحتية والخدمات، وتُظهر استثماراتها في المباني الذكية، والطاقة المتجددة، وكفاءة الموارد، قدرتها على الجمع بين التقنية ورفاهية الإنسان في معادلة متوازنة، لا تتوافر في المدن الأخرى، ويعكس ذلك أيضاً ارتفاع مؤشرات سرعة الإنترنت، وجودة الخدمات الصحية، وتبني الوثائق الإلكترونية، إضافة إلى أنظمة التنقل الذكي، التي تقلل الازدحام، وترفع كفاءة الطاقة، لتترسخ مكانة دبي نموذجاً عالمياً رائداً للمدن الذكية. وتشمل قائمة أذكى 5 مدن: زيوريخ وأوسلو وجنيف ودبي وأبوظبي.

مدينة المستقبل

وتقول أمل الشاذلي، رئيسة «شنايدر إلكتريك» في منطقة الخليج: «كانت دبي دائماً ولا تزال في قلب التكنولوجيا والرؤية المستقبلية، فحين نتأمل البنية التحتية في الإمارة سنجد أن التكنولوجيا أصبحت جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية؛ في الفنادق مثلاً، وستجدون لوحات تحكم زجاجية تعمل باللمس وأنظمة ذكية متكاملة؛ ما يجعل التجربة جزءاً من أسلوب الحياة، وهناك إرادة واضحة للاستمرار في هذه الريادة، بما يرسخ مكانتها مدينة المستقبل، وتنبع أهمية هذه الريادة من حقيقة أن قطاع المباني مسؤول عن 37 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالمياً. وفي مناخ مثل دبي، حيث يعتمد جزء كبير من استهلاك الطاقة على التبريد، يصبح التحول إلى المباني الذكية ضرورة استراتيجية لتقليل الاستهلاك، وتعزيز كفاءة الموارد».

وتضيف أمل الشاذلي: «هذه الرؤية ليست حكراً على الحكومة، بل يشارك فيها القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية، حيث تتضافر الجهود لتحقيق أهداف الإمارات الطموحة في الاستدامة وخفض الانبعاثات، وهذا التوجه يعكس إرادة جماعية بأن تكون دبي نموذجاً عالمياً في تبني الحلول الذكية، لكن الحديث عن المباني الذكية في دبي لا يقتصر على الاستدامة البيئية فقط، بل يمتد إلى رفاهية الإنسان؛ فالبحوث تشير إلى أن البشر يقضون أكثر من 70 % من وقتهم داخل المباني، ولهذا فإن البيئة الداخلية تؤثر مباشرة في صحتهم النفسية والجسدية، وقد ثبت أن توفير بيئة عمل صحية يزيد من الإنتاجية ويعزز روح الابتكار، وهو ما تضعه دبي في صميم رؤيتها، وضمن هذا السياق جاء مكتبنا الجديد في دبي «ذا نِست» نموذجاً حياً لهذه الرؤية.

المبنى يحقق وفورات تصل إلى 50 % من استهلاك الطاقة، أي ما يعادل أكثر من 700 طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يشبه زراعة 25 ألف شجرة كل عام، أما على صعيد المياه فقد حقق المبنى توفيراً يعادل أكثر من ثلاثة مسابح أولمبية، وكل ذلك بفضل التكنولوجيا المدمجة في أنظمته الذكية. دبي ليست فقط ساحة لتجربة الابتكار بل مركزاً عالمياً يدمج بين التكنولوجيا والإنسان والاستدامة، لتقود مشهد المدن الذكية على مستوى العالم».

فلسفة ذكية

أما أليكس زاغريبيلني، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «أر إيفوليوشن»، فتحدث عن حجم الاستثمارات الموجهة لتقنيات المباني الذكية في دبي، وكيف تنعكس هذه الاستثمارات على خفض التكاليف التشغيلية، وزيادة التوفير على المدى الطويل قائلاً: تشير التقديرات إلى أن سوق المباني الذكية بدبي قد يصل إلى نحو 4 مليارات دولار هذا العام، ويأتي هذا الاستثمار مدفوعاً بالمبادرات الحكومية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة وتحسين أسلوب الحياة الحضرية، من خلال التقنيات المتقدمة.

وتنتج عن هذه الاستثمارات انخفاضاً في التكاليف التشغيلية والنفقات على المدى الطويل بعدة طرق. على سبيل المثال يمكن للمباني المجهزة بالتقنيات الذكية أن تقلل من استهلاك الطاقة بنسبة تتراوح بين 20 و30 %، ما يؤدي إلى خفض فواتير الخدمات وتقليل البصمة الكربونية للمشاريع»، كما أن أنظمة المباني الذكية تسهم في تحقيق وفورات تشغيلية، تتراوح بين 15 و25 % بفضل تحسين الصيانة وكفاءة الإدارة. ويساعد إدماج الذكاء الاصطناعي في الصيانة التنبؤية على تقليل تكاليف الإصلاح بنسبة تصل إلى 30 % من خلال معالجة المشكلات قبل أن تتفاقم.

