ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 6 نوفمبر 2025 04:21 مساءً - في أقصى شمال الكرة الأرضية، حيث يكسو الجليد معظم المساحات الشاسعة، تكمن غرينلاند، الجزيرة التي تحولت فجأة إلى مركز اهتمام عالمي، تحت هذه الأرض القاحلة تكمن ثروات معدنية هائلة، تضم المعادن النادرة التي تشكل العمود الفقري للتكنولوجيا الحديثة والمعدات العسكرية المتقدمة. مع تصاعد التوترات بين القوى العالمية واعتماد الغرب الكبير على الصين في إنتاج هذه المعادن، تتحول غرينلاند إلى ساحة استراتيجية يمكن أن تعيد رسم خريطة القوة الاقتصادية والتكنولوجية في العالم.
بينما يسيطر إنتاج المعادن النادرة على التكنولوجيا الحديثة والدفاع العسكري، تتجه أنظار الولايات المتحدة والغرب نحو غرينلاند كجبهة تعدين استراتيجية جديدة. تُعد هذه الجزيرة الشمالية النائية، التي يغطيها الجليد معظمها، موطنًا لثروات معدنية هائلة لم تُستغل بعد، وقد تكون مفتاحًا لكسر هيمنة الصين على سوق المعادن الحيوية.
تتركز أهم المعادن في مشروع تانبريز جنوب الجزيرة، والذي يغطي مساحة 15 كيلومترا مربعا من التلال المنحدرة إلى البحر. تحت هذه الصخور توجد عناصر أرضية نادرة مثل النيوديميوم والتربيوم، الضرورية للهواتف الذكية، شاشات التلفزيون، المغناطيسات عالية القوة، المركبات الكهربائية، توربينات الرياح، والمعدات العسكرية، بما في ذلك صواريخ دقيقة الطلق وطائرات إف-35. ورغم أن هذه العناصر ليست نادرة بطبيعتها، إلا أن السيطرة على استخراجها ومعالجتها تمنح قوة اقتصادية واستراتيجية هائلة.
تسيطر الصين حاليا على أكثر من 60% من إنتاج العالم و90% من معالجته، ما دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى البحث عن مصادر بديلة للحد من اعتمادهم. وقد أعرب البيت الأبيض عن اهتمامه الاستراتيجي بغرينلاند، مؤكداً على ضرورة الحصول على المعادن النادرة لأسباب أمنيةـ إلا أن حكومة غرينلاند أكدت أن الجزيرة ليست "قطعة أرض يمكن شراؤها"، مشددة على سيادتها واستقلالها في اتخاذ القرارات الاقتصادية.
مشاريع التعدين في غرينلاند تواجه تحديات كبيرة منها التضاريس الجبلية، المناخ البارد، ونقص البنية التحتية تجعل عمليات الحفر باهظة الثمن ومعقدة. الوصول إلى المواقع يتم بالقوارب أو المروحيات فقط، ويُضطر المستثمرون إلى بناء مصانع، مساكن، وأحواض بحرية من الصفر. رغم هذه العقبات، ترى شركات مثل كريتيكال ميتالز ولومينا للمواد المستدامة أن الإمكانات هائلة، ويجري التخطيط لإنشاء مناجم جديدة خلال السنوات العشر المقبلة.
الجانب الاجتماعي يمثل تحديًا آخر، حيث يعيش حوالي 6000 نسمة في جنوب غرينلاند، موزعين على بلدات صغيرة وقرى نائية، حيث الصيد وصيد الأسماك جزء من الثقافة التقليدية. يطمح القادة المحليون إلى أن يوفر التعدين وظائف متنوعة لسكان المنطقة، تتجاوز الوظائف الميدانية التقليدية مثل التنظيف أو الميكانيكا، لكن هناك قلق بشأن التأثير على البيئة والطبيعة المحلية، وفقاً لـ " BBC".
اقتصاديا، تسعى غرينلاند إلى تنويع اقتصادها الذي يبلغ حجمه حوالي 3 مليارات دولار، ويعتمد إلى حد كبير على الدعم الدنماركي وصادرات الأسماك. الاستثمار في التعدين قد يمثل مستقبلًا واعدًا، خاصة مع الدعم الأمريكي والأوروبي لشركات المعادن، بما في ذلك قروض محتملة بمئات الملايين من الدولارات، بهدف بناء سلسلة توريد مستقلة من المنجم إلى المنتج النهائي.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن جنوب غرينلاند يقف على أعتاب ثورة تعدين استراتيجية قد تغيّر موازين القوى في سوق المعادن النادرة العالمية. النجاح في هذه المنطقة لن يعتمد فقط على الثروة المعدنية، بل على القدرة على التوازن بين الاستغلال الاقتصادي، حماية البيئة، واحترام السكان المحليين، لتصبح غرينلاند لاعبًا محوريًا في صناعة المعادن النادرة العالمية.
أخبار متعلقة :