ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 10 نوفمبر 2025 08:51 صباحاً - في عالم تُقاس فيه القوة بالأرقام، تصبح الثقة سلعة لا تقل قيمة عن المال نفسه، ولحظة ضعف ثقة واحدة تكفي لهدم إمبراطوريات اقتصادية بأكملها. من مالكٍ يَعد بعوائد ثابتة، إلى أرباح تُعلن في بيانات الربحية، إلى أسواقٍ تترتّب عليها توقعات ملايين المستثمرين، هنا تتقاطع الأطماع مع الثغرات، وتتحول وعود الكسب السريع إلى سرقات بمليارات الدولارات.
وفي عالم المال تتقدم الجرائم المالية أحيانا أسرع من أعظم الاكتشافات، ومع التطور التكنولوجي أصبح الوصول إلى المعلومات أسهل، بينما تستمر عمليات الاحتيال بوتيرة متزايدة. عبر التاريخ، برع بعض الأفراد في استغلال الثقة وسذاجة الآخرين لتحقيق ثروات هائلة، وهنا نسلط الضوء على أشهر ستة محتالين ماليين في التاريخ وقصصهم المذهلة، وفق تقرير لموقع "soysentine".
إليزابيث بيجلي
إليزابيث بيغلي، الكندية الذكية، واسمها الحقيقي كاسي تشادويك، استخدمت اسمها كغطاء لمغامراتها الاحتيالية المدهشة. في عام 1891، برأت المحكمة إليزابيث من تهمة الاحتيال بعد أن ادعت الجنون، لكنها لم تتوقف عند هذا الحد، بل طورت مهاراتها لتصبح واحدة من أشهر المحتالات الماليين في التاريخ.
تزوجت بيغلي طبيبا يُدعى تشادويك عام 1857، وبدأت مسيرتها في استغلال سذاجة البنوك ببراعة. انتحلت صفة ابنة المليونير الشهير أندرو كارنيغي، مزيفة توقيعات وأوراق مالية باسم والدها المزيف، مما مكنها من الحصول على ما بين 10 و20 مليون دولار أمريكي من البنوك في تلك الحقبة.
ساعدها لقب كارنيغي في تعزيز مصداقيتها أمام المؤسسات المالية، وفي وقت لم تكن فيه هناك أي أنظمة للتحقق من الهوية أو مراقبة المعاملات، تمكنت بيجلي من تنفيذ عملياتها دون أي صعوبة.
كارلو بونزي
المحتال الإيطالي كارلو بونزي يُعرف بأنه مبتكر أحد أكبر نماذج الاحتيال المالي في التاريخ، المعروف باسم مخطط بونزي. في أوائل القرن العشرين، انتقل بونزي إلى الولايات المتحدة مؤمنا بقدرته على تحقيق ثروة سريعة، مستفيدا من ذكائه ودهائه لإيهام المستثمرين بنظام استثماري يبدو قانونيا وشفافا، يستند إلى شراء وبيع قسائم بريدية دولية.
كانت الفكرة بسيطة لكنها خطيرة وهي جذب أموال المستثمرين الجدد لدفع فوائد مزعومة للمستثمرين القدامى، دون أي استثمار حقيقي.
مع مرور الوقت، تحوّل المخطط إلى كرة ثلجية لا يمكن السيطرة عليها، وانهار بسرعة، تاركا المستثمرين دون أي عائد. وقع ضحايا من رجال أعمال مشهورين وأعضاء من المجتمع في هذا الفخ، حتى انتهى المطاف ببونزي في السجن بتهم الاحتيال وغسيل الأموال.
يُقدّر إجمالي الأموال التي استولى عليها بونزي بحوالي 15 مليون دولار آنذاك، أي ما يعادل نحو 250 مليون دولار اليوم بعد تعديل التضخم. تُعد تجربة بونزي مثالًا صارخًا على قاعدة مالية أساسية، ما يبدو جيدا لدرجة يصعب تصديقها غالبا ما يكون عملية احتيال، ويبرز مدى أهمية الفحص والتحقق قبل الانخراط في أي فرصة استثمارية.
فرديناند ديمارا
فرديناند ديمارا كان عبقريا في انتحال الهويات واشتهر بلقب "المحتال الأعظم"، متنقلا بين أدوار مختلفة من جندي إلى طبيب وجراح بحري، مخادعا الجميع بمهاراته العالية في التمثيل وإقناع الآخرين. لم تكن حيلته تقتصر على سرقة الأموال فحسب، بل امتدت لتغيير حياة من حوله بمعلومات مزيفة وهويات مختلقة. يقدّر أن احتيالاته جلبت له ملايين الدولارات عبر انتحال أدوار مهنية مدفوعة الأجر، رغم صعوبة تحديد المبلغ بدقة.
فرانك أباغنيل
بدأ أباغنيل مسيرته الاحتيالية في سن 16 عاماً، مستخدما شيكات مزورة وهويات متعددة، وتمكن من سرقة حوالي 2.5 مليون دولار. تنقّل بين أدوار طيار، معلم، محامٍ وطبيب، ونجح في خداع البنوك لسنوات.
وقعت هذه العملية الاحتيالية الدولية في سبعينيات القرن العشرين، حين استخدم فرانك أباغنيل، الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، أسلوب سرقة الهوية ليتمكن من سرقة نحو 2.5 مليون دولار عبر شيكاته الاحتيالية.
خلال خمس سنوات، تنقل أباغنيل بين هويات متعددة، شملت كونه طيارا، معلما، محاميا، طبيبا وغير ذلك، وقام بتعديل شيكات من حسابه المكشوف ووضعها ضمن وثائق صحيحة لخداع البنوك وكسب أموال “سهلة”.
