حال الإمارات

الإمارات والرباعية الدولية.. جهود جبارة لإنقاذ السودان

الإمارات والرباعية الدولية.. جهود جبارة لإنقاذ السودان

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 21 ديسمبر 2025 11:36 مساءً - وضع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، مدى زمنياً لنهاية العام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، وهي المرة الأولى التي تحدد فيها الإدارة الأمريكية مواقيت زمنية أمام طرفي النزاع؛ الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» منذ إعلان تدخل واشنطن بقوة في هذا الملف. وتوقع خبراء أن تتكثف تحركات «الرباعية» بقيادة دولة في الأيام المقبلة سواء عبر اتصالات مباشرة أم غير مباشرة مع طرفي النزاع لضمان تنفيذ الهدنة فوراً. وتنص الخريطة على وقف فوري لإطلاق النار دون شروط، وتطوير الهدنة إلى وقف دائم، ثم الانتقال إلى عملية سياسية تؤدي إلى حكم مدني.

وتظهر المهلة الزمنية التي أعلنتها واشنطن اتجاهاً أكثر صرامة في تعامل الإدارة الأمريكية مع الحرب في السودان، في محاولة لفرض مسار إنساني عاجل قبل بداية العام الجديد.

على وقع الحرب السودانية التي تجاوزت عامها الثاني، ومع تعاظم الكلفة الإنسانية والانهيار الخدمي والاقتصادي، تتقدم الإمارات والرباعية الدولية بوضوح نحو هدف واحد: وقف نزيف الدم السوداني ووضع البلاد على طريق حل سياسي قابل للحياة. هذا التحرك لا يأتي في سياق اصطفاف مع طرف أو محاولة لفرض معادلة قسرية، وإنما في إطار رؤية قائمة على أن السودان بلد منكوب يحتاج إلى من يقف بجانبه، لا من يزيد اشتعال ساحته.

ولهذا كان انخراط الإمارات ضمن اللجنة الرباعية الدولية — التي تضم أيضاً ومصر والولايات المتحدة — محورياً في بناء جسر بين المقاربة الإنسانية العاجلة والمسار السياسي طويل الأمد.

ومع كل يوم يمر، ومع تزايد الضحايا وتهجير المدنيين وتدهور البنية التحتية، تتأكد أهمية دور الرباعية بمشاركة الإمارات الذي يتجاوز حدود التدخل الدبلوماسي التقليدي، إلى مبادرات إنسانية وضغط سياسي وتواصل متوازن يهدف جميعه إلى إعادة السودان إلى مسار الدولة السلمية المستقرة.

وفي هذا المشهد المضطرب، تتجلى أهمية الرباعية الدولية كإطار متماسك قادر على ترجمة التحركات الإنسانية والسياسية إلى خطوات عملية تؤدي إلى استقرار دائم، حيث يصبح الحل السياسي الشامل هو الطريق الوحيد أمام السودانيين لإنهاء نزيف الحرب واستعادة المستقبل.

مسار شامل

يرى خبراء ومحللون سياسيون أن الإمارات انخرطت منذ بداية تصاعد النزاع في حراك دبلوماسي وإغاثي موسّع، محاولة الاستجابة لمأساة السودان بمقاربة سلام حقيقية وواقعية.

ويؤكد هؤلاء أن هذا الحراك يعكس إدراك الإمارات العميق بأن الحل العسكري لا يمكن أن ينهي الصراع، وأن الطريق الوحيد أمام السودان هو وقف إطلاق النار وبدء مسار سياسي شامل يشارك فيه جميع القوى السودانية.

ويعتبرون أن دور الإمارات ضمن اللجنة الرباعية الدولية يجعلها إحدى الركائز الأساسية في السعي نحو تهدئة النزاع، وتوفير بيئة مواتية للحوار، بعيداً عن أي اصطفافات أو أجندات طرفية.

ويشير المحللون إلى أن الدبلوماسية الإماراتية ومنذ منتصف 2025 تحولت من موقع المراقب إلى طرف فاعل يعكس وعيها بأن استمرار القتال لا يخدم أحداً، وأن الحلول العسكرية لن تحقق استقراراً دائماً. ويؤكد محللون أن الإمارات قامت بمبادرات إنسانية ودبلوماسية مهمة عدة، منها إنشاء جسور جوية لإيصال المساعدات الغذائية والطبية، دعم خطط إعادة النازحين، والضغط على الأطراف لفتح ممرات إنسانية آمنة.

ويضيف الخبراء أن هذه المبادرات لم تقتصر على الجانب الإغاثي، بل شملت جهوداً دبلوماسية نشطة لضمان ألا يتم استغلال المساعدات لأغراض سياسية أو عسكرية، بما يعكس التزاماً أخلاقياً وقانونياً تجاه الشعب السوداني. وفي مؤتمر إنساني عقد في أديس أبابا في فبراير 2025، شددت الإمارات على ضرورة حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إلى جميع المناطق المتضررة، مؤكدين أن أي محاولات لاستغلال الإغاثة يجب أن ترفض.

