ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 22 سبتمبر 2025 12:06 صباحاً - أحمد صديق وسامح الليثي
عندما ترى مركبة تسير في الطرقات من دون سائق، قد يتبادر إلى ذهنك أن هذا المشهد جزء من فيلم للخيال العلمي، ولن تدرك أن هذا قد يكون حال مستقبل التنقل. وبما أن حكومة الإمارات تقوم دائماً باستشراف المستقبل، فإنها نجحت في تحويل هذا الخيال إلى واقع، حيث سبقت غيرها من الدول في جعل كل شيء ذكياً، بدءاً من تخليص المعاملات الحكومية، مروراً بخدمات قطاع السياحة والسفر، وحتى قطاع التجزئة، وانتهاءً بقطاع التنقل الذي يتهيأ لأن يكون ذكياً بالكامل.
وتعدّ المركبات ذاتية القيادة بمثابة «روبوت كبير»، لكن على شكل مركبة، يستطيع أن يدرك كل ما هو محيط به من إحداثيات وطرق ونقاط، وحتى الظروف المناخية، ثم يقوم بتحليلها، وبناءً عليه يتخذ القرارات المناسبة بسرعة ودقة لا تحتمل حتى أي نسبة من الخطأ، بل تكون صحيحة 100 %. وتتكرر هذه العملية كل ثانية، وتستمر كل رحلة تقوم بها المركبة على مدار اليوم.
باختصار يمكن قول إن المركبة ذاتية القيادة ليست مجرد سيارة بحساسات أو مستشعرات، بل هي نظام معقد للغاية يعتمد بشكل أساسي على تقنيات الذكاء الاصطناعي في أحدث تطبيقاتها وخوارزمياتها، استناداً إلى كمية ضخمة للغاية من البيانات، تكون مرتبطة بشكل أساسي بالحوسبة السحابية.
وإذا حللنا الهدف من انتشار هذا النوع من السيارات نجده مرتبطاً بشكل أساسي بزيادة السلامة على الطرقات، باعتبار أن نسبة الخطأ تكون منعدمة، كما تهدف إلى تحسين جودة الحياة بشكل كبير، كذلك تحد من مشكلة الازدحام المروري. لكن تحقيق كل ذلك يتطلب خارطة طريق، تشمل تشريعات مناسبة، وبنية تحتية متقدمة للغاية، وقدراً كبيراً من التكنولوجيا المتطورة، وكلها عوامل متوفرة في دولة الإمارات.
تعد إمارتا دبي وأبوظبي، على وجه الخصوص، نموذجاً متقدماً في تبني هذا النوع من المركبات أو وسائل التنقل الذكي، وبدأت الجهود فيه منذ ما يقرب من 10 سنوات حتى أثمر بالفعل وباتت هذه المركبات موجودة بالفعل في طرق دبي وأبوظبي، إلا أن العام المقبل سوف يشهد انتشاراً أكبر بكثير عما هو عليه الآن. وأكد خبراء في قطاع النقل على العديد من ثمار التوجه نحو التنقل ذاتي القيادة، ومنها: تعزيز مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للابتكار وتكنولوجيا المستقبل، وتحسين السلامة المرورية، حيث تتخلص المركبات ذاتية القيادة من عنصر الخطأ البشري المسؤول عن الغالبية العظمى من الحوادث. ومن ثماره أيضاً رفع كفاءة قطاع النقل من خلال استغلال أفضل للطرق وتقليل الازدحام عبر التواصل بين المركبات والبنية التحتية. كذلك من ثماره تحسين تجربة المستخدم عبر توفير وقت الركاب واستغلاله في العمل أو الترفيه أثناء التنقل. وأيضاً دعم الاستدامة، حيث من المتوقع أن تكون معظم هذه المركبات كهربائية، مما يدعم استراتيجية دبي للطاقة النظيفة.
دبي سباقة
وتعد دبي من المدن التي سبقت غيرها في مجال السيارات ذاتية القيادة. فإذا كان القطاع الخاص في عدد من الدول يسبق الحكومات في وضع تصورات لما سيكون عليه المستقبل، فإن حكومة دبي دائماً ما تسبق القطاع الخاص بخطوات في مختلف قطاعات الاقتصاد. ويعد مترو دبي اليوم هو واحد من أكبر أنظمة النقل العام ذاتية القيادة في العالم.
