من يقف وراء موجة تسريح الموظفين العالمية؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 10 ديسمبر 2025 08:25 صباحاً - أعلنت شركات عالمية كبرى، مثل «ميتا» و«أمازون»، عن تقليص أعداد موظفيها، بعد التطور التكنولوجي الهائل الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي، ليزداد القلق من انعكاسات هذا التحول على استقرار الوظائف ومستقبل القوى العاملة، فهل يمثل الذكاء الاصطناعي خطراً على الوظائف البشرية، وينذر بتسريح مزيد من العمال، أم سيفتح الباب أمام ظهور مهن جديدة لم تكن موجودة من قبل، أم سيعيد تشكيل سوق العمل من جديد؟ كلها أسئلة مطروحة للنقاش يجيب عنها خبراء ومسؤولون.

Advertisements

فقد كشف تقرير صادر عن بنك الاستثمار «جولدمان ساكس» أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل حول العالم خلال خمس سنوات، مع توقع أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من أتمتة ربع مهام العمل في الولايات المتحدة وأوروبا.

ورغم هذا التأثير الكبير، يؤكد التقرير أن الذكاء الاصطناعي لا يمثل تهديداً وظيفياً فحسب، بل سيقود أيضاً إلى خلق فرص عمل جديدة ودعم نمو الإنتاجية على نطاق واسع. ومن المنتظر أن يساهم الذكاء الاصطناعي في توفير أكثر من 170 مليون وظيفة عالمياً بحلول 2030، مدفوعاً بالتوسع في التطبيقات التقنية وارتفاع حجم الاستثمارات في هذا القطاع سريع النمو.

قطاعات

وتحدث التقرير عن تباين تأثير الذكاء الاصطناعي بين القطاعات، إذ يمكن أتمتة 46 % من المهام في المهن الإدارية و44 % في المهن القانونية، مقابل 6 % فقط في قطاع البناء و4 % في وظائف الصيانة. ويؤكد ذلك أن قطاعات المعرفة والخدمات المكتبية ستكون الأكثر تأثراً، بينما ستبقى المهن اليدوية أقل عرضة للاستبدال.

وتشير التوقعات إلى نمو هائل في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي، حيث تُقدّر شركة «Vena» المتخصصة في التخطيط والتحليل المالي أن حجم هذا السوق سيتجاوز 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2030. ويتوقع أن يكون القطاع المصرفي من أبرز المستفيدين، حيث من المتوقع أن ينمو حجمه بمقدار 340 مليار دولار بفضل تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ويظهر تبني الذكاء الاصطناعي نتائج إيجابية ومباشرة على أداء الأعمال والإنتاجية، فقد أفاد الموظفون الذين يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي بتحسن ملموس في الإنتاجية وصل إلى 80%. كما يتوقع 3 من أصل 5 من أصحاب الأعمال أن تطبيق الذكاء الاصطناعي سيُعزز بشكل فعال من نمو مبيعاتهم. وشهدت إحدى الشركات زيادة في رضا العملاء بنسبة 30% بعد تحولها إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

وعلى الرغم من الفوائد الواضحة للذكاء الاصطناعي، يواجه قطاع الأعمال تحدياً كبيراً في الموارد البشرية. ففي حين أن 73% من أصحاب العمل يعطون الأولوية القصوى لاستقطاب المواهب المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، تُشير البيانات إلى أن مجموعة المواهب الحالية غير كافية لتلبية الطلب المتزايد.

تعاون ذكي

في البداية يقول عمرو كامل، مدير عام «مايكروسوفت - »: عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي، فلا بد من التأكيد على أن الهدف منه ليس الاستغناء عن الإنسان، بل تمكينه وتعزيز قدراته. صحيح أن هناك قلقاً عالمياً متزايداً من أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل البشر في بعض الوظائف، لكن ما نراه في الواقع هو العكس تماماً؛ إذ تمكن هذه التكنولوجيا البشر من التركيز على التفكير الاستراتيجي والتخطيط واتخاذ القرارات بينما تتولى الأنظمة الذكية المهام المتكررة أو المعقدة حسابياً، ونحن في شركة «مايكروسوفت» نعتبر الذكاء الاصطناعي فرصة حقيقية لتعزيز القدرات البشرية وليس تقليصها. هو فقط يمنح الإنسان أدوات أقوى لتحليل البيانات وفهمها بسرعة أكبر، ويساعده على اتخاذ قرارات أدق وأكثر فاعلية. ومن هنا، فإن المستقبل الذي نطمح إليه هو مستقبل يقوم على التكامل بين الإنسان والآلة في بيئة عمل قائمة على التعاون الذكي والنتائج الملموسة.

وظائف على المحك

أما أحمد عدلي، نائب الرئيس للهندسة السحابية للتكنولوجيا بالشرق الأوسط وأفريقيا لدى «أوراكل»، فيقول: لدى بعض الناس تخوف من أن يؤدي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى اختفاء وظائف معينة. ومن وجهة نظري أن الوظائف التكرارية البحتة هي التي قد تتأثر بالفعل، لكن الذكاء الاصطناعي في جوهره ليس بديلاً عن الإنسان، بل هو مساعد ذكي يزيد من كفاءته؛ فبدلاً من أن يؤدي الموظف ثلاث مهام في اليوم، يمكنه بمساعدة الذكاء الاصطناعي إنجاز عشر مهام في المدة الزمنية نفسها. أما في مجالات مثل خدمة العملاء فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجيب عن الاستفسارات البسيطة، لكن في الحالات التي تتطلب فهماً وتفاعلاً إنسانياً لحل مشكلة العميل، فإن الدور البشري يظل أساسياً ولا يمكن الاستغناء عنه.

