ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 27 أكتوبر 2025 09:38 صباحاً - 5 مليارات دولار حجم القطاع في المنطقة بنمو 23 % سنوياً
ويبرز القطاع كونه أداة مرنة تسمح بتصميم صفقات مخصصة، مع مستويات عوائد تتراوح عادة بين 10 و15% سنوياً، وهي نسب أعلى بكثير من تلك التي توفرها القنوات التقليدية مثل القروض المصرفية والسندات الحكومية.
على مستوى حجم السوق شهد قطاع الائتمان الخاص في دول الخليج نمواً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث تراوح حجم الأصول المدارة بين 3 و5 مليارات دولار حالياً، مع توقع استمرار نمو القطاع بمعدل سنوي يصل إلى 23% خلال السنوات السبع المقبلة.
وذكروا أن المعطيات الحالية تعكس تحول المستثمرين نحو بدائل التمويل التقليدي، إذ يوفر الائتمان الخاص مرونة أكبر، وعوائد أعلى، وإمكانية الوصول إلى شركات صغيرة ومتوسطة لم تكن لتتمكن من الحصول على التمويل بسهولة عبر البنوك التقليدية، كما يعزز القطاع ثقة المستثمرين من خلال الضمانات المدعومة بالأصول، والهياكل التمويلية المحكمة، والقدرة على إدارة المخاطر بفعالية، ما يجعله اليوم خياراً محورياً لبناء محافظ استثمارية طويلة الأجل في الإمارات والخليج.
5 مليارات دولار
وأضاف جوهري «تشير تقديرات المحللين إلى أن حجم سوق الائتمان الخاص في دول الخليج قد ارتفع من مستوى شبه معدوم قبل عشر سنوات ليصل إلى ما بين 3 - 5 مليارات دولار حالياً، ورغم هذا النمو الملحوظ لا يزال السوق في مراحله الأولية مقارنة بالأسواق العالمية».
وتابع: «إن هذا النوع من التمويل يحظى بمقومات نمو واعدة، حيث يتوقع المحللون في الشركات الاستشارية العالمية أن ينمو سوق الائتمان الخاص في دول الخليج بمتوسط سنوي يبلغ 23% على مدى السنوات السبع المقبلة، بهذا المعدل قد تصل قيمة الأصول المدارة في هذا القطاع إلى 20 مليار دولار بحلول 2030، وهو ما يوازي مسار النمو، الذي شهدته الأسواق الناشئة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ».
دوافع النمو
وذكر جوهري أن هناك عدة عوامل دفعت عجلة نمو هذا القطاع: أولاً، تشديد شروط التمويل المصرفي، نتيجة ارتفاع نسبة التمويل مقارنة بالودائع لدى البنوك وتغيير المعايير التنظيمية، وصعوبة حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة على التمويل المطلوب، وقد نتج عن ذلك فجوة تمويلية يعمل الممولون من القطاع الخاص على سدها، ولا سيما مع تزايد الطلب من قبل الشركات متوسطة الحجم.
وبالانتقال إلى العامل الثاني تعمل حكومات المنطقة على تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط، من خلال خطط طويلة المدى، مع التركيز على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، وبينما تتمكن الشركات الكبرى من الوصول بسهولة إلى أسواق المال التقليدية مثل طرح أسهمها للاكتتاب العام، فقد أصبح الائتمان الخاص أداة تمويل محورية لهذه الشركات.
وثالثاً، أسهمت القوانين الجديدة والمطورة في مجال حوكمة الإفلاس، في كل من الإمارات والسعودية، إضافة إلى البنية التحتية القانونية المتقدمة في المناطق المالية الحرة مثل مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي، في تعزيز ثقة الممولين، ويرجع السبب في ذلك إلى إتاحتها خيارات واضحة للتنفيذ، وإعادة الهيكلة، والحصول على التمويل.
أما بالنسبة للعامل الرابع فينجذب الممولون ومديرو الأصول إلى العوائد المرتفعة، التي تتراوح عادة بين 10 و15%، بالإضافة إلى شعورهم بالاطمئنان، بفضل الضمانات المدعومة بأصول، في المقابل تستفيد الشركات الحاصلة على التمويل من الشروط المخصصة، التي تناسبهم مع سرعة إتمام المعاملات.