وتشير الدراسات العالمية إلى أن مزايا التنقل الذاتي يمكن أن تكون ضخمة تتراوح بين مزايا سلامة الطرق السريعة إلى انخفاض تكاليف مواقف المركبات، وانخفاض تكاليف التنقل، والفوائد البيئية، وتحسين الإنتاجية، وتحسين نوعية الحياة وسعادة المواطن. وفي دبي، تشير التقديرات إلى أن هذه المزايا يمكن أن توفر 22 مليار درهم خلال عام.
وقد أولت هيئة الطرق والمواصلات في دبي اهتماماً كبيراً بتطوير وتشجيع انتشار تقنيات التنقل المستقبلية، وعلى رأسها المركبات ذاتية القيادة. وبدأت هذه الرؤية الاستشرافية في عام 2016 من خلال إطلاق استراتيجية دبي للتنقل ذاتي القيادة، لتدخل الإمارة بعدها في سلسلة من التجارب التطبيقية، كان أبرزها الإعلان عن التشغيل التجريبي لأول مركبة أجرة ذاتية القيادة خلال معرض «جيتكس» في 2018. وتندرج هذه الجهود ضمن استراتيجية دبي للتنقل الذكي والتي تهدف إلى تحويل 25 % من إجمالي الرحلات في دبي إلى رحلات ذاتية القيادة بحلول 2030. ووضعت الهيئة خطة طموحة، حيث يتوقع أن تحقق هذه الاستراتيجية فوائد اقتصادية هائلة تقدر بـ 22 مليار درهم، وتوفر فرصاً للوقت تصل قيمتها إلى مليار درهم سنوياً.
وتتبنى الهيئة استراتيجية واضحة تقوم على عدة ركائز أساسية منها: تطوير البنية التحتية من حيث تكييف الطرق والأنفاق والمواقف لتكون متوافقة مع متطلبات عمل السيارات ذاتية القيادة. كما ترتكز استراتيجية الهيئة على إصدار تشريعات وقوانين مرنة وآمنة تنظم عمل هذه المركبات وتضمن سلامة المستخدمين. كذلك ترتكز على التعاون مع أبرز الشركات العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا وتصنيع السيارات. وتحرص الهيئة على إنشاء بيئات آمنة ومختبرات حية لاختبار هذه المركبات قبل نشرها على نطاق واسع.شراكات عالمية ومشاريع
وتبرز 4 مشاريع استراتيجية تشكل الدعامة الأساسية لخطة دبي في مجال النقل الذكي وهي: المركبات ذاتية القيادة، والحافلات ذاتية القيادة، والعبرة ذاتية القيادة، والتاكسي الجوي، حيث أحرزت دبي تقدماً كبيراً في الاستعداد لتشغيلها تجارياً، من خلال اعتمادها مجموعة من الممكنات التقنية والتشغيلية، أبرزها تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة وإجراء التجارب والاختبارات.
وقد أبرمت الهيئة عدداً من الاتفاقيات مع شركات عالمية منها: شركة «كروز» لتشغيل سيارات أجرة ذاتية القيادة (روبو - تاكسي). وقد بدأت المرحلة التجريبية في جزيرة نخلة جميرا، وتهدف إلى نشر 4000 مركبة ذاتية القيادة بحلول 2030.
وفي 2024، شهدت دبي توسعاً ملحوظاً في عمليات تشغيل المركبات ذاتية القيادة، حيث جرى مضاعفة عدد المركبات وتوسيع نطاق التجارب لتشمل مناطق جديدة داخل الإمارة، ما مثل خطوة مهمة نحو الوصول إلى مرحلة التشغيل التجاري المنتظر انطلاقه في 2026.