دعم خيارات الشعب

ويؤكد محللون آخرون أن الحراك الإماراتي جزء من إطار جماعي أوسع ضمن اللجنة الرباعية الدولية، التي تضم الإمارات ومصر والسعودية والولايات المتحدة، وتعمل على وضع خطة شاملة لتحقيق السلام. وتوضح التحليلات أن هذه اللجنة تشدد على سيادة السودان ووحدته، وتؤكد أن أي مستقبل سياسي يجب أن يقرره الشعب السوداني وحده، بعيداً عن أي ضغوط خارجية أو تدخل عسكري. كما أن الخطط الرباعية تتضمن خطوات واضحة تشمل هدنة إنسانية، وقف دائم لإطلاق النار، انتقال مدني، حماية المدنيين، ضمان وصول المساعدات الإنسانية، ووقف أي دعم عسكري خارجي. ويعتبر الخبراء أن هذا الإطار يمثل الطريق الأكثر واقعية لتحقيق السلام، خصوصاً في ظل اعتبارات أن الحل العسكري لا يمكن أن يحسم الصراع القائم.

نقطة تحوّل

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي مؤيد التركيت أن الجهود الدولية المبذولة من قبل دول «الرباعية» المعنية بالأزمة السودانية تمثل اليوم نقطة تحول حقيقية في مسار البحث عن السلام والاستقرار داخل السودان، بعد أن وصلت الأوضاع الإنسانية والأمنية إلى مرحلة تتطلب موقفاً دولياً حازماً يضع حداً لنزيف الدم المستمر بين طرفي الصراع. ويؤكد التركيت أن سنوات الحرب وما خلفته من ضحايا ودمار ومعاناة دفعت المجتمع الدولي، والعربي خصوصاً، إلى إعادة تقييم أدواته للتعامل مع الأزمة، الأمر الذي عزز من أهمية الدور الذي تؤديه الرباعية باعتبارها آلية موحدة تمتلك القدرة على التأثير والضغط والتنسيق.

ويشير التركيت إلى أن الدبلوماسية الإماراتية تحديداً برزت في هذا الملف بصورة لافتة، ليس فقط من خلال حضورها السياسي، بل من خلال ما تقوم به الإمارات على المحاور الإنسانية والدبلوماسية والأمنية بشكل متوازٍ، وهو ما منح جهود الرباعية زخماً وفاعلية.

فالإمارات – كما يؤكد – تحركت بدافع إنساني في المقام الأول لمحاولة وقف الانهيار الإنساني داخل السودان، حيث قدمت مساعدات عاجلة وفتحت قنوات إغاثية لضمان وصول الدعم إلى المناطق الأكثر تضرراً، إلى جانب دعمها مشاريع حماية المدنيين وتأمين الممرات الآمنة بعيداً عن خطوط النار.

ثقة دولية

وعلى الصعيد الدبلوماسي، يرى التركيت أن الإمارات دفعت باتجاه هدنة أولية وإلى استئناف الحوار بين القوى المتنازعة، مستندة إلى سياسة واضحة تقوم على التهدئة ومنع اتساع رقعة الحرب وصولاً إلى عملية سياسية جامعة لا تستثني أحداً.

وهذا – بحسب التركيت – يعكس رؤية إماراتية ثابتة تعتبر أن إنهاء الحرب لا يمكن أن يتحقق بفرض أمر واقع عسكري، بل عبر مسار سياسي شامل يضمن مشاركة القوى المدنية ويعيد بناء الثقة بين المكونات السودانية. ويضيف التركيت أن وجود الإمارات ضمن الرباعية يمنح الجهود الدولية قدراً كبيراً من الفاعلية نظراً لامتلاكها شبكة علاقات إقليمية واسعة ويجعلها طرفاً قادراً على دعم الحلول العملية. ويختتم التركيت بالقول: إن الشعب السوداني يقف اليوم على مفترق طرق، وإن استمرار النزاع دون تدخل دولي حقيقي سيعمق الانقسام ويهدد بقاء الدولة ذاتها، لذلك فإن جهود الرباعية، مدعومة بالدور الإماراتي المحوري، تمثل بارقة أمل حقيقية في وقف نزيف الدم وإعادة السودان إلى مساره الطبيعي دولة مستقرة وقادرة على استعادة مؤسساتها وتحقيق تطلعات شعبها في الأمن والازدهار.

من جانبه، يرى الباحث السعودي في الشؤون الاستراتيجية والأمنية الدكتور فواز كاسب العنزي، أن الجهود الدبلوماسية التي تقودها الرباعية الدولية، تمثل اليوم الإطار الأكثر واقعية ونضجاً لإنهاء الصراع الدائر في السودان.

ويؤكد أن الرباعية تعمل وفق مقاربة سياسية وإنسانية متوازية، هدفها الأول وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف الإنسانية العاجلة، ثم الانتقال إلى عملية سياسية سودانية شاملة تعيد بناء مؤسسات الدولة وتمنع تفكك السودان أو انزلاقه إلى حرب طويلة تهدد الأمن الإقليمي بأكمله. ويضيف العنزي: يأتي التكامل بين الدول الراعية ليمنح الرباعية قوة سياسية ودبلوماسية كبيرة، خصوصاً أن هذه الدول تدعم حلولاً واقعية تقوم على وحدة السودان ورفض الحسم العسكري، مع الدفع نحو مسار سياسي يتوافق عليه جميع السودانيين دون إقصاء.

ويختتم العنزي بالقول: إن الرباعية الدولية تمثل اليوم المسار الأكثر فاعلية لإنقاذ السودان، وإن كانت هذه المنظومة تعتمد على جهود مشتركة، قادرة على هندسة مستقبل السلام السوداني، في لحظة تاريخية لا يحتمل فيها السودان أي تأخير إضافي في وقف الحرب وإعادة بناء الدولة.

Advertisements

قد تقرأ أيضا