وقال جوهري، إن سوق الائتمان الخاص في دول الخليج لا يزال في مراحله الأولية، حيث لا يمثل سوى نسبة ضئيلة جداً (حوالي 0.2 %) من إجمالي أصول الائتمان الخاص العالمية، في المقابل تعد الأسواق المتقدمة أكثر تنظيماً، ولديها طرق فعالة لجمع الأموال، وتنوع واسع في المنتجات، والجدير بالذكر أن أسواق أمريكا والاتحاد الأوروبي تحديداً تستفيد من إجراءات إفلاس راسخة منذ فترة طويلة، ومستندات موحدة، وإطار عمل واضح للممولين والعقود.
أما على مستوى المنطقة، فتميل صفقات الائتمان الخاص إلى أن تكون أكثر تحفظاً، وتصب في صالح المُمولين، مع التركيز على الضمانات القوية والعقود التقليدية المحكمة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أصول الائتمان الخاص لا تمثل سوى 2% من استثمارات مكاتب إدارة الثروات العائلية في المنطقة، مقارنة بـ 4% في أمريكا، ما يؤكد وجود فرصة كبيرة لزيادة الاستثمار.
المناطق المالية الحرة في الإمارات
أسعار الفائدة والقطاع
ولفت جوهري إلى أنه من المهم الإشارة إلى أن أدوات الائتمان الخاص عادة ما ترتبط بمؤشر عالمي للأسعار مثل «SOFR» مع إضافة هامش ربح، ويتم إعادة تسعيرها على هذا الأساس، ففي حال ارتفاع أسعار الفائدة يحقق المستثمرون في هذا القطاع زيادة إضافية في الدخل، بفضل هذا الارتباط بالمؤشرات العالمية.
وأفاد جوهري بأن مستثمري الائتمان الخاص عالمياً يحققون عادة هوامش ربح أعلى تتراوح بين 400 و650 نقطة أساس أعلى عند المقارنة بأدوات الدخل الثابت المماثلة، خصوصاً في الأسواق الناشئة، أما في المنطقة فتتميز هياكل الائتمان الخاص بوجود آليات لمشاركة الأرباح مثل ضمانات الاكتتاب، ويسمح نموذج التسعير هذا للمستثمرين بتحقيق عوائد استثنائية في ظل النمو الاقتصادي، هذه الفروقات تفوق بشكل ملحوظ ما تقدمه التمويلات المصرفية المعتادة».
أما من ناحية إدارة المخاطر فقال جوهري، إن أدوات الائتمان الخاصة تعكس عوامل متعددة تتعلق بالمخاطر والبنية الهيكلية؛ فالائتمان الخاص يتميز بانخفاض السيولة، وتفصيله حسب الحاجة، وغالباً ما يتضمن هياكل تمويل مبتكرة.
وذكّر جوهري بأنه من المتوقع أن ينمو دور الائتمان الخاص بشكل متزايد ليصبح إحدى الركائز الأساسية لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة، خصوصاً أن هذه الشركات لا تحصل إلا على أقل من 2% من التمويلات المصرفية، ما يؤدي إلى وجود عجز كبير في تلبية احتياجاتها التمويلية.
وأضاف: «في الإمارات يشهد قطاع الائتمان الخاص نمواً متزايداً، مدفوعاً بدور المؤسسات المالية الرائدة والشركات المتخصصة، التي تركز على تلبية احتياجات المستثمرين، وتساعدهم على الدخول في هذا المجال، إضافة إلى ما سبق تتجه البنوك الكبرى حالياً نحو الدخول في مجال التمويل الخاص بشكل غير مباشر عبر شركاتها لإدارة الأصول، في حين تستثمر صناديق الثروة السيادية رؤوس أموال ضخمة، من خلال شراكات ومنصات تمويل متخصصة».