وقد حرصت دبي على التعاون مع كبرى الشركات العالمية التي لها خبرات متقدمة في مجال التنقل الذكي، ومنها «إي أم أكس»، الذراع اللوجستية لمجموعة «سفن إكس»، حيث بدأت منذ فترة المرحلة التجريبية لتشغيل سيارة «زد 5» الكهربائية ذاتية القيادة، من المستوى الرابع، في خطوة نوعية تسهم في إعادة رسم ملامح قطاع التوصيل في المنطقة عبر توظيف أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والتنقل الذكي. وقد تم عرض هذه السيارة خلال مؤتمر الاتحاد البريدي العالمي الذي استضافته دبي. وتقوم هذه السيارة بنقل البضائع والخدمات اللوجستية، وذلك تحت إشراف الجهات المختصة في دبي وأبوظبي. وبعد الانتهاء من المراحل التجريبية سيتم استخدام نحو 10 سيارات من هذا النوع لتسير في دبي وأبوظبي.
برنامج تدريبي
كما وقعت الهيئة مذكرة تفاهم مع «بوني آي» المتخصصة في مجال تكنولوجيا القيادة الذاتية، لقيادة البرنامج التجريبي في الإمارة. وقامت «بوني آي»، التي طورت مركباتها ذاتية القيادة من الجيل السابع بالتعاون مع عمالقة صناعة السيارات منها: «تويوتا» و«بايك» و«جي أيه سي»، أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة ومجموعة أجهزة استشعار قوية تضم أجهزة الليدار والرادارات والكاميرات، لضمان الملاحة الآمنة والدقيقة في ظل ظروف الطرق والطقس المتنوعة.
كذلك وقعت الهيئة مذكرة تفاهم مع «بايدو أبولو جو» المتخصصة في توفير حلول التنقل ذاتي القيادة، لتشغيل مركبات أجرة ذاتية القيادة على نطاق واسع في الإمارة، حيث ستقوم الشركة بالتشغيل التجريبي لـ50 مركبة ذاتية القيادة، تمهيداً للتشغيل الرسمي، وإطلاق الخدمة للجمهور العام المقبل. ومن المقرر أن تقوم «بايدو أبولو جو» بتشغيل الجيل السادس من مركبات الأجرة ذاتية القيادة المصمم خصيصاً لخدمات التنقل ذاتي القيادة والمزود بأكثر من 40 مستشعراً وحساسات، لضمان أعلى مستوى من الأتمتة والسلامة، وهو النموذج الذي حقق نجاحاً كبيراً وإشادة من قبل المستخدمين في الصين، وستبدأ مرحلة تجميع البيانات والتجارب بعدد 50 مركبة خلال الأشهر المقبلة، وترتفع تدريجياً إلى 1000 مركبة أجرة ذاتية القيادة خلال 3 سنوات.
كذلك بدأت الهيئة تشغيلاً تجريبياً لحافلة ذاتية القيادة في شوارع دبي وتحديداً في منطقة الجداف، وجرى تنفيذ مجموعة من الاختبارات الفنية للتحقق من كفاءة الأنظمة وسلامة التشغيل، تمهيداً لإطلاق الخدمة رسمياً لخدمة الركاب مستقبلاً. وأظهرت نتائج التشغيل الأولي للحافلة جاهزية متقدمة للأنظمة الذكية لتشغيلها بدون سائق ضمن مسارات محددة، ما يتيح تسريع تشغيلها لنقل الركاب وتحديداً في المسارات المخصصة للحافلات وسيارات الأجرة، والتي تسعى الهيئة إلى زيادتها إلى 20 كيلومتراً مع نهاية 2026. كذلك وقعت الهيئة اتفاقات تعاون مع «أوبر تكنولوجيز» و«وي رايد» الرائدة في حلول النقل الذكي، لإطلاق مرحلة تجريبية ستدمج لاحقاً ضمن خدمات منصة «أوبر» في دبي، حيث من المقرر أن تتضمن المرحلة الأولى وجود مشغل أمان، تمهيداً لتقديم الخدمة التجارية الكاملة دون سائق بحلول 2026.
خطوات واسعة
كذلك تخطو أبوظبي خطوات واسعة نحو تحقيق رؤيتها لمنظومة نقل أكثر ذكاءً وأماناً وتعزيز مكانتها باعتبارها من أوائل المدن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشغل مركبات ذاتية القيادة تجارياً، كما تعد نموذجاً رائداً لمدن المنطقة التي تسعى إلى تحقيق التنمية الحضرية الذكية.
