ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 20 سبتمبر 2025 02:30 صباحاً - «ليس مسؤولاً من يخاف التغيير ولا يملك شجاعة القرار».. يحدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ملامح المسؤول الناجح في مدرسته القيادية، مؤكداً سموه أن القائد الحقيقي من يتحمل المسؤولية، حتى لو تهرب منها الناس.. المسؤولية قوة عظمى لا يحملها إلا الكبار.
وفي الجزء الأول من كتابه الجديد «علمتني الحياة» يضع سموه بين أيدي القادة والمسؤولين والأفراد مفاتيح النجاح والتميز بخبرة 60 عاماً من التحديات والإنجازات والأزمات والأفراح والمفاجآت.
كيف تفقد الدول حيويتها؟ هل تشيخ الدول والحكومات؟ وهل يمكن أن تذبل وتنطفئ؟ لماذا تتراجع بعض الأمم؟ في حين تنطلق دول أخرى بمسار مستمر من التطور والإنجاز؟..
عبر إجابات تفصيلية عن هذه الأسئلة المهمة يكشف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن خمسة أسباب وراء فقدان الأمم لمكاسبها، وتراجع نفوذها وحيويتها، ويقول سموه: «العبقرية هي في التكيف.. البقاء ليس للأصلح ولا للأقوى، ولكن للأكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات التقنية والمتغيرات الاقتصادية والمتغيرات السياسية».ويضع سموه تعريفاً جديداً للوطن:
«ليس حدوداً جغرافية، ولا هياكل سياسية، ولا شعارات عاطفية، ولا رموزاً وطنية، بل القلب الذي ينبض في الصدر.. لا حياة بدونه ولا كرامة بغيره ولا عزة إلا من خلاله».
مؤكداً سموه أن الولاء للوطن هو احترام لدستوره، وتقديس لعَلَمه ورمز عزته، والتزام بقوانينه، وحفاظ على جميع مكتسباته، وهو ولاء لقيادته، وثقة في إخلاصهم وتفانيهم وتضحياتهم، وانقياد لطاعتهم، وسعي لتحقيق رؤيتهم، والتفاف حولهم في الشدة والرخاء.
كيف تفقد الدول حيويتها؟ هل تشيخ الدول والحكومات؟ وهل يمكن أن تذبل وتنطفئ؟ لماذا تتراجع بعض الأمم؟ في حين تنطلق دول أخرى بمسار مستمر من التطور والإنجاز؟
لا بد أن يكون لدينا الوعي حول كيفية فقدان الأمم لمكاسبها، وتراجع نفوذها، وفقدان حيويتها، لأن فهمنا لدورة حياة الحكومات والدول مفتاح لمقاومة التراجع، وعامل أساسي في الحفاظ على المكاسب.
ولعلي أضع هنا خمسة أسباب سريعة من قراءاتي لتجارب الدول وخبرات السنين:
السبب الأول للتراجع: ضعف القدرة على التكيف مع المتغيرات بكافة أنواعها. العالم يتغير بسرعة كبيرة، وعدم التكيف جمود وتراجع وتخلف.
العبقرية هي في التكيف.. البقاء ليس للأصلح ولا للأقوى، ولكن للأكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات التقنية والمتغيرات الاقتصادية والمتغيرات السياسية وغيرها.
القيادة التي تملك الوعي بحجم المتغيرات حولها وسرعة التطورات في كافة المجالات، ولديها القدرة على المواكبة، هي القيادة التي تحافظ على حيوية دولها، المرونة في عالم مليء بالتحديات والفرص ليست فقط وسيلة للتفوّق، بل أساساً للبقاء والاستمرار.
السبب الثاني: التصلب والجمود البيروقراطي في المؤسسات الحكومية، فمع مرور السنين وتبدل الأحوال تبدأ بعض المؤسسات الحكومية بالتفكير في بقائها أكثر من التفكير في القيمة التي تضيفها للمجتمع، فتكون أنظمتها مقدسة وغير قابلة للنقاش.
وتحاول أن يظل دورها أساسياً في دورة الحياة الحكومية، حتى لو تجاوزها الزمن، وتجاوزتها التقنيات الحديثة. والقائد الواعي هو الذي يتميز بالمرونة الإدارية الكافية لكسر هذه البيروقراطية، وتحريك الموارد وتفكيك المؤسسات التي يمكن أن تقف عقبة في طريق التطور والتقدم السريع.
العامل الثالث لذبول الحكومات وتراجع الدول: الإهمال الاقتصادي، والجمود في تطوير حركة وإبداع وحيوية القطاع الخاص.
الاقتصاد هو شريان الحياة في الدول، وعلى قدر صحة وحيوية هذا الشريان تكون صحة وحيوية الدولة. الاقتصاد يعني الحياة الكريمة للبشر، ويعني التجديد المستمر، ويعني البناء المتواصل في شكل وطريقة الحياة. والقائد الذي لا يضع الاقتصاد أولاً وقبل كل شيء، يضع بلاده على مسار أكيد من التراجع والانكفاء والجمود.
