الارشيف / حال قطر

صوم رمضان.. قيم إيمانية ومقاصد تربوية لطلابنا

الدوحة - سيف الحموري - يعتبر شهر رمضان المبارك مدرسة تربوية فريدة وفرصة سنوية للهداية والمتاجرة مع الله لأجل مضاعفة الحسنات ونيل الثواب والأجر الوفير.
وفي هذا الشهر الفضيل يستشعر المسلم حاجة أخيه المسلم، وتتجلى معاني التكافل والتضامن الإسلامي في أعلى صورها ومضامينها، وهو ما يشيع بين المسلمين في شتى بقاع الأرض من خلال هذه المقاصد التربوية والروحية والاجتماعية للشهر الكريم، روح الأخوة والقيم الإسلامية والأخلاقية الحقة.
وتسمو النفس البشرية المسلمة وتترفع في الشهر الكريم عن الشواغل والهموم الدنيوية، وتتجه نحو خالقها طاعة وعملا مخلصا، وتمسكا بالفضائل والابتعاد عن كل ما يخدش الصيام، وهو ما يتجسد بالفعل في عبارة «اللهم إني صائم» باعتبارها دافعا نحو التسامح والحلم والبعد عن أي إساءات واستفزازات تجنب الوقوع في الذنوب والخطايا والرفث واللغو والجهل وغير ذلك من مفاسد الصيام صغيرة كانت أو كبيرة.
ولا شك أن هذه الأجواء الإيمانية الرمضانية ستنعكس آثارها تربويا إيجابا على الأبناء من النشء وطلاب المدارس والتلاميذ الذين يعايشونها على مدى شهر كامل، ويجدون في أولياء أمورهم ومعلميهم القدوة الحسنة لاستلهام المعاني التربوية السامية للشهر الفضيل، لا سيما عند ذهابهم للمساجد واستماعهم إلى أحاديث الأئمة عن فضائل شهر رمضان، فضلا عن مصاحبة ذويهم لأداء صلاة التراويح التي تعد ملتقى تربويا سنويا ليس فقط بكثرة التلاوة والركعات، وإنما عبر الإحساس القوي بنفس مطمئنة وإيمان راسخ بفضائل الشهر المعظم، وبالأخوة والرحمة والمحبة التي تزيد رباط المسلمين بخالقهم ومع بعضهم.
وبالتأكيد فإن صيام الشهر الكريم إن كان فرضا على الطلاب ممن بلغوا سن التكليف، فإنه ليس واجبا على من هم في سن أقل من ذلك، حيث يتوجب في هذه الحالة فقط تشجيعهم على الصيام تدريجيا وحسب العمر حفاظا على صحتهم ومراعاة لمرحلة النمو التي يمرون بها.

مقاصد تربوية 
وفي هذا السياق، أكدت السيدة مريم نعمان العمادي مديرة إدارة التوجيه التربوي بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، على المقاصد التربوية والقيم الإيمانية لشهر رمضان الكريم في نفوس الأبناء الطلاب، كونه من الأشهر الفضيلة التي أكرم الله تعالى بها عباده المسلمين وأمرهم باستغلاله في جوانب حياتهم كلها بالعمل الصالح والإكثار من الطاعات.
وأضافت أن «نظرة تأمل في شعائر هذا الشهر الكريم نجد فيها رسائل لكل فئة من فئات المجتمع، تضيء سبلا ترشد كل ذي فكر رشيد للمساهمة في بناء المجتمع الإسلامي على أسس متينة قوية مستمدة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم».
ونوهت العمادي في سياق ذي صلة، بأن أهم فئة من فئات المجتمع الأبناء الطلاب على اختلاف مراحلهم العمرية وتوجهاتهم وتخصصاتهم الدراسية، مؤكدة أن شهر رمضان يعد مدرسة يتوجب الانطلاق منها نحو غرس قيم الإيجابية والتفاعلية والمسؤولية في نفوسهم. ولفتت إلى أن هذه القيم حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تمكينها في نفوس الشباب المسلم، فكان منهم علي وعائشة ومصعب ومعاذ وغيرهم رضي الله عنهم من صحابته.
وأوضحت مديرة إدارة التوجيه التربوي بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، أن الإدارة تعمل من خلال الميدان التربوي على تصحيح نظرة البعض لشهر رمضان الكريم من خلال توجيه معلمي ومعلمات التربية الإسلامية بتعظيم فريضة الصيام في نفوس الأبناء الطلاب، وبأنه شهر الإنجازات بالنسبة للمسلمين، وفيه كانت أهم انتصاراتهم في بدر وفتح مكة ومعركة حطين وغيرها.
وتابعت «لا يظن البعض أن رمضان هو شهر الكسل والنوم والطعام والشراب والسهر على أمور تهدر الوقت فيما لا فائدة منه»، وقالت إنه من هذا المنطلق يحرص كل معلم ومعلمة على تعزيز قيم المبادرة والإيجابية في نفوس الطلاب من خلال تنظيم أوقاتهم ووضع جدول للدراسة يتناسب مع يوم رمضان، يبدأ من السحور، واستغلال وقت البكور الذي حض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على تحصيل بركته، فضلا عن تعظيم قيم الصبر في نفوسهم، وبينت أن من يصبر على ترك الطعام والشراب من الفجر إلى الغروب متحديا شهوات نفسه، لا بد أن يكون قادرا على ضبط هذه الشهوات التي تلهيه عن دراسته في رمضان وغيره، ليصبح الشهر الفضيل نقطة انطلاق جديدة لعزيمة أقوى بعده.