ووفق بيانات حديثة لمركز النقل المتكامل التابع لدائرة البلديات والنقل في أبوظبي، باتت خدمات مركبات الأجرة ذاتية القيادة تغطي نصف المناطق الرئيسية في أبوظبي وتبلغ المركبات العاملة بأسطول خدمات النقل المتكامل بالإمارة 44 سيارة تغطي 5 مناطق رئيسية هى: جزيرة السعديات، وجزيرة ياس، وجزيرة الريم، وجزيرة الماريا، إلى جانب شبكة طرق مطار زايد الدولي.
وتعمل الإمارة على توسيع نطاق تشغيل المركبات ذاتية القيادة في مناطق ذات كثافة عالية لتوفير تجربة تنقل أكثر أماناً وكفاءة، ما يتماشى مع استراتيجية أبوظبي للنقل الذكي التي تسعى لتوفير حلول نقل مستدامة مستهدفة أن تتم 25 % من رحلات النقل في سوقها عن طريق المركبات ذاتية القيادة بحلول 2040 ومن خلال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي وحلول التنقل المستدام في القطاعات الحيوية ما يوفر تغطية أوسع ويعزز فاعلية منظومة التنقل الذكي في الإمارة.
وتشهد رؤية تعزيز المركبات ذاتية القيادة في الإمارة تعاوناً موسعاً مع عدد من رواد المشغلين ومزودي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتوفير تجربة تنقل أكثر أماناً وكفاءة ما يتماشى مع استراتيجية أبوظبي للنقل الذكي التي تسعى لتوفير حلول نقل مستدامة ومبتكرة وتضم الشركات المشغلة للخدمة كلاً من «سيببس 42» و«وي رايد» المتخصصة في تقنيات القيادة الذاتية، مع إدراج الرحلات عبر منصة «أوبر» وشركة «تواصل للمواصلات» كمشغلين محليين لخدمات حجز الرحلات.
وقال هشام الصحن، مدير عام «إنتر إيميرتس موتورز»، إن الإمارات تمتلك نظام حوكمة مرناً وسريعاً في اتخاذ القرار، مدعوماً برؤية واضحة من قيادتها الرشيدة، مشيراً إلى عدد من المبادرات المهمة مثل «استراتيجية دبي للتنقل الذكي 2030» والتي تضع الابتكار والتكنولوجيا في صميم التخطيط المستقبلي. وأكد أن الإمارات تعد من بين الدول الأكثر اتصالاً بالعالم، موضحاً في هذا الصدد أن انتشار شبكات الجيل الخامس فائقة السرعة يعد عصب أي نظام نقل ذاتي، حيث يتطلب تبادل البيانات بين المركبات والبنية التحتية في الوقت الفعلي أو كما يقال «لحظياً». وأشار إلى أنه تم إنشاء مناطق مغلقة وآمنة لمحاكاة سيناريوهات القيادة الواقعية. وأشار إلى أن هيئة الطرق والمواصلات في دبي تعد هي الأكثر نشاطاً في مجال القيادة الذاتية، حيث أطلقت استراتيجية واضحة تهدف إلى تحويل 25 % من إجمالي الرحلات في دبي إلى رحلات ذاتية القيادة بحلول 2030. كذلك هناك دائرة النقل في أبوظبي والتي تركز أيضاً على جعل الإمارة مركزاً للتقنيات اللوجستية والنقل الذاتي.
وقال إنه بحلول عام 2030، من المتوقع أن تصبح المركبات ذاتية القيادة من المستوى الرابع مشهداً مألوفاً في الطرق الرئيسية بالإمارات. وقال إن سوق السيارات الذكية في الإمارات قُدر بحوالي 11 مليار درهم في عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 12 و15 % حتى عام 2030 بحيث يتوقع أن يصل إلى 18.5 مليار درهم. ويعد هذا النمو أسرع بكثير من متوسط سوق السيارات العالمي، مما يبرز دور الإمارات كدولة رائدة في تبني تقنيات التنقل الذكي.