تحوّل جذري

في حين يذكر مهند الكلش، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا وباكستان في شركة «زووم» دراسات «معهد ماكينزي العالمي» التي أشارت إلى أن 14 % من القوى العاملة العالمية سيحتاجون بحلول عام 2030 إلى تغيير تخصصاتهم المهنية نتيجة للذكاء الاصطناعي والأتمتة.

وبحلول عام 2050، حسب دراسات «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، يحتمل أتمتة من 30% إلى 50% من الوظائف على المستوى العالم، أو حصول تحول جذري فيها بسبب الذكاء الاصطناعي. لكن في المقابل، يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي توافر 170 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030 بدلاً من 92 مليون وظيفة تأثرت بالذكاء الاصطناعي؛ ما يعني تحقيق زيادة في فرص العمل تعادل 78 مليون وظيفة عالمياً. ولذلك فإن الحرص على تطوير المهارات هو أفضل مسار لمواكبة صعود تطبيقات واستخدامات الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل المستقبلية.

وأضاف الكلش: يشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول مستقبل العمل 2025 إلى أن 77% من المؤسسات والشركات تؤكد أهمية إعادة بناء المهارات وتطوير أخرى جديدة لدى الموظفين؛ للتمكن من العمل بنجاح مع الذكاء الاصطناعي.

إنتاجية مضاعفة

من جانبه، قال أسامة الصافي، المدير التنفيذي للتشغيل بشركة «باركن»: الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الإنسان، بل هو وسيلة لحياة أفضل؛ حيث لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشري ولا عن الخبرات المتراكمة، بل بالعكس نحن نستثمر في كوادرنا البشرية لتمكينها من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر راحة وإنتاجية.

وأضاف: ثبت لنا أن استخدام الذكاء الاصطناعي حسّن بيئة العمل للمفتشين الميدانيين، ففي السابق كان المفتش يعمل تحت الشمس لساعات طويلة، أما اليوم فقد صار عمله أسهل وأكثر دقة، وبإنتاجية مضاعفة وجودة أعلى. كما أن الذكاء الاصطناعي أسهم بشكل مباشر في زيادة الإيرادات وتحسين كفاءة التحصيل.

ذريعة لفصل الموظفين

ويتناول أرون شاندراسيكاران، نائب الرئيس لشؤون التحليلات لدى «جارتنر»، القضية من جانب آخر، فيقول: بعض الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي ذريعة لفصل الموظفين، على الرغم من صعوبة الجزم بأن الذكاء الاصطناعي سيستولى بالكامل على وظائف محددة، لأن التأثير الأكبر سيكون في المهام داخل الوظائف وليس إلغاء الوظائف بالكامل. وأضاف: لكن هناك مجالات سيتم فيها أتمتة قدر كبير من المهام بوضوح، من أبرزها:

- إنتاج المحتوى، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على إنشاء محتوى مخصص وعالي الجودة بسرعة؛ ما سوف يؤثر في كتّاب المحتوى والمختصين في وسائل التواصل.

- دعم العملاء والدعم التقني؛ فقد باتت أنظمة المحادثة الذكية قادرة على التعامل مع الاستفسارات البسيطة بكفاءة، لتكون خط الدعم الأول في العديد من المؤسسات.

- الترجمة اللغوية؛ حيث إن نمو النماذج اللغوية جعلها تتفوق في بعض الحالات على الترجمة البشرية التقليدية، كما فعل تطبيق «Duolingo» الذي استغنى عن أكثر من 200 مترجم لمصلحة الذكاء الاصطناعي.

- الأعمال الإدارية والمكتبية؛ حيث إن الذكاء الاصطناعي قادر على إدارة الجداول والرسائل والبريد الإلكتروني والمهام الروتينية؛ ما يقلل الحاجة إلى بعض الأدوار المكتبية.

- تطوير البرمجيات للمستويات المبتدئة؛ فقد أصبحت أدوات البرمجة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تنجز مهام كانت تتطلب مطورين مبتدئين؛ ما يحد تدريجياً من الحاجة إلى هذا المستوى من التوظيف.

وأضاف أرون: لكن على الرغم من كل ذلك، فإن الحديث عن تسريح موظفين بسبب الذكاء الاصطناعي لا يزال مبالغاً فيه في الوقت الحالي؛ فالعديد من الشركات التي أعلنت تخفيضات كبيرة في الوظائف - خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية - تستخدم الذكاء الاصطناعي مجرد ذريعة للاستغناء عن بعض موظفيها بعد موجات التوظيف الضخمة التي حدثت في أثناء جائحة كورونا، ثم الحاجة إلى إعادة التوازن لاحقاً. لهذا السبب، من المبكر جداً القول إن الذكاء الاصطناعي هو العامل الأساسي في إنهاء الوظائف على نطاق واسع، بل هو عامل لإعادة تشكيلها وتطوير المهارات المطلوبة لتنفيذها.

أخبار متعلقة :