ماذا يحدث عندما تضغط زر «شراء»

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 9 أكتوبر 2025 06:54 مساءً - في عالم المال الحديث، تكفي إيماءة واحدة لتُحدث الفارق: نقرة، زر أخضر، وفجأة تجد نفسك قد استثمرت في المستقبل، أو هكذا يخيل إليك.

Advertisements

التداول اليوم بات في غاية السهولة. يطلّ بواجهات أنيقة، يلمع بالأصفار: صفر عمولة. صفر أوراق. صفر عوائق. الأرقام تتحرك بانسيابية، والتنبيه بالنجاح يصل في لحظة. كل تفاصيل التجربة مصممة لتعطيك الإحساس بأنك تتحكم بكل شيء.

لكن إن ظننت أن تلك النقرة هي نهاية القصة، فأنت لم تقرأ السطور الخفية، ربما لأنها لم تعد تُكتب. فالمشهد الحقيقي يبدأ بعد أن يرفع إصبعك عن الشاشة. هناك تنتهي المسرحية ويبدأ التنفيذ الفعلي.

على مدى سنوات، كان القطاع يكسب أمواله عبر الوضوح: رسم هنا، تكلفة هناك. الوسيط كان وسيطًا علنيًا يتقاضى أجره بوضوح. غير أن هذا النموذج يتلاشى، لا لأن الضمير تبدّل، بل لأن آليات العمل تغيّرت.

حين يقول الوسيط «بدون عمولة»، فهذا لا يعني أن الرسوم توقفت. بل إن الإيرادات تغيّرت وجهتها. انتقلت إلى أماكن أقل وضوحًا، وأكثر فاعلية حين لا تُطرح الأسئلة.

أول تلك الأماكن هو الفارق السعري (Spread). فأنت تشتري بسعر ويبيع آخر بسعر مختلف. الفجوة بين السعرين هي حيث تُخفى الإيرادات. لا تُسمى رسمًا، لكنها تعمل عمله. يمكن أن تتسع في لحظات التذبذب. يمكن أن تميل ضدك دون أن يلتفت أحد.

توضيح بالأرقام: ٢٠٠ سهم بسعر ٥٠ دولارًا مع فارق سعري قدره ٠.٠٥ دولار يكلف نحو ١٠ دولارات كتكلفة فارق سعري. وإذا اتسع الفارق إلى ٠.١٠ دولار أثناء تنفيذ الصفقة، تقفز التكلفة إلى ٢٠ دولارًا. والنتائج دائمًا رهينة ظروف السوق.

ثم هناك سؤال الوجهة: إلى أين يذهب طلبك؟ كثيرون يتخيلون أنه يُرسل إلى بورصة عامة كما في الأفلام. بينما في الواقع، تُدار معظم أوامر الأفراد عبر تجار جملة خاصين. بعض هذه الشركات تدفع للوسطاء للحصول على هذا التدفق. ما يُعرف بـ الدفع مقابل توجيه الأوامر (Payment for Order Flow) يُعد قانونيًا في بعض الأسواق ومُحظورًا في أخرى. ومع أن قواعد «أفضل تنفيذ» تبقى سارية، فإن الحوافز تختلف باختلاف الجهة. وهذا هو جوهر المسألة.

أما في حال تداولت عبر عقود الفروقات (CFDs)، فالصورة مختلفة تمامًا. ففي الكثير من النماذج، يكون الوسيط هو الطرف المقابل لك. حينها قد تتحول خسارتك إلى مكسبه. الأمر قانوني في كثير من الأنظمة، لكنه بعيد عن الحياد.

الذكاء لا يكمن فقط في التسعير أو التوجيه، بل في التصميم. فالمنصات الحديثة آلات سلوكية متكاملة. الرافعة المالية قد تُختار مسبقًا. نوع الأمر قد يكون افتراضيًا على «السوق». التنفيذ قد يختصر في نقرة واحدة. إشعارات واحتفالات صغيرة تحفّزك على إعادة المحاولة. السرعة توحي بالسيطرة، وغالبًا ما تكون عكس ذلك.

لن ترى بندًا للرسوم، بل سترى نتيجة: تنفيذًا أقل جودة. انزلاقًا سعريًا يتراكم. «الانزلاق السعري (Slippage)» هو الفرق بين السعر الذي تضغط عليه والسعر الذي تُنفّذ به الصفقة مع حركة السوق. أسعار مربكة بعد تحويل العملات. وبعد عام، تجد الأداء لا يعكس ما رسمته المخططات، والسؤال يصبح حتميًا.

الجديد ليس في الآلية، بل في مدى اختفائها عن الأنظار. فالوسطاء تحولوا إلى شركات تكنولوجيا. والتسعير أصبح «تجربة مستخدم». والثقة غدت مجرد شعار تسويقي.

إنها خدعة أنيقة: الجميع يطارد الصفر. صفر عمولة. صفر عوائق. صفر احتكاك. والحقيقة أن الشيء الوحيد الذي بلغ الصفر هو الشفافية.

لذا في المرة المقبلة التي تضغط فيها «شراء»، توقف قليلًا. ليس لأن الزر خاطئ، بل لأن كل ما يتبعه يجب أن يكون واضحًا، نزيهًا، وملكًا لك. فإذا لم يكن مرئيًا، فأنت لم تتخلص من الرسوم، بل توقفت فقط عن رؤيتها.

«المستثمرون اليوم لا يطلبون معروفًا، بل يطالبون بالعدالة. الصفر عمولة لا يُعتد به إلا إذا ترافق مع صفر تلاعب، وصفر تشويه، وصفر تضارب مصالح. أظهر مسار التنفيذ والسعر الكامل قبل التأكيد».

تاجيندر فيرك، المؤسّس المشارك والرئيس التنفيذي لمجموعة Finvasia

كيف تتحقق من ذلك في تطبيقك:

افتح معاينة الطلب وابحث عن المسار أو جهة التنفيذ.

اقرأ السعر الكامل في تلك الشاشة، بما في ذلك الفارق السعري وأي ملاحظات حول الانزلاق.

تحقق من إعدادات الطلب مثل النوع ومدة الصلاحية. وإذا غاب أي بند، فاطلب نسخة من سياسة التنفيذ من الدعم.

أخبار متعلقة :