وأوضح أنه يمكن تقسيم سوق السيارات الذكية إلى قطاعات تكنولوجية أساسية وهي: السيارات المتصلة، وهو القطاع الأكبر ويعد أكثر نضجاً، حيث إن الغالبية العظمى من السيارات الجديدة، سواء كانت متوسطة أو فاخرة، هي سيارات متصلة. وأشار إلى أن أكثر من 80 % من السيارات الجديدة المبيعة في فئتي السيارات الفاخرة والممتازة مزودة بتقنيات اتصال مدمجة تشمل الملاحة الفورية، والتحديثات اللاسلكية، والتحكم عن بعد عبر تطبيقات الهواتف الذكية. وقال الدكتور أندرياس سكاف، مدير مجموعة البطحاء للسيارات، إن سوق السيارات الذكية في الإمارات يعد قطاعاً ديناميكياً وسريع النمو، حيث تشهد الدولة تحولاً جذرياً في قطاع النقل، كما تأتي في طليعة الدول المعتمدة للسيارات الذكية والمتصلة. وأكد أن هذا التحول يدفعه رؤية طموحة للحكومة، واقتصاد مزدهر، وبنية تحتية متطورة، ومجتمع يتقبل التكنولوجيا الحديثة.
وأضاف أن سوق السيارات الذكية يعد من أسرع القطاعات نمواً في المنطقة. وقال: في دولة الإمارات، حيث الطموح لا يعرف حدوداً، أصبحت هذه التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من مشروع التحول الوطني نحو مدن أكثر ذكاءً واستدامة.
وأشار إلى التطور التكنولوجي المذهل واستثمارات الشركات المصنعة في مجال التنقل الذكي، حيث تتنافس شركات السيارات العالمية، في هذا القطاع الواعد وتستثمر بشكل كبير في البحث والتطوير محلياً، وتقوم باختبار تقنياتها على طرقات الإمارات.
أهداف طموحة
وتوقعت «جنرال موتورز أفريقيا والشرق الأوسط» أن تصل قيمة سوق خدمات التنقل المتصل على الصعيد الدولي إلى أكثر من 40 مليار دولار في عام 2030، وفي ظل تسريع المنطقة لمسيرتها نحو تحقيق الأهداف الطموحة، سوف تبقى المركبات المتصلة في موقع المقدمة ضمن عملية إعادة رسم المشهد العام للحياة الحضرية.
من جهته، قال فيناي سورانا، المدير الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وأفريقيا في «أليانز بارتنرز»: عندما ننظر إلى الجهود التي تقوم بها الإمارات نجد أنها تقف على أعتاب حقبة جديدة من التنقل الذكي، مع التركيز على السيارات ذاتية القيادة التي تعد جزءاً أساسياً من استراتيجياتها الطموحة لتحقيق التنقل المستدام.
وأشار إلى أن تقنيات القيادة الذاتية، على الرغم من قدرتها على تقليل الحوادث بنسبة تصل إلى 80 % بحلول 2040، تفتح المجال لنوع جديد من المطالبات التأمينية التي تشمل الأعطال التقنية وفشل البنية التحتية المتصلة، مشيراً إلى أن التحدي الأكبر هنا هو تحديد المسؤولية في حالة وقوع حادث، حيث سيكون هناك 3 جهات رئيسية يمكن أن تقع عليها المسؤولية: أولاً، مالك السيارة فقد يتحمل المسؤولية إذا كان يقودها في الوضع اليدوي وتسببت أفعاله في وقوع الحادث. وثانياً، الشركة المصنعة قد تكون مسؤولة في حال كان الخلل أو العطل في برنامج السيارة أو أجهزة الاستشعار قد تسبب في وقوع الحادث، وبالتالي هذا يقع ضمن مسؤولية المنتج. وثالثاً: مزود البنية الأساسية والذي قد يكون مسؤولاً إذا كان الحادث ناتجاً عن بيانات أو تفسيرات خاطئة من أجهزة استشعار البنية الأساسية المتصلة بالشبكة التي أدت إلى تضليل نظام الذكاء الاصطناعي للسيارة.