استراتيجية استثمارية
من جهته قال بلال بلعيد - المستشار الأول للأسواق الخاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا لدى بنك «يونيون بانكير بريفي» (Union Bancaire Privée)، إن المنطقة بيئة جاذبة للاستثمارات المدرة للدخل، وفي ظل ظروف الاقتصاد الكلي الراهنة يبرز الائتمان الخاص كونه استراتيجية استثمارية مفضلة لمستثمريها.
وأضاف: «ومع نضوج أسواق المنطقة نشهد إقبالاً أكبر نحو هذا القطاع، حتى أصبح جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية توزيع الأصول لدى المستثمرين، ووفقاً لأحدث تقرير لشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» من المتوقع أن يصل إجمالي رأس المال الذي تم جمعه في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر إلى نحو 5 مليارات دولار بحلول نهاية السنة المالية 2024».
وتابع بلعيد: «يُعزى نمو قطاع الائتمان الخاص إلى إقبال المستثمرين، وما يوفره من حل ناجع للسيولة، لا سيما مع تزايد الأطر التنظيمية، التي تحد من حجم الإقراض المصرفي التقليدي، ومع تزايد عدد المستثمرين المؤسسيين في المنطقة من المتوقع أن نشهد نمواً مطرداً في الطلب على الائتمان الخاص، ولا سيما مع تطور تشريعات المنطقة بشكل متسارع لدعم هذا النمو، وهو ما يظهر جلياً في تعزيز قوانين الإفلاس والإعسار».
الخليج وأمريكا وأوروبا
وذكر بلعيد: إننا نلاحظ بلا شك سمات مشتركة بين المناطق الجغرافية الثلاث (الخليج، أمريكا، أوروبا) أبرزها أن الإقراض المباشر المضمون ذو أولوية السداد يظل الاستراتيجية الأكثر شيوعاً، بينما تختلف أسواق هذه المناطق من حيث الحجم والنطاق، بالإضافة إلى اختلاف التشريعات المعمول بها في كل منطقة.
ولفت بلعيد إلى أنه على مدار السنوات الخمس الماضية واجهت سوق الأصول الخاصة جملة من التحديات نتيجة التحولات السريعة، التي شهدتها بيئة الاقتصاد الكلي، بما فيها جائحة «كوفيد 19»، وارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع حجم الصفقات بشكل كبير، وفي هذا السياق برز الائتمان الخاص كونه إحدى فئات الأصول المرنة، إذ أسهم في سد فجوة التمويل التي نتجت عن انكماش الإقراض المصرفي، ما عزز مكانته مصدراً موثوقاً لرأس المال عبر مختلف استراتيجيات الائتمان، ليصبح بذلك أحد الخيارات المفضلة لدى المستثمرين.
وتابع: «وبالنظر إلى الاستقرار الحالي في الظروف الاقتصادية الكلية من المتوقع أن نشهد ارتفاعاً كبيراً في حجم الصفقات وعمليات الاستحواذ، وهو ما سينعكس إيجاباً على صناديق الائتمان الخاص، التي تمتلك موارد مالية كبيرة جاهزة للاستثمار».
ولفت بلعيد إلى أن القطاع شهد بالفعل العديد من الشراكات القوية بين صناديق الثروة السيادية الإقليمية وشركات الاستثمار العالمية، حيث تم في السنوات الأخيرة تجديد أو توسيع العديد من هذه الاتفاقيات، كما أُبرمت شراكات مماثلة في أجزاء أخرى من المنطقة، ما يعكس توجهاً متنامياً في هذا الإطار، ومن المرجح أن يستمر هذا التوجه، ويتوسع أكثر في المنطقة نظراً لدوره في تسريع نموها، وتنويع مصادر السيولة للمستثمرين، بالإضافة إلى تطوير الأطر القانونية والأنشطة المصرفية على المستوى المحلي.
وأوضح بلعيد أنه نظراً للمرونة التي يتمتع بها الائتمان الخاص مقارنة بالبنوك التقليدية فهو غالباً ما يفرض فوائد تفوق استراتيجيات الإقراض التقليدية، وبالإضافة إلى ذلك لا يمكن للعديد من المستثمرين الحصول على القروض التقليدية، لا سيما مع تزايد الأطر التنظيمية، التي تحد من حجم الإقراض المصرفي التقليدي.
