ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 19 مايو 2025 11:50 مساءً - أكد خبراء واختصاصيون أهمية إدراج تحليل السلوك التطبيقي تحت مظلة التأمين الصحي، كونه يُعد عاملاً حاسماً في تنمية قدرات الأفراد من ذوي التوحد، وتأهيلهم للاعتماد على أنفسهم وتحسين تفاعلهم الاجتماعي والأكاديمي، عطفاً على أهمية هذا التحليل في دعم مختلف الإعاقات، وحماية للأشخاص الذين قد يبدون سلوكيات عدوانية خطرة تهدد سلامتهم وسلامة من حولهم، ومعالجة حالات التأخّر اللغوي، وصعوبات النطق، والتأتأة.
وشددوا على أهمية إجراء التقييم الشامل والتدخل المبكر للأطفال ذوي التوحد، وإيجاد تغطية تأمينية لتكاليف العلاج، بما في ذلك جلسات تحليل السلوك التطبيقي.
وفي هذا السياق، يبرز مركز دبي للتوحد بوصفه جهة رائدة في تطبيق مبادئ التحليل السلوكي التطبيقي وتدريب كوادر متخصصة، بما يضمن جودة الخدمات المُقدمة.
ويأتي التعاون الجاري بين المركز وجهات التأمين المختلفة في سبيل معالجة معضلة التكاليف العالية، كي يتسنّى لكافة الأسر في الدولة الاستفادة من هذه الخدمات الحيوية.
دور محوري
وأوضحت رزان قنديل، منسقة توعية مجتمعية ومشرفة توحد معتمدة، أن الدراسات العلمية تؤكد الدور المحوري للتحليل السلوكي التطبيقي، ليس فقط في معالجة حالات التوحد، بل أيضاً في دعم مختلف الإعاقات.
مشيرة إلى أن مبدأ هذا التحليل يقوم على دراسة السلوك في مراحله الثلاث: قبل حدوثه وخلاله وبعده، وفهم العوامل المحفزة له والأسباب الكامنة وراءه، ثم تصميم حلول علمية فعّالة.
ووصفت العلاج الوظيفي بأنه «المظلة» التي تساند بقية أنواع الجلسات العلاجية التي يحتاجها الفرد، لأنه يقدم شرحاً مفصلاً عن الحالة، «وبناءً عليه توضع خطط العلاج المناسبة تبعاً للاحتياجات الفعلية لكل شخص».
أمر غير مقبول
وأشارت قنديل إلى أن عدم إدراج جلسات التحليل السلوكي التطبيقي في التأمين بحجة ارتفاع تكلفتها أمر غير مقبول، نظراً لأهميتها البالغة في توفير حماية للأشخاص الذين قد يبدون سلوكيات عدوانية خطرة تهدد سلامتهم وسلامة من حولهم، فضلاً عن دورها في معالجة حالات التأخر اللغوي، وصعوبات النطق، والتأتأة. وأكدت أن إهمال هذا الجانب يفوق في عواقبه السلبية أي مبررات مادية محتملة.
التحدي الأبرز
من جهته، أكد الدكتور نيكولاس أورلاند، محلل سلوك في مركز دبي للتوحد، أن الهدف الرئيس لتحليل السلوك التطبيقي يتمثل في تنمية المهارات الاجتماعية والتواصلية للأطفال، وتعزيز استقلاليتهم وقدرتهم على الاندماج في مختلف أنشطة الحياة.
ولفت إلى أن التحدي الأبرز هو التوصية بعدد كبير من ساعات العلاج قد يصل إلى 40 ساعة أسبوعياً، ما يرفع التكلفة التي قد تكون فوق طاقة أسر عدة، الأمر الذي يعزز ضرورة وجود تأمين صحي يغطي هذه الجلسات، تفادياً لأي تبعات سلبية جراء غياب هذا النوع من العلاج.
