ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 28 سبتمبر 2025 04:26 مساءً - في خضم التباطؤ الذي ضرب قطاع الألعاب العالمي بقيمة 121 مليار دولار، أثبتت مجموعة "ليغو" (The LEGO Group)، التي تتخذ من "بيلوند" الدنماركية مقراً لها، أنها قوة اقتصادية استثنائية لا تتباطأ.
بينما يواجه السوق تحديات غير مسبوقة، من المنافسة الشرسة مع ألعاب الفيديو إلى ضغوط الإنفاق الاستهلاكي وتراجع معدلات المواليد عالمياً، نجحت "ليغو" في مخالفة الاتجاه. وبأداء مالي يرسخ مكانتها الريادية، قفزت إيرادات الشركة لتقارب 8 مليارات دولار في عام 2023.
ووفقًا للتقارير المالية السنوية للشركة، الصادرة في مارس 2025، حققت "ليغو" 10.8 مليار دولار مبيعات في 2024. يمثل هذا الرقم نموًا في الإيرادات بنسبة 13% مقارنة بعام 2023. وقد أكدت الشركة أن مبيعاتها المباشرة للمستهلك نمت بنسبة 12%، متفوقة بذلك على أداء سوق الألعاب العالمي الذي شهد انكماشًا طفيفًا.
هذا النمو الاستثنائي لم يؤكد تفوق "ليغو" على منافسيها التقليديين (مثل هاسبرو وماتيل) وشركات الألعاب الإلكترونية الكبرى (كـ باندي نامكو) فحسب، بل أكد أيضاً أن "نظام اللعب" الأيقوني الذي تعتمده الشركة منذ عام 1958 لا يزال يمثل استثماراً آمناً ومربحاً في عالم الترفيه.
دقة الإنتاج
في مصنع "ليغو" بـ "بيلوند"، تتجسد الكفاءة الهندسية الفائقة. حيث تعمل صفوف من آلات التشكيل على إنتاج قطع بلاستيكية صغيرة متعددة الأشكال والألوان، من أيدٍ مقعرة وأرجل خضراء وعجلات سوداء.
يُنتج المصنع عشرات المليارات من هذه القوالب سنوياً، بمعدل يصل إلى حوالي 1140 قطعة في الثانية الواحدة. الجودة هي أساس النجاح الاقتصادي للشركة؛ إذ تُصنع المكعبات بدقة متناهية لا تتجاوز 2 ميكرومتر لضمان التشابك المثالي بين القطع المنتجة اليوم وأي قطعة أنتجت منذ عام 1958.
ولتحقيق هذه الدقة، تستخدم الشركة قوالب حقن باهظة الثمن جداً، تصل تكلفة بعضها إلى عشرات الآلاف من الدولارات.
قوة العلامة
اسم "ليغو" هو اختصار للعبارة الدنماركية "leg godt" التي تعني "العب جيداً"، وهذه القيمة هي ما عزز من مكانتها. "ليغو" ليست مجرد شركة ألعاب؛ بل هي أقوى علامة تجارية عالمية (بحسب تصنيفات سابقة)، بفضل ارتباطها العاطفي بالإبداع.
هذه القوة السوقية مدعومة بالتنوع الهائل في المنتجات الذي يشمل أكثر من 15,900 نوع مختلف من قطع البناء.
ومن الحقائق الطريفة التي تبرز حجم إنتاجها أن "ليغو" تُعد من أكبر الشركات المنتجة لإطارات السيارات في العالم، نظراً للعدد الهائل من الإطارات الصغيرة المستخدمة في مجموعاتها. كما تُعد شخصيات "مينيفيجرز"، التي ظهرت عام 1978، عملاً فنياً محميّاً بحقوق الطبع والنشر، وتم إنتاج أكثر من 5 مليارات منها حتى الآن.
توسع عالمي
يُعدّ الانتشار في أسواق الولايات المتحدة وأوروبا هو الأكبر لمنتجات الشركة، لكن استراتيجيتها تقتضي مدّاً عالمياً قوياً. وقد ضخت "ليغو" استثمارات ضخمة في الصين، حيث تمتلك الآن وفقًا لآخر تحديثات الشركة ونتائج النصف الأول من عام 2025، أكثر من 1,079 متجرًا حول العالم في 54 سوقًا وفي مناطق الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ.
هذا التوسع هو العمود الفقري للحفاظ على النمو المالي في ظل تباطؤ الأسواق التقليدية.
تحديات بيئية
على الرغم من النجاح الاقتصادي، تواجه "ليغو" تحدياً بيئياً متصاعداً. تشير الأبحاث إلى أن قطع "ليغو" البلاستيكية قد تستغرق ما بين 100 إلى 1300 عام لتتحلل في المحيط، كما تثبت القطع التي جرفتها الأمواج على شواطئ المملكة المتحدة منذ حادثة سفينة الشحن عام 1997.
وتصارع الشركة للتحول نحو الاستدامة؛ فبعد إلغاء خطط مكعبات البولي إيثيلين تيريفثاليت (PET) المعاد تدويره في عام 2023 لعدم خفضها لانبعاثات الكربون، استثمرت "ليغو" في مواد بديلة.
وقد بدأت بالفعل بإنتاج المكونات الأكثر ليونة باستخدام البولي إيثيلين المصنوع من قصب السكر. وتؤكد الشركة التزامها باستبدال جزء كبير من منتجاتها ببدائل خالية من الوقود الأحفوري بحلول عام 2032.
جسر رقمي
تطورت "ليغو" إلى ما هو أبعد من مجرد قطع البناء، معتمدة استراتيجية "اللعب الرقمي". إضافة إلى الأفلام والبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو الخاصة بها، دخلت الشركة في شراكات إستراتيجية مع منصات شهيرة مثل ماينكرافت و روبلوكس و فورتنايت.
ويهدف هذا "الجسر الرقمي" إلى دمج اللعب المادي والافتراضي، مما يسمح للأطفال بتحويل إبداعاتهم الواقعية إلى عوالم افتراضية ضخمة. كما نجحت الشركة في استقطاب البالغين من خلال مجموعتها "+18"، مستفيدة من ظاهرة "البالغين الأطفال" (Kidult) المدفوعة بالحنين و"اليقظة الذهنية".
سر الصمود
يكمن سر صمود منتج "ليغو" لعقود عديدة في اعتماده "نظام اللعب" (System in Play)، هذا النظام المعياري يسمح لك بإنشاء أي شيء يمكن تخيله.
وتواصل "ليغو" تطوير هذا النظام بتقديم 800 منتجاً سنوياً، نصفها منتجات جديدة كلياً كل عام، مما يضمن الحيوية المستمرة للعلامة التجارية. كما يعكس مقر الشركة في بيلوند، بهندسته المعمارية المرحة ومساحاته الملهمة، ثقافة العمل المفعمة باللعب التي تشجع الموظفين على "رؤية العالم من خلال عيون طفل".
أخبار متعلقة :