ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 24 ديسمبر 2025 11:06 مساءً - يتسارع نمو سوق لوجستيات سلسلة التبريد في دولة الإمارات ليشكل ركيزة استراتيجية في بنية الاقتصاد الوطني، مع ازدياد الاعتماد على الحلول المبتكرة للتحكم في درجات الحرارة عبر سلسلة الإمداد. وتشير أحدث تقديرات مجموعة «إمارك» IMARC Group إلى أن حجم السوق في الإمارات وصل إلى 1.4 مليار دولار في 2024، ويتوقع أن يرتفع إلى نحو 2.9 مليار دولار بحلول 2033 بمعدل نمو سنوي مركب نحو 8.2 % على مدار العقد المقبل، مع صعود الطلب على الخدمات المتعلقة بالمنتجات سريعة التلف واللقاحات والأدوية الحساسة للحرارة.
ويؤدي موقع الإمارات الجغرافي بين آسيا وأوروبا دوراً محورياً في تعزيز مكانتها مركزاً لوجستياً عالمياً، فقد استثمرت الدولة بشكل كبير في تطوير البنى التحتية للموانئ والمطارات والطرق، ما أسهم في دمج قدرات سلسلة التبريد ضمن منظومة النقل والتجارة الدولية. كما تستهدف المبادرات الحكومية تعزيز دور الإمارات بوصفها مركزاً إقليمياً للأمن الغذائي والتجارة، وهو ما يدعم بدوره توسع خدمات سلسلة التبريد في مختلف القطاعات.
ارتفاع الطلب
من أبرز العوامل الدافعة للنمو هو الطلب المتزايد على المنتجات الحساسة للحرارة، من أدوية ولقاحات ومواد بيولوجية إلى منتجات غذائية طازجة مثل الفواكه والخضراوات والمأكولات البحرية، ففي مجال الرعاية الصحية، يتطلب توزيع اللقاحات والأدوية الحديثة، بما في ذلك تلك المعتمدة على التكنولوجيا الحيوية، بيئة مراقبة دقيقة للحرارة طوال رحلة التخزين والنقل لمنع فقدان الفاعلية، ما يدفع الشركات إلى الاستثمار في تجهيزات متقدمة وخدمات لوجستية متخصصة.
ووفقاً لإدارة التجارة الدولية، تتصدر الإمارات دول مجلس التعاون الخليجي في حجم التجارة الإلكترونية، بإجمالي مبيعات بلغ 3.9 مليارات دولار في عام 2020، أي ما يعادل 10 % من إجمالي مبيعات التجزئة. ومع الانتشار الواسع للإنترنت والأجهزة الذكية بين السكان، تتوقع غرفة تجارة وصناعة دبي أن تصل عائدات التجارة الإلكترونية إلى 8 مليارات دولار بنهاية عام 2025.
الطلب نفسه يمتد إلى قطاع الأغذية، حيث أصبحت رغبة المستهلكين في الحصول على منتجات طازجة وعالية الجودة عنصراً أساسياً في تطوير خدمات سلسلة التبريد. ويعكس ذلك أهمية دور هذا القطاع في دعم الأمن الغذائي وضمان جودة السلع المعروضة في الأسواق المحلية والإقليمية.
توسع خدمات التوصيل
شهدت الإمارات في السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في التجارة الإلكترونية، ما عزز بدوره حاجة الأسواق إلى حلول لوجستية متقدمة، خاصة فيما يتعلق بالسلاسل الباردة. ووفق بيانات سابقة، تتصدر الإمارات دول مجلس التعاون الخليجي في حجم مبيعات التجارة الإلكترونية، وهو ما يفرض تحديات تشغيلية لضمان الحفاظ على جودة المنتجات خلال التوصيل إلى المنازل، لا سيما في الظروف المناخية الحارة.