وأضاف: «وفي مبنى إيوا – شجرة الحياة، على سبيل المثال، تدير الأنظمة الذكية الهواء والماء والضوء والطاقة بطرق تقلل التكاليف بهدوء، في الوقت الذي تعزز فيه الراحة. ونحن نؤمن بأن التكنولوجيا يجب أن تخدم الحياة، وليس العكس، ومن خلال تصميم منازل بهذه الفلسفة نرى أننا نسهم في رؤية دبي لبناء مدينة أكثر صحة وذكاء».

وعن دور تقنيات المباني الذكية في إعادة تشكيل المشهد العمراني في دبي، والحجم المتوقع لسوق المباني الذكية في الإمارة خلال السنوات المقبلة قال أليكس: «تدخل دبي مرحلة جديدة، حيث لم تعد المباني مجرد تحف معمارية لافتة للنظر، بل أصبحت ذكية في طريقة عملها، وتسهم في تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة، وتحسين راحة السكان، وتسهيل أنظمة الإدارة المتكاملة.

وتشمل هذه التقنيات أجهزة إنترنت الأشياء، وأنظمة إدارة المباني المتطورة، والحلول الذكية للطاقة، والتي تسهم مجتمعة في تحقيق أهداف الاستدامة ورفع الكفاءة التشغيلية، حيث تسمح تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء للمباني بالانتقال من التصميم الثابت إلى الأنظمة الحيّة المتكاملة، فهي تساعد على إدارة الطاقة بشكل أكثر ذكاء، ما يقلل من الهدر مع الحفاظ على مستوى الراحة، لكن القيمة الحقيقية تكمن في تحسين تجربة الحياة اليومية للسكان وتحسين استهلاك الطاقة، من خلال تحليل الأنماط وضبط الأنظمة مثل التكييف والإضاءة والأجهزة المنزلية لتقليل الهدر. على سبيل المثال يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بمواعيد تبريد أو تدفئة المساحات بناء على معدل الإشغال، وهو أمر بالغ الأهمية في مناخ دبي».

منظومات متصلة

ويرى رشيد حميدة، نائب الرئيس للطاقة والتكنولوجيا «لدى إنوڤا» أن تقنيات المباني الذكية تحول المباني من منشآت تعمل بشكل منفصل إلى منظومات متصلة قادرة على خفض استهلاك الطاقة وتحسين تجربة المستخدم، وتمكين صيغ تشغيلية جديدة (مثل العقود القائمة على الأداء)، مضيفاً: «وتشير دراسات «جراند فيو هورايزون» إلى أن قيمة سوق المباني الذكية في الإمارات قد بلغت نحو 6 مليارات درهم في العام الماضي، ومن المتوقع أن تنمو إلى نحو 33 مليار درهم بحلول عام 2030، أي بمعدل نمو سنوي يتراوح بين 31 و33 %، كما تسهم تقنيات المباني الذكية في خفض استهلاك التبريد، وهو أمر مهم للغاية، إذ يذهب نحو 65 إلى 70 % من استهلاك الطاقة في المباني للتبريد، لذلك فإن تحسين إدارة التبريد يحسن كفاءة استهلاك الطاقة، وتستفيد حلول «إنوڤا» من الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بحاجات التبريد عبر تحليل عوامل عديدة، مثل توقعات الطقس ووجود الأشخاص بالمبنى، ما يتيح تبريد المكان بكفاءة أعلى وكلفة أقل، كما تسهم حلول المراقبة والتحكم المركزية في رفع كفاءة استهلاك الطاقة، كما تساعد تقنيات المباني الذكية على تحسين تجربة السكن، وذلك عبر ضبط التهوية والتكييف وجودة الهواء الداخلي وإدارة الإضاءة بناء على حضور السكان؛ ما يسهم في خفض عدد الشكاوى، والارتقاء براحة السكان، وتعزيز كفاءة تشغيل المنشآت».

ويضيف: «هناك مجموعة من الابتكارات التقنية، التي أعادت رسم معالم المباني الذكية، منها منصات المراقبة والإدارة المركزية مثل منصة «هبغريد»، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطلب على التبريد وإدارة نظم التدفئة والتهوية والتكييف بذكاء، أما التقنية الأبرز في هذا المجال فتتمثل في التوأم الرقمي والأتمتة، حيث يتم إنشاء نسخة افتراضية لأنظمة المباني، مما يتيح إجراء تحليلات آنية وتحسين أداء كفاءة الطاقة والتنبؤ به، وذلك لضمان تحقيق كفاءة لا مثيل لها ووفورات في تكاليف المنشآت».

