ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 8 نوفمبر 2025 12:51 مساءً - تفتح تطبيق الاستثمار في هاتفك المحمول، ثم تكتب اسم الشركة متلهفًا على امتلاك حصة فيها خلال ثوانِ معدودة. ولكن الرسالة التي تظهر على تطبيقك هي "للمشاهدة فقط". لا يوجد زر للشراء. فقط مجرد وعد مؤجل لا تعلم متى يمكن الوفاء به.
صحيح إن هذا الأمر ليس سوى خيبة أمل بسيطة، ولكنه يعتبر تجسيدًا لواقع الاستثمار في العصر الحديث.
فعلى الرغم من كل ما يُقال عن "إتاحة الاستثمار العالمي" و"المحافظ المتنوعة دون حدود"، لا يزال معظم المستثمرين محصورين داخل نفس القطعة الضيقة من العالم. ومع أن بيانات اتحاد البورصات العالمية تشير إلى أنه يُوجد أكثر من 50.000 شركة مدرجة في 78 بورصة أسهم في مختلف أنحاء العالم. إلا أن معظم منصات الاستثمار لا توفر الوصول سوى إلى أقل من 5000 شركة، أي ما يقل عن 10% من السوق العالمية. أما بقية الشركات فتظل خفية، وإن كانت شعاراتها تظل ظاهرة في قسم الاستكشاف على تطبيقك الاستثماري.
والآن يتبلور هذا الوهم والسراب متحولاً إلى نظام محكم مصمم عمدًا. فالتطبيقات يتم تصميمها وهندستها على نحو يجعلها تبدو وكأنها مكتملة وشاملة لكل شيء. فهي تسلط الضوء على الأسهم الشهيرة والعلامات التجارية ذات الشعبية الجارفة، مما يوهم المستخدمين ويخلق لديهم شعورًا زائفًا بأنهم على اتصال بالاقتصاد العالمي على الرغم من أن معظمه ليس في متناولهم في الواقع. فالكثير من هذه الأسهم ما هي إلا "قوائم وهمية" - مجرد رموز تظهر في أقسام مثل "استكشف" أو "أبحاث" لكن لا يمكن للمستخدم تداولها فعليًا على أرض الواقع. إنها خدعة نفسية بارعة، ليست متعمدة دائماً ولكن نتيجتها مضمونة دائمًا، ويظن المستخدمون أن العالم بين أيديهم ومفتوح أمامهم، لمجرد أن أعينهم تراه خلف الشاشة. ولكن هذه الرؤية لا تعني بالضرورة أنهم يستطيعون امتلاك ما يشاهدوه.
وتكمن أسباب ذلك في البنية التحتية المعقدة للصناعة المالية. فمعظم منصات التداول حاصلة على تراخيصها من عدد محدود من الدول، ولا تستطيع من الناحية القانونية تمكين المستثمرين من شراء الأسهم من جميع الأسواق العالمية. كما أن لكل دولة لوائحها الخاصة التي قد تختلف عن غيرها فيما يتعلق بمعرفة العميل والضرائب والتسوية، ويشكل الامتثال لجميع هذه اللوائح عملية بطيئة ومكلفة ومعقدة. وصحيح أن هذه الإجراءات ضرورية لضمان المساءلة ولكنها تؤدي في الوقت نفسه إلى تحويل الاستثمار عبر الحدود إلى عملية معقدة وبعيدة كل البعد عن تجربة "الوصول الفوري بنقرة واحدة" التي تدعي العديد من التطبيقات تقديمها للمستخدمين. ولهذا جاء الحل شكليًا وسطحيًا وهو: إظهار واجهة عالمية مع حصر التداول على البلدان التي يكون فيها الأمر سهلاً—وغالباً ما يكون ذلك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبعض البورصات الآسيوية المتقدمة. أما المناطق مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، بالرغم من تطورها وطفرة الابتكار فيها، فلا تزال بعيدة عن متناول المستثمرين الأفراد.
كما أن الحدود الجغرافية نفسها تتحكم في خياراتك دون أن تدري. فقد يُمنع مستخدم في بلد ما من امتلاك أسهم في بلد آخر دون إيضاح السبب له. كما أن هناك بورصات بأكملها محظورة على غير المقيمين، دون أن تذكر معظم المنصات هذه المعلومة بشكل صريح. وكانت هيئة السلوك المالي البريطانية قد حذرت في مراجعتها الصادرة عام 2023 لتطبيقات ومنصات التداول من أن هذا الأسلوب في العرض قد يخدع المستثمرين ويضللهم لأنه يجعل المنتجات غير المتاحة تبدو وكأنها متاحة. إذًا، فالمشكلة ليست في التكنولوجيا وإنما في الشفافية.
وهذا الغياب للشفافية والوضوح يؤثر على المستثمر تأثيرًا أكبر من غياب الأسواق نفسها. لأن الأمر في جوهره يعتمد على الثقة. فعندما يظهر سهم في نتائج البحث، يَفترض المستخدم تلقائياً أنه قادر على شرائه. وبالتالي فعندما ينهار هذا الافتراض، تتبدد الثقة. ومجرد بيان بسيط وواضح يحدد أي البورصات متاحة وأيها محظورة ولماذا، كفيل باستعادة المصداقية دون الحاجة إلى إضافة أي وظيفة تقنية جديدة.
وما دامت المنصات والتطبيقات تَعِدُ بأكثر مما تقدم فيما يتعلق بما يستطيع المستثمرون امتلاكه فعلياً، سيظل الاستثمار العالمي سرابًا ووهمًاً—مجرد واجهة مفتوحة ولكنها ذات خلفية مغلقة؛ أو كتجربة تبدو بلا حدود ولكنها مقيدة في حقيقتها. والجيل الجديد من المنصات والتطبيقات لن يكتفي فقط بعرض العالم وإنما سيفتح أبواب العالم على مصراعيها أخيرًا للمستثمرين.
أخبار متعلقة :