وشدد أورلاند على أن بعض الأسر تفتقر إلى الدراية الكافية بأهمية التحليل السلوكي التطبيقي، وهو ما يجعل الحملات التوعوية ذات دور أساسي في هذا الصدد.وأوضح أن المركز يستقبل عدداً كبيراً من العائلات، ويقدم لها استشارات مجانية حول ماهية هذا التحليل وكيفية الاستفادة منه على النحو الأمثل.
إجراء منقوص
بدورها، لفتت جويس شمعون، مدير تطوير الأعمال ومنسقة الحملة السنوية للتوعية بالتوحد إلى لقاءات متعددة مع شركات تأمين وممثلين عن هيئة الصحة في دبي بغية إدراج التحليل السلوكي التطبيقي ضمن التغطية التأمينية.
مشيرةً إلى وجود خصومات للمستفيدين من بطاقة «إسعاد»، لكنها ترى بأن هذا الإجراء غير كافٍ، لأن الهدف هو شمول كل الحالات التي تحتاج إلى هذه الجلسات.
وأضافت أن شركة «ضمان» في أبوظبي بادرت باتخاذ هذه الخطوة وضمّ «التحليل»إلى باقة خدماتها التأمينية، معربة عن أملها في أن تحذو بقية شركات التأمين حذوها.
وتابعت أن اللقاءات مع بعض شركات التأمين أظهرت تجاهلاً ملحوظاً، بحجة أن هذا العلاج ليس طبياً، رغم أنه مثبت علمياً، ويحظى باعتماد مجلس كابا للاعتماد في مجال التحليل السلوكي.
وبيّنت أن الجلسة الواحدة قد تصل مدتها إلى ساعتين، كما أن تكلفتها تختلف باختلاف المراكز، في حين يُشكل التأمين عاملاً رئيساً للتخفيف من العبء المادي على الأسر، ومساعدتها على توفير الموارد اللازمة لأنشطة وبرامج أوسع تفيد أبناءها وتضمن تطورهم وتفاعلهم في المجتمع.
وأردفت أنّ الإقبال على هذه الخدمة يشهد تراجعاً بسبب العائق المادي، بينما ينبغي ألا تشكل التكلفة المرتفعة عائقاً أمام أي أسرة، خصوصاً أن التحليل السلوكي التطبيقي يُعد من أساسيات التأهيل المبكر، ولا بد من تمكين جميع الفئات المعنية من الاستفادة منه.
علم محوري
من جانبه، أفاد ربيع عبدالرازق، محلل سلوك مرخص ومشرف عيادة بمركز دبي للتوحد، بأن تحليل السلوك التطبيقي علم محوري في فهم السلوك الإنساني وقياسه والعمل على تطويره.
وبأن هذا التخصص يركز على سلوكيات معينة قابلة للملاحظة والقياس، ما يعين الأفراد ذوي التوحد على تنمية مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي والمهارات الحياتية الأخرى الضرورية لهم.
وأكد عبدالرازق أن تطبيق مبادئ التحليل السلوكي التطبيقي يؤدي إلى تغييرات إيجابية وملموسة، حيث يتيح معالجة السلوكيات المعيقة كالعدوانية أو صعوبات التخاطب والنطق، ويعزز في المقابل السلوكيات الإيجابية والمستقلة، لكنه شدّد في الوقت ذاته على أنّ التكلفة المرتفعة.
والتي تتراوح بين 300 و375 درهماً للساعة الواحدة، تمثل عقبة أمام كثير من الأسر التي قد يحتاج أطفالها ما يتراوح بين 10 و40 ساعة علاجية أسبوعياً. ودعا إلى ضرورة توفير تغطية تأمينية لهذه الجلسات، كما هو معمول به في عدد من البلدان.
وأشار عبدالرازق إلى أن مركز دبي للتوحد يتبنّى برنامجاً تعليمياً وتدريبياً يتضمن جلسات فردية وبرامج مدرسية، ويهدف بالدرجة الأولى إلى تطوير مهارات الانتباه، واللغة والاستقلالية الأكاديمية والحياتية.
كما يحتضن المركز برامج معتمدة من مجلس اعتماد تحليل السلوك التطبيقي «كابا» تتيح للراغبين الحصول على شهادات مهنية من مستويات مختلفة، بدءاً من فني تحليل السلوك التطبيقي، مروراً بمشرف ممارس متخصص في التوحّد، وصولاً الى محلل السلوك المرخص.