أصبحت خدمات التسوق الإلكتروني للمأكولات الطازجة والمجمدة جزءاً رئيسياً من سلوك المستهلك، ما دفع الشركات اللوجستية إلى تبنّي حلول توزيع متكاملة تشمل مركبات مبردة، وتغليفاً معزولاً، وأنظمة مراقبة ذكية لضمان بقاء المنتجات ضمن نطاق درجات الحرارة المطلوبة حتى وصولها إلى العملاء.
دور جوهري
ويؤدي الابتكار التكنولوجي دوراً جوهرياً في تطوير خدمات سلسلة التبريد، حيث أدخلت الشركات تكنولوجيات مثل الإنترنت من الأشياء (IoT) لمراقبة الظروف البيئية في الوقت الحقيقي، ما يسمح بالتدخل الفوري عند وجود مشكلات، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتحسين عمليات التخطيط، وتوقع الطلب، وتقليل مخاطر الفقد في السلع، وتقنيات سلسلة الكتل (Blockchain) لرفع مستوى الشفافية وتوثيق البيانات المتعلقة بدرجات الحرارة أثناء النقل والتخزين.
هذه الأدوات لا تسهم فقط في تحسين الكفاءة التشغيلية، بل تزيد من ثقة العملاء في قدرة مقدمي الخدمات على الحفاظ على جودة المنتجات الحساسة للطاقة والحرارة.
تعمل الإمارات بوصفها مركزاً رئيسياً للتصدير وإعادة التصدير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يعزز الطلب على خدمات سلسلة التبريد لدعم الصادرات الغذائية والمنتجات عالية القيمة. ومن خلال موانئها الحديثة ومناطقها الحرة، تستقطب الدولة شركات عالمية تريد توسيع حضورها في أسواق متعددة، مستفيدة من البنية التحتية المتطورة وخدمات اللوجستيات المتقدمة.
كما أدى التوسع في قطاع تصنيع الأغذية في الدولة إلى زيادة الحاجة إلى خدمات تبريد ذات معايير عالية، بدءاً من استلام المواد الخام وانتهاء بإرسال المنتجات النهائية للسوق.
وأكدت حكومة الإمارات التزامها بتطوير قطاع الخدمات اللوجستية بشكل عام، وسلسلة التبريد بشكل خاص، كجزء من استراتيجية التنويع الاقتصادي. وشملت هذه المبادرات تطوير البنية التحتية للموانئ والمطارات والطرق، وإنشاء مناطق تجارة حرة توفر حوافز للشركات العاملة في سلسلة التبريد، وتحديث الأطر التنظيمية لضمان توافق العمليات مع المعايير الدولية.
كما توجه هذه الجهود نحو تعزيز مكانة الإمارات مركزاً لوجستياً إقليمياً يضمن استمرارية تدفق الإمدادات الغذائية والطبية حتى في أوقات الأزمات.
فرص وتحديات
تشير توقعات السوق إلى فرص واسعة أمام مزودي الخدمات اللوجستية الذين يمكنهم تقديم حلول متكاملة تشمل التخزين، والنقل، والمراقبة، لا سيما تلك الشركات التي تستفيد من التكنولوجيا وتحقيق كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية، ما يمثل أولوية متزايدة في ظل تركيز متنامٍ على الاستدامة.
ومع ذلك يواجه القطاع تحديات عدة، أبرزها الظروف المناخية القاسية في المنطقة، التي تفرض تكاليف تشغيل مرتفعة، والحاجة إلى تطوير مهارات القوى العاملة المتخصصة في إدارة السلاسل الباردة. ويمثل سوق لوجستيات سلسلة التبريد في الإمارات قصة نمو مستدامة، مدعومة بالابتكار التكنولوجي، وتوسع التجارة الإلكترونية، وزيادة الطلب على المنتجات الحساسة للحرارة، إضافة إلى الدعم الحكومي القوي والبنية التحتية المتقدمة.
أخبار متعلقة :