دبي - هبه الوهالي - لم تكن جماهير فريق الاتحاد الأول لكرة القدم تصدق أن الكرة الرأسية التي أطلقها البرتغالي دانيلو بيريرا لم تسكن شباك الأهلي في ليلة الديربي التي امتدت فيها أيادي العملاق السنغالي إدوارد ميندي حارس أخضر جدة مثل أخطبوط عملاق، أطراف أصابعه تلامس الكرة قبل أن تعانق الشباك، فترتد بعيدًا، كأنها رفضت مصيرها المحتوم، انتهت المباراة بفوز الأهلي بهدف وحيد سجله رياض محرز في الدقيقة الخامسة والخمسين، لكن التصدي الأخير كان العنوان الأبرز لديربي العروس.
لم يكن ميندي يقف وحيدًا أمام المرمى، بل كان يحمل على كتفيه تاريخًا طويلًا من الانتظار والصبر، بدأ في أكاديمية لو هافر الفرنسية، ثم هبط إلى شيربورج في الدرجة الثالثة، قضى أشهرًا بلا نادٍ، يتدرب لوحده تحت سماء باردة، حتى فتح له رينز بابًا صغيرًا عام 2018، هناك، في ثمانية وثلاثين مباراة، بنى سمعته بأربعة عشر شباكًا نظيفة، ثم انتقل إلى رين، وفي أول ظهور رسمي، أنقذ ركلة ترجيح أمام ستراسبورج، كأن القدر يختبره منذ اللحظة الأولى، مع تشيلسي، رفع كأس دوري أبطال أوروبا 2021، بعد أن صد ركلات مانشستر سيتي في النهائي، ومع السنغال، قاد بلاده إلى لقب أمم إفريقيا 2021، يصد ركلة مصر الحاسمة، ويحصل على جائزة أفضل حارس في القارة.
في جدة، منذ صيف 2023، أصبح ميندي جزءًا من نسيج الأهلي، ولعب أربعة وثلاثين مباراة في موسمه الأول، وخرج بشباك نظيفة من 15 مواجهة، ووصل بالفريق إلى المركز الثاني في سلم الترتيب، ثم في مايو 2025، رفع كأس دوري أبطال آسيا للنخبة أمام كاواساكي فرونتال، وفي أغسطس، حقق مع زملائه كأس السوبر السعودي بركلات الترجيح أمام النصر، وأنقذ الركلة الرابعة بهدوء يخالف صخب الملعب.
في تلك الدقيقة الأخيرة من الديربي، لم يكن ميندي يدافع عن مرمى فقط، بل عن نقاط ثمينة رفعت الأهلي إلى المركز الخامس بعشرين نقطة، بينما بقي الاتحاد في الثامن، خمس مباريات بلا فوز، الجماهير خمسون ألفًا منهم شهدوا اللحظة، أنفاس محبوسة، قلوب تتسارع، ثم تنفجر فرحًا، ميندي لم يبتسم، لم يحتفل، فقط التفت إلى زملائه، رفع يده بإشارة هادئة، كمن أنهى مهمة يعرفها جيدًا، من لو هافر إلى رين، من لندن إلى جدة، من الدرجات الدنيا إلى منصات التتويج، ظل ميندي صامتًا بين الشباك، يروي قصته بكل كرة يمنعها، وكل لحظة يحول فيها الخطر إلى أمان.