وأوضح أنّ هذا النموذج التدخّلي يضمن للمحللين إمكانية قياس مدى تحسن سلوك المستفيدين، والوقوف على دور العوامل البيئية في تعزيز السلوكيات المرغوبة أو الحدّ من السلوكيات غير المطلوبة. كما يتيح التحكّم في هذه العوامل بما يضمن موثوقية النتائج وإمكانية تعميمها في المنزل والمدرسة والمجتمع.
وأشار إلى أن التكلفة المالية تُعد العائق الأبرز أمام بعض الأسر، ما يستدعي تحمّل شركات التأمين جزءاً من المسؤولية واستحداث خطط تأمين تغطي جلسات التحليل السلوكي، أسوةً بنماذج رائدة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
حلول تمويلية
إلى ذلك، ذكر مركز دبي للتوحد أنه يسعى على نحو حثيث إلى التواصل مع الجهات المعنية وشركات التأمين لإيجاد حلول تمويلية تُعين الأسر على تحمل الأعباء المالية.
مشدداً على أن التدخل المبكر الذي يتضمن تحليل السلوك التطبيقي وجلسات علاج النطق والعلاج الوظيفي يُتيح للأطفال ذوي التوحد فرصة حقيقية لتنمية قدراتهم وتحقيق اندماج فعّال في المجتمع.
في سياق متصل، تتضمن مبادئ تحليل السلوك التطبيقي عدداً من التقنيات الرامية إلى فهم السلوك وتعديله، كما يُعد علاجاً مرناً يمكن تكييفه لتلبية احتياجات كل فرد على حدة.
ويمكن تقديمه في بيئات مختلفة، سواء في المنزل أو المدرسة أو المجتمع، وهو يشمل تعليم المهارات الأساسية في الحياة اليومية ضمن إطار تدريس فردي أو جماعي.
وفي هذا الشأن قالت إبداع محمد، والدة طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات، إن تحليل السلوك التطبيقي يُعد أحد أهم البرامج المساهمة في فهم سلوك الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وعلاجهم، مؤكدةً ضرورة إدراجه ضمن شبكات التأمين الصحي.
وأوضحت أنّ التقارير الطبية توصي بعدد كبير من الجلسات، لا سيما للحالات الشديدة، في حين تصل تكلفة الجلسة الواحدة في المراكز والعيادات المعتمدة إلى نحو 300 درهم، وهي عبء كبير على الأُسر.
ولفتت إلى أن معظم العائلات تعجز عن توفير العدد الموصى به من الجلسات، ما يعوق تحقيق التطور والتحسّن المأمول لأطفال التوحد.، وأكدت أن إدراج تحليل السلوك التطبيقي في التأمين الصحي سيُحدِث أثراً ملموساً في حياة هؤلاء الأطفال وأسرهم.
ماهية الاضطراب
ويعد اضطراب طيف التوحّد أحد أكثر الاضطرابات النمائية شيوعاً ويظهر تحديداً خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل، ويصاحب المصاب به طوال مراحل حياته، ويؤثر التوحّد على قدرات الفرد التواصلية والاجتماعية، ما يؤدي إلى عزله عن المحيطين به.
إن النمو السريع لهذا الاضطراب لافت للنظر فمعظم الدراسات تقدّر نسبة المصابين به اعتماداً على تقرير مركز التحكم بالأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية الصادر عام 2021، والذي يشير إلى وجود إصابة واحدة لكل 36 طفلاً، كما يلاحظ أن نسبة الانتشار متقاربة في معظم دول العالم.
التعذر بالتكلفة الباهظة لجلسات «التحليل» أمر غير مقبول
مبدأ التحليل يقوم على دراسة السلوك قبل حدوثه وخلاله وبعده
لقاءات مع شركات التأمين أظهرت تجاهلاً ملحوظاً بحجة أن العلاج ليس طبياً
أخبار متعلقة :