العامل الرابع للتراجع: ضعف النخبة القيادية في الحكومات. الحكومة هي رأس الدولة، ولا بد أن يضم الرأس أفضل العقول وأقوى الكفاءات وأذكى الأفكار، لذلك فإن الاستثمار في القيادات والدماء الشابة بشكل مستمر هو الاستثمار الأفضل والأهم في مستقبل الدول. عندما تبدأ الدول في وضع قيادات حكومية بناء على المجاملات والولاءات الشخصية والمحسوبيات، فاعلم أنها في الطريق السريع للتراجع.
السبب الخامس لتراجع الدول هو الفساد، وهو السرطان الذي يأكل الإنجازات، ويقضي على طموحات الشباب، ويطرد الاستثمارات، وينخر في الجسد من الداخل.
لذلك القائد الحقيقي هو الذي يتأكد من هندسة هياكل الدولة بطريقة تضمن مكافحة هذه الآفة، ووضع آليات في كافة مفاصلها لترسيخ العدالة، وبما يضمن أن تكون المساءلة والمحاسبة هي الثقافة السائدة.. لأنه بدون محاسبة لن يشعر أحد بالمسؤولية، وبالمحاسبة تترسخ الثقة في الحكومات، ويتعزز الأداء، ويسود الاستقرار.
علّمتني الحياة أن الركون للنجاح بداية للفشل، وأن غرور الإنجاز سبيل للتراجع، وأن الأمم العاقلة هي التي تجدد نشاطها، وتراجع مُسلَّماتها، وتواجه أخطاءها بكل جرأة للحفاظ على حيويتها وشبابها.

ليس مسؤولاً
يقولون فلان «مسؤول كبير»..
وأقول ليس كل مسؤول كبيراً..
لأن المسؤولية شجاعة وقيادة وأمانة.
ليس مسؤولاً من يهرب من تحمل النتائج..
وليس مسؤولاً من يخاف التغيير ولا يملك شجاعة القرار..
وليس مسؤولاً من يحمّل الآخرين مسؤوليات لا يستطيع هو تحمّلها.
المسؤولية قوة عظمى لا يحملها إلا الكبار.
يخلط البعض بين المنصب والمسؤولية.
وأقول: ليس كل صاحب منصب مسؤولاً، المسؤول الحقيقي هو القائد الذي يتشرف المنصب به.
القيادة هي القدرة على تحمل المسؤولية، والقائد الحقيقي هو من يتحمل المسؤولية، حتى لو تهرب منها الناس.
المسؤولية الحقيقية هي أن تفعل ما يجب أن تفعله حتى إن لم يرك أحد.
المسؤولية الحقيقية هي أن تكون مسؤولاً ليس فقط عن ما فعلته.. ولكن عما لم تفعله أيضاً.
المسؤولية الحقيقية هي أن لا تكون مسؤولاً عن نجاحك فقط.. ولكن عن نجاح غيرك أيضاً.
علّمتني الحياة أن أولى خطوات النضج عندما يبدأ الإنسان بتحمل مسؤولياته، حتى يصبح قائداً حقيقياً يستطيع حمل مسؤولية أسرته، وهذه مسؤولية كبرى، أو حمل مسؤولية مجتمعه.. ووطنه.. وأمته..
وهذه الأمانة الحقيقية التي أبت السماوات والأرض والجبال أن تحملها.
* حاولت التركيز في هذا الكتاب على التجربة الإنسانية، على فهم نفسي، وفهم البشر من حولي.. وفهم الحياة التي حددت مسيرتي. حاولت التركيز على الأفكار، والمفاهيم والمبادئ، وليس على المشروعات والمنجزات، لأن الأفكار أدوم.. والمفاهيم أشمل..والمبادئ أعظم.
* علّمتني الحياة أن الأمم كالأشخاص، لها وعي وعقل جمعي، وثقافة واحدة مشتركة. الأمم تتفاءل وتتشاءم، وتكبو وتنهض، ويرفعها الأمل، ويدمرها اليأس والقنوط. ودور القادة ليس قيادة التنمية المادية فقط.. بل أيضاً إدارة الروح المعنوية للأمة، وتعزيز ثقتها بالله، وإيمانها بقدراتها، وأملها بمستقبل أجمل وأفضل.
* شتان بين من يفكّر ويحلم بلغة تحمل ملايين المفردات، وتحمل آلاف القصص الموروثة، وتحمل أمثالنا الوطنية، وعمقنا الثقافي والحضاري..وبين من يفكّر ويحلم بلغة غريبة عنا، تحمل ثقافة أخرى، وموروثاً مختلفاً، ومشاعر غريبة.. لا تعكس روحنا ولا حقيقة وجداننا.
*أتينا دون شيء، وسنذهب بدون شيء.
في رحلة هي كالحلم..
تعلمت أن لا أثقل نفسي أثناء هذه الرحلة..
لا أثقل نفسي بالهموم.. لا أثقل نفسي بالقلق والمخاوف.. لا أثقل نفسي بالتعلق بالأشياء.. لأن الأشياء سوف تُنسى.. والآثار سوف تُمحى.. والذكريات سوف تذوي وتنتهي.
اقرأ أيضاً:
الـولاء
علّمتني الحياة
لمشاهده PDF
«علمتني الحياة».. صفحات تشع بنور الحكمة