أمام منتدى الابتكار القيادي.. وزير الدولة بالخارجية: قطر جعلت من الحوار مبدأً إستراتيجيًا

الدوحة - سيف الحموري - تحت رعاية سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيس مجلس إدارة مركز قطر للقيادات، نظم المركز، أمس، النسخة الثانية من منتدى الابتكار القيادي 2025 تحت شعار «فنّ اتخاذ القرار»، في فندق رافلز – قاعة كتارا.
حضر الجلسة الافتتاحية للمنتدى سعادة الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن حسن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون الدفاع، وعدد من الوزراء والمسؤولين.
ويأتي المنتدى هذا العام امتدادًا للنجاح الذي حققته النسخة الأولى في عام 2024، ليواصل ترسيخ مكانته كمنصة وطنية رائدة جمعت بين القيادات الواعدة والخبراء وصنّاع القرار من مختلف القطاعات، لاستكشاف أساليب التفكير القيادي في المواقف المهمة، وتسليط الضوء على القرارات التي تصنع الفارق في مسارات النجاح والتميّز. 
وشهد المنتدى حضورًا مهمًا يتجاوز 800 مشارك من كبار الشخصيات وأصحاب السعادة الوزراء والمتحدثين والخبراء من مختلف القطاعات، إلى جانب خريجي مركز قطر للقيادات والقيادات اليافعة في الدولة. كما خُصص جناح لخريجي البرامج الوطنية لعرض قصص نجاحهم وتجاربهم الملهمة، بما عزّز التواصل بين الأجيال القيادية وحفّز الشباب على تبنّي ممارسات القيادة الواعية والمسؤولة.