أصبحت قصته عالمية بعد تحويلها إلى فيلم سبيلبرغ الشهير "أمسكني إن استطعت"، حيث جسد ليوناردو دي كابريو شخصية هذا المحتال الشهير.
بعد إطلاق سراحه من السجن، تعاون أباغنيل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي لتحديد أساليب المحتالين الآخرين ومكافحة الاحتيال المالي، مؤسسا شركته الاستشارية الخاصة Abagnale & Associates التي تركز على الوقاية من الاحتيال وتعليم المؤسسات المالية كيفية حماية نفسها.
برنارد مادوف
كان برنارد مادوف رجل أعمال مشهورا في الولايات المتحدة، لكن خلف مسيرته المهنية الناجحة اختبأت سلسلة من الخدع والتلاعبات التي تحولت في النهاية إلى أكبر عملية احتيال مالي عرفها التاريخ الحديث.
نفذ مادوف أكبر عملية احتيال مالي في التاريخ الحديث، مستغلًا الأموال الجديدة لدفع فوائد مزعومة للمستثمرين القدامى، مانحا الجميع وهم النجاح والثقة. انتهت العملية في 2008، وكشفت عن حجم الخسائر المقدر بحوالي 65 مليار دولار، ما يجعلها الأكبر على الإطلاق، مسلطة الضوء على هشاشة الرقابة المالية وضرورة حماية المستثمرين.
شملت عملية مادوف استقطاب مستثمرين مزعومين بوعد بعوائد ثابتة وجذابة. استغل مادوف سمعته واعتباره محل ثقة، ليقنع عملاءه باستثمار أموالهم في صندوقه الاستثماري، دون أن يعلموا أنه كان يحوّل هذه الأموال لدفع فوائد للمستثمرين القدامى، في نموذج شبيه بالتسويق الهرمي أو متعدد المستويات، مما خلق وهم النجاح والثروة المستمرة.
انهار هذا الوهم بشكل كامل في عام 2008، عندما اعترف مادوف بجريمته وتم القبض عليه، ليكشف عن حجم الخسائر الضخم الذي ألحقه بالمستثمرين والقطاع المالي بأسره.
نيك ليسون
لقد كانت هذه واحدة من أكبر فضائح الاحتيال في العصر الحديث، في تسعينيات القرن العشرين، أصبح نيك ليسون، شاب بريطاني في العشرين من عمره، محوريا في أحداث هزّت عالم المال. ليسون بدأ مسيرته المهنية في بنك كوتس للخدمات المصرفية الخاصة، ثم انتقل إلى مورجان ستانلي، قبل أن ينضم في عام 1989 إلى بنك بارينغز، أحد أقدم البنوك التجارية في المملكة المتحدة.
في بارينغ، واجه ليسون تحديات شخصية ومهنية دفعت الأمور إلى الانزلاق نحو كارثة. فقد بدأ التداول في أسواق العقود الآجلة دون الترخيص اللازم، وهو ما كان يُعد أول وأكبر خطأ ارتكبه. ومع ذلك، وبفضل خبرته التي امتدت عامين في هذا القطاع، كلفه البنك بإدارة النشاط التجاري، الذي سرعان ما أسفر عن خسائر تجاوزت 1.4 مليار دولار.
للتغطية على خطأ زميله الذي باع عقودا بدل شرائها، أنشأ ليسون حسابًا سريًا باسم 88888 لإخفاء الخسائر وحماية زميله. لكنها سرعان ما تحولت إلى ملاذ دائما لإخفاء أي عجز في عملياته.
وبحلول نهاية عام 1992، وصلت الخسائر إلى مليوني جنيه إسترليني، وفي محاولته المستميتة لاستعادة الأموال، بدأ تنفيذ صفقات محفوفة بالمخاطر، مما زاد الوضع سوءًا بشكل غير مسبوق.
عندما أدرك ليسون حجم الكارثة، كان الأوان قد فات. غادر المكتب تاركًا رسالة كتب عليها ببساطة: "آسف". أدى هذا إلى إعلان إفلاس بنك بارينغ، وبيع أصوله إلى بنك ING مقابل جنيه إسترليني واحد فقط، على أن يتحمل البنك الجديد التزامات ضخمة كانت تفوق رأس المال المتاح للبنك الأصلي.
كان بنك بارينغ ذا مكانة تاريخية عالية، إذ شارك في مشاريع كبرى مثل تمويل بناء قناة بنما وشراء ولاية لويزيانا من فرنسا، كما أدار الطرح العام الأولي لشركة غينيس في لندن، ما استلزم تدخل الشرطة الخيالة لتنظيم الطلبات.
في النهاية، حُكم على ليسون بالسجن ست سنوات لجرائم الاحتيال، لكنه أُفرج عنه مبكرا بعد تشخيص إصابته بالسرطان، ونجا بأعجوبة. بعد خروجه، كرس نفسه لإلقاء المحاضرات وكتابة الكتب، ليصبح من أبرز الخبراء في كشف الاحتيال المالي وتعليم المؤسسات كيفية حماية نفسها من كارثات مماثلة.
هذه القصص تثبت أن الجرائم المالية ليست مجرد أرقام، بل استغلال للثقة والجهل. مع تطور التكنولوجيا وأساليب الاحتيال، يظل فهم التاريخ المالي ضرورة لحماية المستثمرين واتخاذ قرارات واعية، مؤكدًا أن حتى أعظم الاحتيالات يمكن أن تحدث في أكثر المؤسسات ثقةً.
أخبار متعلقة :