ولإلقاء الضوء على هذه النقطة تحديداً والتي أثارها فيناي سورانا، بدأت شركات تأمين محلية في دراسات مبكرة بشأن مدى إمكانية إطلاق وثائق تأمينية تغطي المركبات ذاتية القيادة في وقت يترقب سوق التأمين بشكل عام، وفق مسؤولين بالقطاع، إرساء نظام محلي متكامل لتسيير المركبات الذكية ذاتية القيادة في الدولة يوفر رؤية شاملة أمام شركات التأمين قبل التوسع في إطلاق برامج ووئاثق تأمينية خاصة لتلك النوعية من المركبات تواكب رؤية الدولة المتسارعة في التحول نحو التنقل الذكي.
وأكد مسؤولو القطاع لـ«حال الخليج» أهمية وجود الكثير من الاشتراطات التنظيمية للمركبات ذاتية القيادة تفرض مواصفات السيارات ومسؤوليات مزوديها واشتراطات ترخيصها وتسييرها وترخيصها ومسؤوليات التملك والقوانين المرتبطة بما يوسع انفتاح السوق المحلي بما فيها شركات التأمين على تلك النوعية من المركبات.
وفيما أوضح بعضهم وجود عوامل تدعم الدراسة الفنية لشركات التأمين، كوجود خاصية القيادة الذاتية في بعض السيارات الكهربائية المؤمنة فعلياً في السوق المحلي، حددوا شروط التسعير التي قد تتحكم في وثائق المركبات الذكية تتضمن مجموعة من العوامل التقنية والأمن السيبراني وتقنيات الاستشعار والتعامل مع الطرق وعوامل التدخل البشري إلى جانب خدمات الإصلاح والصيانة.
وبدأت الإمارات منذ سنوات في صياغة رؤية مستقبلية للتوسع في قطاع السيارات ذاتية القيادة، سواء بتنظيم دخولها للسوق عبر قوانين وأنظمة اتحادية خاصة بالمواصفات والمعايير المطلوبة لتسجيل المركبات لازالت تحت الدراسة والإعداد أو من خلال مبادرات تشريعات محلية في كل من دبي وأبوظبي تسمح بالتطبيق التدريجي للمركبات الذكية، بدءاً من قطاع النقل العام، وصولاً إلى المركبات الشخصية، مع بدء منح تراخيص لبعض الجهات لتشغيل تلك النوعية من المركبات أو منح تراخيص الاستعمال والقيادة بما سيفرض في المقابل على القطاعات المرتبطة بالسيارات كقطاع التأمين مستقبلاً ضرورة التعامل مع تلك المتغيرات.
تصور شامل
وقال محمد مظهر حمادة، نائب رئيس اللجنة الفنية العليا ورئيس لجنة السيارات في «اتحاد الإمارات للتأمين»، إن تعامل شركات التأمين مع السيارات ذكية القيادة يحتاج الكثير من الوقت، حيث لا يزال السوق يترقب وضع تصور شامل يوضح كل النقاط المتعلقة بتواجد السيارات ذاتية القيادة واشتراطات تسييرها في الدولة ومعايير الأمان ومسؤوليات الشركات المزودة لها ومسؤوليات المالكين والقوانين المرتبطة بتراخيص المركبات والخدمات المتعلقة بالسيارات قبل أن تبدأ شركات التأمين في صياغة برامج فعلية وتوفير وثائق تأمينية لها على غرار السيارات الاعتيادية، مضيفاً أن تطور السوق أمر طبيعي، إلا أنه يقتضي ضرورة توفر الكثير من الأمور التنظيمية من الجهات الحكومية وبالتنسيق مع مزودين الخدمات المحليين.