Advertisements


وألقى سعادة الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي، وزير الدولة بوزارة الخارجية، كلمة تناول فيها مفهوم اتخاذ القرار من منظور إنساني ودبلوماسي، وقال سعادته: نقف معًا عند موضوع جوهري يتخلل تفاصيل حياتنا اليومية، ويشكّل حجر الزاوية في مسيرتنا المهنية والقيادية، بل وفي بناء المجتمعات وصياغة السياسات، ألا وهو فن اتخاذ القرار، فالقرار في جوهره ليس مجرد استجابة ظرفية، بل هو تعبير عن الذات، وانعكاس لمستوى نضجها وعمق وعيها وصدق التزامها، إنه ممارسة إنسانية عميقة تتقاطع فيها الحكمة مع الحدس، والعقل مع التجربة، والبصيرة مع المسؤولية، ومن هنا لا يعد اتخاذ القرار امتيازًا يختص به القادة وحدهم، بل يصبح مسؤولية مشتركة تتطلب وعيًا متجددًا، وقدرة على التقدير، واستعدادًا لتحمل التبعات.
وأضاف: في عالمٍ تتشابك فيه الأزمات، وتتعاظم فيه الحاجة إلى صوت العقل، تبرز لحظات فارقة تختبر فيها التجربة، وتُستدعى فيها الحكمة، ويُصاغ فيها القرار تحت ضغط الزمن وتعدد المصالح، أتذكر جيدًا إحدى تلك اللحظات التي وضعتني أمام اختبارٍ حقيقي خلال ممارسة وساطة في نزاعٍ معقد، غابت فيه الثقة، وتباعدت فيه المواقف، وتشابكت فيه الأبعاد الإنسانية والسياسية، لم تكن الصورة مكتملة، ولم تكن الخيارات مضمونة، لكن كان لابد من اتخاذ موقف لا يحتمل التأجيل، ولا يقبل التسرع.
وتابع د. الخليفي: كان القرار بين التريث الذي قد يُفسَّر تراجعًا عن المبادرة، أو التحرك السريع الذي قد يُفهم استعجالًا في طرح الحلول، في مثل هذه اللحظات، لا يكون القرار مجرد إجراء دبلوماسي، بل مسؤولية أخلاقية ومفترق بين التهدئة أو التصعيد، وبين بناء الجسور أو ترسيخ القطيعة، استحضرت حينها قوله تعالى: “فإذا عزمت فتوكل على الله»، فكان التوكل هو البوصلة، والاستشارة هي المنهج، والعزم هو السبيل، جمعتُ الفريق، واستعرضنا السيناريوهات، واستمعنا إلى وجهات النظر من مختلف الجهات، ثم اتخذنا القرار مستندين إلى المبادئ التي تؤمن بالحوار، وإلى رؤية ترى في الوساطة أداة للسلام، لا مجرد وسيلة لإدارة الأزمات.
وأوضح أن إحدى قواعد فن اتخاذ القرار في العمل الدبلوماسي: الموازنة بين الحدس السياسي والتحليل الاستراتيجي، فالحدس في سياق الوساطة هو استشعار اللحظة المناسبة، وفهم ما لا يُقال، والتقاط الإشارات الخفية في لغة الأطراف، أما التحليل فهو قراءة المعطيات، وتقدير المخاطر، وبناء السيناريوهات الواقعية، ومن لا يجمع بين الحدس والتحليل قد يفوّت فرصةً تاريخية للسلام.
وأكد أن ما يجعل من القرار في مجال الوساطة فعلًا مركبًا يتطلب بصيرة ومرونة وثباتًا على المبادئ، دون أن يغيب عنه الحسّ الواقعي، ومن أبرز التحديات التي تواجه متخذ القرار اليوم، هي القدرة على اتخاذ قرارات واثقة في ظل الغموض أو نقص المعلومات، في وقتٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك المصالح لا يمكن أن تتضح الصورة دائمًا، بل لا بد من التحرك بثقة، مستندين إلى المبادئ لا إلى الانفعالات.
وأشار إلى أن المبادئ القانونية نصت على أن السلطة تقابلها مسؤولية، والقرار لا يُبرَّر بالجهل، بل يُحاسب على أثره، وهذا ما يجعل من كل قرار فعلًا أخلاقيًا، لا مجرد إجراءٍ إداري، لهذا تبرز أهمية الوعي بالتقسيمات الشخصية والمؤسسية، فالقرار لا يُتخذ في فراغ، بل يتأثر بثقافة المؤسسة، وتاريخ التجربة، والسياق المحيط بها.
وقال د. الخليفي: لا بد من الربط بين اتخاذ القرار والقيادة التحويلية، تلك التي لا تكتفي بإدارة الواقع، بل تسعى إلى تغييره، فالقائد هنا هو من يتخذ قرارات جزئية تُحدث أثرًا، وتُلهم من حوله، وتعيد تشكيل البيئة نحو الأفضل، ليصبح القرار أداةً للتغيير لا مجرد استجابة للتغيّرات. إن القرارات السابقة هي معلمنا الأول، فمن لم يتأمل في قراراته الماضية، لن يُحسن قراراته القادمة، وقد قيل في الحكمة: من لم يعتبر بأمسه، لم يُحسن تدبير يومه، ولن يُبصر غده، وفي العمل السياسي تتضاعف أهمية القرار، لأنه لا ينعكس على فردٍ أو مؤسسة، بل على الشعوب ومسارات الدول.
وأضاف: أثبتت التجربة القطرية أن القرار السياسي الناجح لا يُقاس فقط بنتائجه الآنية، بل بقدرته على بناء الثقة، وتوسيع دائرة التفاهم، وتثبيت القيم، لقد جعلت دولة قطر من الحوار مبدأً استراتيجيًا، ومن التوازن منهجًا، ومن اتخاذ القرار أداةً لصناعة السلام وحل النزاعات، وفي هذا السياق تتجلّى فلسفة السياسة الخارجية القطرية في مقولةٍ تعبّر عن جوهر نهجها الرشيد: “السياسة ليست فن الممكن فحسب، بل فن الإخلاص للمبادئ في عالمٍ متغير.”، فهي سياسة تنطلق من ثوابت أخلاقية، وتتحرك بمرونةٍ واقعية، وتضع الإنسان والمصلحة العامة في قلب القرار.
ونوه إلى أن من أبرز الأمثلة على الدور القطري في الوساطات الإقليمية والدولية، حيث يصبح القرار تعبيرًا عن التزامٍ إنساني، ورؤيةٍ استراتيجية، وإيمانٍ عميق بأن السلام ليست غايةً بعيدة، بل خيارًا يوميًا يتجدد مع كل موقف، مشيراً إلى أن فن اتخاذ القرار لا يعني غياب الخطأ، بل يعني أن الخطأ نفسه يصبح فرصةً للتعلم، لا مدعاةً للجمود أو التردد، فالقرار الجيد لا يُقاس بغياب الندم، بل بصدق النية، وسلامة المنهج، واستعداد صاحبه لتحمّل التبعات.