راحة مثلى بتكلفة أقل

أما أبرار خازي، مدير تطوير الأعمال في مجموعة «خازي» لدى شركة «يورو سيستمز»، فقال: «أسهم اعتماد الزجاج المعماري عالي الأداء، وأنظمة التظليل الآلي، وأنظمة إدارة المباني الذكية في دبي في خفض تكاليف التشغيل بنسبة تصل إلى 20 %، وتحقيق وفورات طويلة الأمد تتراوح بين 25 و30 %». على سبيل المثال يسهم الزجاج المعماري عالي الأداء في تقليل استهلاك الطاقة عبر خفض أحمال التبريد، ما يولّد وفورات مالية ملموسة بمضيّ الوقت.

وتدعم هذه الاستثمارات أهداف دبي البيئية، كما تعزز من قيمة العقارات وتجربة السكان؛ ما يجعل تقنيات المباني الذكية خياراً استراتيجياً للمطورين والمستثمرين، حيث تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء للمباني العمل بكفاءة أكبر مع تعزيز جودة الحياة ورفاهية السكان، ففي أنظمة التظليل الآلي والواجهات الديناميكية والزجاج الذكي تعتمد هذه الحلول على أجهزة استشعار ذكية تضبط الإضاءة والتكييف والتظليل في الوقت الفعلي، ما يقلل استهلاك الطاقة مع الحفاظ على مستويات الراحة المثلى للسكان، كما يسمح التكامل مع منصات مثل «آبل هوم كيت» و«جوجل هوم» و«أمازون أليكسا» بالتحكم السلس في المباني، فعلى سبيل المثال يمكن ضبط الستائر والتظليل تلقائياً بناء على شدة أشعة الشمس، ما يقلل من أحمال التبريد وتكاليف الطاقة.

وفي الوقت نفسه تضمن أنظمة الإضاءة والتكييف الذكية توفير بيئة مريحة بشكل مستمر. وبشكل عام، تعزز هذه التقنيات الاستدامة والراحة وجودة الحياة في المجتمعات الحضرية ما يجعل تقنيات المباني الذكية خياراً استراتيجياً للمطورين والمستثمرين.

تجارب يومية

من ناحية أخرى نستعرض حياة شخصيات عاشت في مبانٍ ذكية في دبي، حيث لم تعد البيوت والجدران مجرد أماكن للسكن، بل تحولت إلى أنظمة حيّة تتفاعل مع ساكنيها. هذه التجارب اليومية تكشف كيف غيّرت التكنولوجيا تفاصيل الحياة، من راحة الأفراد إلى صحة العائلات، وصولاً إلى كفاءة الأعمال.

تعيش سارة محمود – على حد قولها – حياة مثالية، فكل صباح تُفتح الستائر تلقائياً مع أشعة الشمس، ولا تقلق بشأن نسيان إطفاء الأجهزة أو الإضاءة؛ فالمنزل يقوم بذلك تلقائياً. تقول سارة: «حياتي أصبحت أكثر هدوءاً، أركز على عملي وحياتي الشخصية وصحتي التي لاحظت تحسنها بشكل كبير، وذلك بسبب قناعتي بتغيّر أسلوب حياتي».

أما خالد الطنيجي فينتقل يومياً من منزله إلى مكتبه الكائن في مبنى ذكي؛ حيث يضبط المكتب التبريد تلقائياً بناء على عدد الموظفين، ويحلّل أنماط استهلاك الطاقة لتقليل الهدر. يقول خالد: «هذا ينعكس على شركتي بشكل عام، وعلى إنتاجية الموظفين، الذين أصبحوا أكثر راحة وإنتاجية. وبالنسبة له فإن المباني الذكية لم تعد رفاهية بل أصبحت جزءاً من خطته لتقليل التكاليف وزيادة الأرباح».

وفي المدينة المستدامة وجدت مها صلاح بيئة مختلفة تماماً لأطفالها: هواء أنقى، وطاقة نظيفة مُنتَجة من الألواح الشمسية، وبيئة متكاملة من الخدمات والمرافق السكنية الخضراء. تقول مها: «أطفالي يلعبون في بيئة صحية، وأنا مطمئنة أن بيتي يشارك في حماية المستقبل، فالتأثير لم يكن فقط مالياً أو بيئياً، بل نفسياً وصحياً، حيث قلّت مشاكل الحساسية والتنفس لدى الأطفال». وتضيف: «نحن نعيش في منظومات حيّة ترافق السكان في تفاصيل يومهم، وتختصر معادلة دبي، التي تقوم على التكنولوجيا والاستدامة والإنسانية، والتي تخلق بدورها مدينة ذكية عالمية».

5.2 تريليونات دولار

بلغت مبيعات المدن الذكية عالمياً نحو 998.7 مليار دولار في عام 2022، مع توقعات بأن تتجاوز 5.2 تريليونات دولار بحلول عام 2030، وفقاً لـ«عالم رقمي وستاتيستا»، ويُعزى هذا النمو إلى تزايد تبني تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لتحسين الخدمات العامة، وتعزيز الاستدامة، فضلاً عن الدعم الحكومي لهذه المبادرات.

أخبار متعلقة :