صراع الذهب والعملات على عرش وول ستريت.. هل بدأ عصر مالي جديد؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 8 أكتوبر 2025 10:10 مساءً - يُقبل مستثمرون قلقون بشأن مستقبل الدولار وغيره من العملات الكبرى على شراء الذهب والبيتكوين وأصول بديلة أخرى، وفي تقرير لها أوضحت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن المتعاملين في الأسواق سارعوا إلى شراء الذهب منذ أن أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في أغسطس الماضي إلى نية البنك المركزي خفض أسعار الفائدة رغم انخفاض البطالة واستمرار التضخم فوق المستهدف، ما دفع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، إذ تجاوزت العقود الآجلة النشطة حاجز 4,000 دولار للأونصة للمرة الأولى يوم الثلاثاء الماضي.

Advertisements

يرى اقتصاديون أن ارتفاع الذهب في عام 2025 يعدّ استثنائياً؛ ذلك أنه لم يُحفَّز بأزمة مالية، إذ ارتفعت العقود الآجلة بنسبة 52% هذا العام، متجاوزةً القفزات التي حدثت في عام جائحة «كوفيد-19» وأزمة 2008 المالية، ولا يسبقها سوى موجة التضخم الكبرى عام 1979.

وفيما يضخ المستثمرون أموالهم في المعادن الثمينة والعملات الرقمية مع تعهّد ترامب بتحفيز الاقتصاد عبر خفض الضرائب، تواصل الأسواق تسجيل مستويات قياسية مدفوعةً بحماس المستثمرين لكل ما يتصل بالذكاء الاصطناعي.

ومع تراكم الرهانات على استمرار الازدهار، يسعى المستثمرون أيضاً إلى التحوّط من تداعيات اختلال السياسات الأميركية، بما في ذلك العجز المالي المتزايد وإغلاق الحكومة، ما يدفعهم إلى الأصول غير المقوّمة بالدولار. هذه التحركات تُظهر كيف أن تضخّم الديون وارتفاع التضخم باتا يزعزعان الثقة بالعملات التي تستند إليها المنظومة المالية العالمية.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن جو ديفيس، كبير الاقتصاديين في مجموعة "فانغارد"، قوله: "نشهد شدّ حبلٍ بين معسكرين: سوق الأسهم التي تراهن على انفجار الذكاء الاصطناعي، ومخيم الذهب الذي يقول: لدينا عجز هيكلي وضغوط مالية في الولايات المتحدة، ويجب إدارة هذا الخطر".

ارتفاع أسعار الذهب خلال السنوات الماضية يعود جزئياً إلى شراء البنوك المركزية كميات كبيرة من المعدن، وهي وتيرة تسارعت بعد العقوبات الغربية غير المسبوقة على روسيا عام 2022، ما جعل الذهب هذا العام يتجاوز اليورو ليصبح ثاني أكبر أصل احتياطي عالمي.

كما ساهمت وعود ترامب بإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي في دفع الدولار إلى أضعف أداء نصف سنوي له منذ أكثر من خمسين عاماً، قبل أن يستقر لاحقاً إلى جانب الذهب، إلى أن جاء خطاب باول في أغسطس الذي غيّر المسار مجدداً.

بيّنت "وول ستريت جورنال" أن توقعات خفض الفائدة دفعت توقعات التضخم طويلة الأجل إلى الارتفاع، ما رفع عوائد السندات الأميركية طويلة الأجل، وأدى في الوقت نفسه إلى اندفاع نحو الأصول عالية المخاطر، من أسهم التكنولوجيا إلى العملات المشفّرة.

وقفزت عملة "البيتكوين" الرقمية، التي يصفها البعض بأنها "ذهب رقمي" للتحوّط من مخاطر العملات، بأكثر من 30% هذا العام لتصل إلى مستويات قياسية تجاوزت 125 ألف دولار يوم الاثنين.

وفي سبتمبر، ضخّ المستثمرون رقماً قياسياً بلغ 33 مليار دولار في صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بالذهب المادي في الولايات المتحدة، بحسب بيانات "مورنينغ ستار دايركت".

كما أجرت شركة "بلاك روك" تعديلات على محافظها النموذجية لزيادة التعرض للأسهم والذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه تعزيز التحوط عبر الذهب.

وأشار مؤسس "سيتيدال سيكيوريتيس"، كين غريفين، إلى أن "المستثمرين والبنوك المركزية اليوم ينظرون إلى الذهب بوصفه ملاذاً آمناً بالطريقة نفسها التي كان يُنظر بها إلى الدولار سابقاً"، مضيفاً: "هذا ما يثير قلقي حقاً".

وفي مقابلة مع "بلومبرغ" في نيويورك، لخّص غريفين الموقف بقوله: "سأراهن على الأعمال الأميركية، لكنني أريد أن أُحصّن نفسي من المخاطر السيادية المرتبطة بالولايات المتحدة".

تحولات

ديناميات مشابهة تظهر في دول غنية أخرى تشهد اضطرابات سياسية تؤثر في الأسواق: فقد قفزت عوائد السندات الفرنسية بعد استقالة رئيس الوزراء، بينما ظلت عوائد السندات البريطانية طويلة الأجل مرتفعة بسبب المخاوف من الحاجة إلى رفع الضرائب أو خفض الإنفاق لتلبية القواعد المالية، في حين ضعف الين الياباني بعد تصريحات رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايشي المطالبة بمزيد من السيطرة على البنك المركزي وخفض أسعار الفائدة.

يمكن للتحوّلات الصغيرة في تخصيصات المستثمرين بعيداً عن السندات الحكومية أن تُحدث تأثيرات ضخمة في أسعار المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين، حيث قدَّر غولدمان ساكس أن تقترب أسعار الذهب من 5,000 دولار للأونصة إذا جرى تحويل 1% فقط من السندات الأميركية الخاصة إلى المعدن النفيس. غير أن "بنك أوف أميركا" حذّر من أن موجات الارتفاع الطويلة للذهب منذ ستينيات القرن التاسع عشر كانت تتبعها دائماً فترات هبوط حاد.

ظلّ الدولار الأميركي مستقراً نسبياً منذ تعثّره في النصف الأول من العام، بينما لمّحت المحكمة العليا إلى أنها قد ترفض محاولات ترامب لفرض سيطرة مباشرة أكبر على الاحتياطي الفدرالي.

وفيما سمحت الثقة بالمؤسسات الأميركية للدولار بالاحتفاظ بمكانته كعملة احتياطية عالمية بعد قرار الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1971 بفك ارتباط الدولار بالذهب، يحذر خبراء من أن التوسع المفرط في التحوط من تدهور العملات قد يؤدي إلى انهيار حاد في حال تغيّر السرد السائد، كما حدث في الطفرة الذهبية الكبرى عام 1979، والتي تلاشت مكاسبها بالكامل بحلول منتصف عام 1982.

أخبار متعلقة :