من جهته، أوضح المدير التنفيذي لشركة «أي سند للتأمين»، أنس مستريحي، أن توجه شركات التأمين نحو قطاع السيارات الذكية ومركبات المستقبل آت لا محالة مع التطور الواضح في قطاع السيارات بالإمارات ومبادرات التنقل الذكي التي تبنتها الدولة والتي تهدف لزيادة تحول قطاع النقل والسيارات محلياً، مشيراً إلى أن متطلبات السوق ستفرض نفسها على القطاع بما يقلل من تحفظ مزودي الوثائق مع زيادة تواجد العامل الأساسي لتقييم منح الوثائق لدى الشركات هو الخبرة الكافية لشركات التأمين بالمركبات المؤمنة. وأضاف أن التنقل الذاتي فعلياً مغطى بشكل جزئي من خلال الوثائق الممنوحة للسيارات الكهربائية المدمج بها خاصية القيادة الذاتية ومنها بعض موديلات «تسلا»، حيث لا يوجد قيود في الوثائق المؤمنة لها حول استخدام الخاصية بل تعامل تأميني على صعيد الحوادث، مثل الحوادث الناتجة عن السائق البشري، وهو ما قد يمثل أرضية مناسبة لشركات التأمين في رؤيتها نحو الدخول لقطاع السيارات الذكية.
وأوضح أن السيارات ذاتية القيادة رغم تخوف السوق الحالي تعتبر منتجاً مثالياً لشركات التأمين مع نسبة المخاطرة التي تكاد تكون شبه معدومة، وبالتالي تقليص حجم التعويضات وزيادة ربحية الشركات، فيما لفت إلى أن السوق المحلي يعد الأسرع والأكثر جاهزية للتوسع نحو المركبات ذاتية القيادة، وبالتالي يجب على الشركات استباق ذلك في صياغة رؤيتها نحو تلك النوعية من المركبات.
منتجات تأمينية
بدوره، قال الرئيس التنفيذي لشركة «خدمات التأمين غير المحدودة»، جهاد فيتروني، إنه رغم أن الطرح لم يتم على نطاق واسع بعد، إلا أن بعض الشركات بدأت بالفعل في دراسة وتطوير منتجات تأمينية تلائم هذا النوع من المركبات، بدعم من التوجه الحكومي نحو المدن الذكية والنقل المستدام وهو ما قد يسرع طرح وثائق مخصصة للمركبات الذكية وذاتية القيادة في المستقبل القريب، خصوصاً مع تزايد اعتماد هذه التكنولوجيا في الإمارات، وبدء الجهات التنظيمية بدراسة الأطر القانونية ذات الصلة. وأردف قائلاً: إنه فنياً قد يتم تسعير التأمين لتلك المركبات بناءً على مجموعة من العوامل التقنية، منها مستوى الأتمتة في السيارة، وكفاءة أنظمة الاستشعار والسلامة، وإمكانية تتبع البيانات، واحتمالية تدخل السائق في التحكم بالمركبة كما تؤخذ في الاعتبار المخاطر السيبرانية المحتملة، وتكلفة إصلاح الأجزاء التقنية المتقدمة، بالإضافة إلى مدى توافر بيانات تاريخية عن الحوادث أو الأعطال.
كيف تعمل المركبات ذاتية القيادة؟
يمكن تقسيم آلية عمل المركبات ذاتية القيادة إلى 4 خطوات رئيسة متكررة ومستمرة:
1 الإدراك:
هي أول مرحلة في عمل المركبة، وتختص بجمع البيانات عن البيئة المحيطة بالمركبة وتعتمد على مجموعة معقدة من أجهزة الاستشعار لرؤية العالم كما نراه نحن تماماً، بل وأفضل في كثير من الأحيان. وتستخدم المركبة عدداً من الأجهزة المهمة للحصول على أكبر قدر من الإدراك للبيئة المحيطة، وهي:
• الليدار: وهو جهاز يدور على سطح المركبة ويرسل آلاف النبضات من أشعة الليزر في الثانية، حيث يقيس الوقت الذي تستغرقه كل نبضة للعودة بعد ارتطامها بالأجسام. ومهمة الليدار خلق سحابة نقطية ثلاثية الأبعاد عالية الدقة للبيئة المحيطة، بحيث يمكن التمييز بشكل ممتاز بين حواف الأجسام ومسافاتها، كما يقوم بعملية تشبيه مثل التي يقوم بها الخفاش الذي يرى العالم باستخدام الموجات الصوتية، حيث يقوم الجهاز برسم شكل للجسم الذي ترتطم به النبضات أو الأشعة.