تقديرات متفائلة
إلى ذلك قال تيم ووريك، مدير عام قطاع الائتمان البديل في شركة «برينسيبال» لإدارة الأصول، إن الائتمان الخاص بدأ عام 2025 بحالة من التفاؤل مدفوعة بوضوح أكبر في المشهد الاقتصادي، وتوقعات بسياسات تنظيمية وضريبية أكثر دعماً لبيئة الأعمال.
وأضاف: «ورغم أن الإعلانات المتعلقة بالرسوم الجمركية مطلع العام أدت إلى تباطؤ مؤقت في نشاط الاستحواذ بالرافعة المالية وصفقات الاندماج والاستحواذ فقد شهدنا انتعاشاً في وتيرة الصفقات بالتزامن مع تقدم المفاوضات واستقرار السياسات التنظيمية.
وتشير هذه المعطيات، إلى جانب ارتفاع السيولة الجاهزة للاستثمار وتحسن شروط الإقراض، إلى بيئة مواتية للصفقات خلال النصف الثاني من العام».
وتابع ووريك: «وعلى المستوى العالمي لا تزال السوق الأمريكية الخاصة بالشركات المتوسطة من أكثر البيئات تطوراً في قطاع الائتمان الخاص، نظراً لدورها المحوري في تمويل شريحة كبيرة من هذا القطاع الحيوي، ويستمر الطلب القوي من المستثمرين هناك، سواء من الجهات الراعية لرؤوس الأموال الخاصة أو من المقترضين، فيما يتسع هذا الاهتمام بشكل متزايد على الصعيد الدولي».
وذكر ووريك: «في آسيا، على سبيل المثال، بدأت جهات استثمارية في أسواق مثل ماليزيا وسنغافورة وهونغ كونغ بتخصيص مزيد من الاستثمارات لاستراتيجيات الائتمان الخاص الأميركية، نظراً لما توفره من عوائد مرتفع، فضلاً عن الحماية التي تقدمها القروض المضمونة من الدرجة الأولى، ويأتي نحو نصف رؤوس أموال الإقراض المباشر لدينا من مستثمرين خارج الولايات المتحدة، ما يعكس اتساع نطاق الاهتمام بهذه الفئة من الأصول على المستوى الدولي».
أما في منطقة الخليج فقال ووريك: «لا يزال قطاع الائتمان الخاص في مرحلة مبكرة من التطور والنمو فيما يتعلق بالإقراض المباشر للمقترضين المحليين، غير أن الطلب من المستثمرين في المنطقة على الإقراض المباشر في السوق الأمريكية الخاصة بالشركات المتوسطة يشهد نمواً لافتاً، مدفوعاً بجاذبية العوائد وفرص التنويع، إلى جانب انخفاض نسب التقلب مقارنة بفئات استثمارية أخرى».
سوق الائتمان الخاص
هو جزء من الأسواق المالية يعنى بتقديم التمويل للشركات أو المشاريع بطريقة خارج القنوات المصرفية التقليدية، أي بعيداً عن البنوك والسندات العامة، أي هو تمويل مخصص ومستقل عن البنوك التقليدية، يوفر عوائد أعلى ومرونة أكبر، ويستهدف شريحة واسعة من الشركات، التي لا تستطيع الوصول بسهولة للتمويل المصرفي التقليدي، ويعد مكوناً مهماً من مكونات الاستثمارات البديلة، حيث يوفر عوائد جذابة ومتناسبة بحسب درجة المخاطر، وبارتباط منخفض بسوق الأسهم.
وبرز الائتمان الخاص كونه وسيلة فعالة للحصول على رأس المال دون الحاجة إلى أسواق الدين العام، ما يجذب المقترضين والمستثمرين على حد سواء، إذ يُمكن للمقترضين الحصول على رأس المال بشروط أكثر مرونة وقابلية للتخصيص، مع إمكانية تسريع التنفيذ.
وفي المقابل قد تكون هذه القروض الخاصة جذابة للمستثمرين لما توفره من تنويع أكبر في محافظهم الاستثمارية وعوائد جذابة مقارنة بأسواق الدين العام.
أخبار متعلقة :