عبدالله البنعلي: المنتدى منصة ملهمة للخبرات القيادية

في كلمته خلال المنتدى، أكّد السيد عبدالله محمد خليفة البنعلي، المدير العام لمركز قطر للقيادات، أن المنتدى شكّل منصة ملهمة لتبادل الخبرات القيادية وتعزيز مهارة اتخاذ القرار كإحدى الركائز الأساسية للقيادة الحديثة، موضحًا أن قدرة القائد على اتخاذ قرارات استراتيجية مسؤولة تجمع بين الرؤية المستقبلية والمعرفة المستندة إلى البيانات تمثل جوهر القيادة في عصر سريع التغير. وأضاف أن مركز قطر للقيادات، منذ تأسيسه عام 2008، يواصل العمل على تطوير القيادات الوطنية وتوسيع آفاقها عبر البرامج والمبادرات النوعية، مشيرًا إلى أن المنتدى يعكس هذا النهج من خلال الجلسات والورش التفاعلية التي تناولت محاور القيادة في التكنولوجيا، والصحة، والرياضة، والمجتمع، والأسرة.
وركّز المنتدى في نسخته الثانية على أبعاد القيادة من منظور فنّ اتخاذ القرار، من خلال جلسات رئيسية وتفاعلية جمعت بين الخبرة والممارسة والإلهام، أبرزها:
القيادة في الرياضة – وسلّطت الضوء على قيمة التعاون والعمل الجماعي في البيئات التنافسية عالية الضغط، وكيف تساهم القرارات المشتركة وروح الفريق في تحقيق النجاح وتعزيز ثقافة القيادة التعاونية.
فيما تناولت الجلسات، القيادة الطبية بين الوقاية والدقة – تناولت القرارات الحاسمة في الطب الحديث وأثرها في إنقاذ الأرواح وتعزيز الاستجابة في البيئات الصحية المتغيرة،والقيادة في البيت – اللبنة الأولى في بناء القيادات – ركّزت على دور الأسرة والمجلس القطري في غرس قيم القيادة والمسؤولية والمبادرة في النشء.
، وشملت الجلسات، بادر بالقيادة – من الفكرة إلى التطبيق – وهي جلسة تفاعلية أتيح للحضور خلالها المشاركة الفعلية في محاكاة عملية اتخاذ القرار عبر أدوات رقمية حديثة.
واستعرضت جلسة من الإرث إلى بناء المستقبل، التحول من المحافظة على الإرث العائلي أو المؤسسي إلى تطويره وتعظيم أثره عبر قرارات قيادية واعية تضمن استدامة المنجزات.
كما تضمن المنتدى جلسات جانبية وورش عمل تفاعلية، من أبرزها:القيادة وتمكين الشباب – إعداد جيل مبتكر من قادة المستقبل، وهل تتقبلني؟ التي ناقشت أثر الخوف من الرفض على اتخاذ القرار، والتكنولوجيا والتشريعات – قرارات مرنة في عالم متسارع النمو التي بحثت التوازن بين الابتكار والمسؤولية الأخلاقية في العصر الرقمي.

أخبار متعلقة :