• الرادار: يرسل موجات راديو وينتظر ارتدادها وبعدها يقيس بدقة سرعة ومسافة الأجسام المتحركة، مثل السيارات الأخرى، ويعمل بشكل جيد في الظروف الجوية السيئة مثل المطر والضباب.
• الكاميرات: عادة ما تكون هناك مجموعة من الكاميرات ذات زوايا رؤية مختلفة (واسعة، عادية، مقربة)، ومهمتها تزويد النظام بمعلومات بصرية غنية مثل ألوان الإشارات الضوئية، وقراءة لافتات الطريق، وتمييز المشاة والدراجات. أي أنها بمثابة العين التي ترى التفاصيل والنصوص.
• مستشعرات الموجات فوق الصوتية: وهي تشبه تلك المستخدمة في مساعد الركن، ومهمتها أن تكشف الأجسام القريبة جداً من السيارة، وتكون مفيدة جداً أثناء الركن والقيادة بسرعات منخفضة.
• نظام التموضع العالمي والملاحة بالقصور الذاتي: ومهمته أن يحدد موقع السيارة على الخريطة ويسجل حركتها وتسارعها وانعطافها بدقة عالية حتى في الأنفاق، حيث يتعذر الوصول إلى إشارة برامج الملاحة.
2 الفهم والتمثيل:
يمكننا أن نضع سؤالاً بسيطاً لمعرفة طبيعة هذه المرحلة وهو «ماذا يعني كل هذا الذي حولي؟». فالبيانات الخام من أجهزة الاستشعار عديمة الفائدة دون تفسير، وهنا يأتي دور البرمجيات والخوارزميات المعقدة لفهم كل ما هو حول المركبة.
ويتم ذلك عبر مجموعة من الخطوات:
• توطين الخريطة وتحديد المسار، حيث تقوم الخوارزميات بمطابقة البيانات الواردة من أجهزة الاستشعار مع خرائط ثلاثية الأبعاد عالية الدقة معدة مسبقاً. وهذا يسمح للسيارة بمعرفة مكانها بالضبط على الخريطة بدقة سنتيمترية، وليس مجرد «أنت هنا» كما في خرائط الهاتف.
• كشف وتصنيف الأجسام، حيث تستخدم خوارزميات التعلم العميق والشبكات العصبية لتحليل بيانات الكاميرا والليدار لتحديد ماهية كل جسم وتصنيفه. وتتعلم هذه الخوارزميات من ملايين الصور ومقاطع الفيديو لتمييز: «هذا جسم سيارة»، «هذا إنسان»، «هذه دراجة هوائية»، «هذه إشارة مرور خضراء».
3 اتخاذ القرار:
يمكن القول على هذه المرحلة أنها مرحلة «عقل المركبة» ومدى قدرته على اتخاذ القرار المناسب. فبعد أن فهمت المركبة محيطها، يجب أن تخطط لحركتها التالية. ويتم ذلك من خلال خطوات عدة:
• التنبؤ، حيث تتوقع السيارة ما سيفعله الآخرون على الطريق. فعلى سبيل المثال: «هذا الرجل على خط المشاة يقف على الرصيف لكنه يبدو وكأنه سيعبر»، أو «تلك السيارة في الممر المجاور قد تغير مسارها فجأة».
• تخطيط المسار، فبناءً على الوجهة والتنبؤات، تخطط السيارة للمسار الأمثل والآمن، بمعنى أنها تقرر متى تسرع، ومتى تبطئ، ومتى تتجاوز، ومتى تنعطف، مع مراعاة جميع قواعد المرور والسلامة.
4 التنفيذ:
وهي المرحلة الأخيرة في عملية القيادة الذاتية، حيث يجب ترجمة القرارات إلى أفعال ملموسة، وهنا ترسل وحدة التحكم إشارات إلى مشغلات السيارة للتحكم فيها بشكل كامل، وهي:
• مشغل التسريع للتحكم في السرعة.
• مشغل الفرامل للكبح.
• مشغل التوجيه لتدوير العجلات.
ثم تعود الدورة مرة أخرى إلى الخطوة الأولى، وتتكرر هذه العملية مئات المرات في الثانية لضمان استجابة فورية لأي تغيير في البيئة المحيطة.
أخبار متعلقة :