قيم سمحة 
وذكرت أن من القيم الرمضانية السمحة والإيجابية التي تحرص الإدارة على تمكينها وغرسها في نفوس الأبناء الطلاب، تنمية روح التكافل الاجتماعي من خلال الشعور بالآخرين، وصلة الأرحام وتقدير نعم الله تعالى على الجميع «وهذا ما لمسناه عندما أطلقنا مبادرة التطوع في موائد رمضان بالتعاون مع قطر الخيرية التي أثبت طلابنا من خلالها حبهم للخير وعزيمتهم القوية في خدمة أبناء مجتمعهم، فكانوا في أوائل الصفوف يقدمون خدماتهم بحماس واندفاع الشباب المؤمن المحب لمجتمعه».
وقالت إن إدارة التوجيه التربوي أكدت من خلال نشاط «بالقرآن مهرة» في المدارس، أن القرآن الكريم الذي يقبل عليه الجميع في شهر رمضان موجود بعد رمضان، وأنه مجال للتنافس يتميز فيه المجتهد من غيره، وأنه الكتاب العظيم الذي يرفع أصحابه في كل حين. ومضت قائلة «لمسنا من خلال الميدان التربوي أن الصيام لم ولن يكون عائقا أمام العمل والجد والاجتهاد، بل على العكس تماما فهو فرصة لتجديد العزم والعهد مع الله تعالى وشحذ الهمم، وكلها قيم تربوية إيجابية وإيمانية تفيد الطلاب والمجتمع عموما».

تعويد علي العبادة 
أكد السيد محمد عبدالله المراغي مدير إدارة الصحة والسلامة بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي على الفوائد التربوية لصيام الطلاب في شهر رمضان المبارك حسب الاستطاعة والبنية الجسدية والحالة الصحية، منوها بضرورة مراعاة التدرج في الصيام لغير المكلفين منهم من خلال تحفيزهم للصيام لساعات محددة أو نصف يوم أو يوم كامل تشجيعا وتعويدا لهم على أهمية هذه العبادة وحرمتها، دون إجبار الصغار منهم على الصيام وهم في هذا المرحلة العمرية.
وشدد المراغي على الأهداف التربوية التي يكتسبها طلاب وتلاميذ المدارس والنشء والشباب عموما من الصيام، لا سيما من حيث الصبر وصلة الرحم وتعظيم حرمات الشهر الفضيل، والإلمام بقيم التسامح والترابط والتراحم والتكافل والجود والإنفاق، والتربية منذ الصغر على حب المسجد وتلاوة وتدارس القرآن الكريم والخلوة مع الله ومطالعة السيرة النبوية الشريفة، مذكرا بأن كل هذه المقاصد التربوية تؤكد أن شهر رمضان ليس فقط شهر للصيام بل هو فرصة لغرس هذه القيم التربوية في نفوس الأبناء، وكذا تغيير الكثير من السلوكيات على الصعيد الشخصي أو من حيث التعامل مع المسلمين وتعميق الأخوة الإسلامية الحقة.

نصائح مهمة 
وقدم مدير إدارة الصحة والسلامة بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي جملة من النصائح للأبناء الصائمين والتي تحفظ صحتهم وتساعدهم على استذكار دروسهم خاصة عند تزامن الدراسة مع شهر رمضان، ومن ذلك تأكد أولياء الأمور من صحة وسلامة أبنائهم وخلوهم من الأمراض مثل الإصابة بالسكري أو أمراض الكلي وغيرها لا سمح الله، وضرورة مراجعة الطبيب في مثل هذه الحالات. كما نوه بأهمية تجنب الإرهاق والتعب خاصة عند حلول الشهر الفضيل وتزامنه مع الدراسة، وأيضا تناول وجبة السحور والإكثار من السوائل منعا للجفاف، والحرص على الطعام الصحي المتوازن خلال الشهر الكريم وتنظيم الوقت بالنسبة للاستذكار والنوم والاستيقاظ وممارسة أي نشاط رياضي لوقت قصير. ولا شك أن الجميع علماء وإعلاميين وتربويين مدركون تماما لأهمية العمل لترسيخ وتكريس المعاني الإيمانية والروحية المتزايدة في هذا الشهر الفضيل لدى المجتمع وبالأخص لدى الأبناء الطلاب، والحرص على إبراز مقاصد التقوى حين يقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)).

Advertisements

قد تقرأ أيضا