ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 28 يونيو 2025 11:50 مساءً - تحقيق: جميلة إسماعيل ومرفت عبدالحميد
في زمن باتت فيه «المشاهدات» عملة رائجة، و«الإعجابات» جواز سفر إلى الشهرة، أصبحنا نشهد سباقاً محموماً نحو «الترند» يخوضه صناع المحتوى أو من يدّعون صناعته، بكل ما أوتوا من إثارة ومبالغة.
من المقالب الملفقة، إلى تحديات لا تخلو من الخطورة، مروراً بمشاهد درامية مفتعلة، وانتهاء بمحتوى يقتات على الخصوصية والمواقف المحرجة، أصبح تحقيق عدد ضخم من المشاهدات هدفاً لدى البعض، ولو كان الثمن هو جودة المحتوى أو احترام عقل المتابعين.
وفي الوقت نفسه، أشار متخصصون إلى أن دولة الإمارات استطاعت تحقيق استثناء من خلال انتشار «الترندات» الإيجابية.
الجمهور ضحية أم شريك؟
وأوضح عدد من صناع المحتوى الهادف أن المقاطع التعليمية أو التربوية والهادفة لا تحصد تفاعلاً يذكر، مقارنة بالترندات التي تحتوي على معلومات قد تتعلق بأسرار أسرية أو طلاق وزواج فلان أو علان من المشاهير، أو حتى أداء حركات بهلوانية مضحكة، حيث تأتي مثل هذه المقاطع بآلاف المتابعين في مدة قصيرة، ما يدل على أن المتابعين يبحثون عن الإثارة، لا الحقائق.
وأثاروا التساؤل: هل الجمهور ضحية لهذا الانحدار في المعايير؟ أم أنه شريك في تغذية هذه الظاهرة؟
منصات مفتوحة
وفي هذا الإطار، قالت الفنانة اللبنانية ليلى عبد الله إنه في ظل المنصات المفتوحة لم تعد الشهرة حكراً على الفنانين أو أصحاب الكفاءات، بل باتت متاحة بضغطة زر، أو مقطع يثير الجدل.
وأضافت: «إن السوشيال ميديا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الفنان، وهي منصات تتيح له التعبير عن نفسه خارج الأدوار التمثيلية، وتساعده في إيصال بعض الرسائل الإنسانية أو الاجتماعية التي يؤمن بها، كما أنها أصبحت مؤثرة حتى في اختيارات بعض المنتجين والمخرجين، خصوصاً عندما يرون التفاعل الحقيقي بين الممثل والجمهور».
وتؤمن ليلى بأن لكل فنان حدوداً يجب أن يحافظ عليها، وأنه يجب أن يشارك لحظات بسيطة من حياته، إلا أنه يجب الحفاظ على الجوانب الخاصة بعيداً عن الأضواء، حفاظاً على الخصوصية والراحة النفسية.
خطف الأضواء
وقال علي جابر، عميد كلية محمد بن راشد للإعلام: «نعيش في زمن اقتصاد الانتباه، حيث تتحول عيون المتابعين إلى سلعة، وكلما زاد عددها زادت فرص الربح، سواء من الإعلانات أو الرعايات، وهذا ما يدفع البعض إلى اللجوء لكل وسيلة ممكنة لخطف الضوء، دون اعتبار لما يقدمه من محتوى أو رسائل».
وأضاف: «إن الهاتف المحمول يتحول في أيدي البعض إلى كاميرا سينمائية، لكن الفرق أن السيناريو مكتوب في عجالة، والإخراج يتم بسطحية، والمضمون مجرد أداة للفت الأنظار، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ظهور موجات متكررة من «تحديات» عديمة الجدوى أو «فضائح مصطنعة»، تكون الغاية منها فقط رفع نسب المشاهدة وتحقيق الترند».
لحظة فارقة
كما أوضح مؤنس المردي، رئيس تحرير صحيفة البلاد البحرينية، أن الإعلام يشهد اليوم لحظة فارقة بين العاجل الذي يخطف الانتباه، والترند الذي يسيطر على العقول، مما يضيع أحياناً القصة الحقيقية أو الخبر المؤكد.
وأكد أن دولة الإمارات استطاعت تحقيق استثناء من خلال انتشار «الترندات» الإيجابية مثل وصول الدولة إلى الفضاء وإطلاق المشاريع الضخمة، وهذا هو الدور الحقيقي للمؤسسات الإعلامية، داعياً إلى أهمية تفعيل منصات المؤسسات الصحفية لنشر الأخبار الإيجابية والتعاون مع المؤثرين الاجتماعيين لتحقيق «الترند» الإيجابي.
محتوى هادف
ويرى الدكتور جاسم المرزوقي، خبير نفسي وأسري بجمعية النهضة النسائية بدبي، أن المتلقي ليس بريئاً تماماً، إذ إن بعض المتابعين ينجذبون لما هو صادم أو مضحك ولو كان مبتذلاً، وهذا ما يشجع على تكرار مثل هذه الأنماط، لكن في المقابل، هناك جمهور يبحث عن محتوى هادف وعميق، لكنه يغمر وسط زحام الترندات، محذراً من ملاحقة الترندات، مشدداً على أهمية بناء وعي نقدي لدى الشباب في ظل هذا الزخم الرقمي، وتشجيعهم على أن يكونوا صانعي محتوى لا مقلدين، وأن يختاروا التفاعل مع ما يتناسب مع قناعاتهم، لا مع ضغط الجماعة.
ثقافة الترند
وقال الدكتور سيف النيادي، أستاذ مساعد في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية: «إن ثقافة الترند، التي تغلب عليها السطحية والابتذال، تمثل خطراً على المعرفة، بل وتطرح أولويات تتسم بالتفاهة وانعدام القيمة، والذي أريد التنويه إليه بأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة للتنافس من أجل الترند، والذي يضمن لصاحبه زيادة نسب المشاهدات والإعلانات وجني الأرباح.
كما أصبح الهوس على السوشيال ميديا مثار اهتمام لما يعود على البعض من مردود مالي كبير من ورائه».
قيم الشباب
وأوضحت الدكتورة رانية عبد الله، مدير برنامج الإعلام والاتصال في جامعة العين، بأن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بين الشباب أسهم في نشر قيم غريبة في مجتمعاتنا، ومنها سعي الشباب بشتى الطرق إلى صناعة الترند.
وحذرت من خطورة الهوس بالترند الذي من شأنه أن يؤثر على قيم الشباب، ويزيد من جرأتهم.
وأضافت: «يتحتم علينا أن نتذكر أن القيمة الحقيقية تكمن في أنفسنا وفي إنجازاتنا وطموحاتنا، وأن نكون حذرين من الوقوع في فخ المظاهر واللهاث خلف الترند، وأن نسعى دائماً إلى تطوير أنفسنا والمساهمة في بناء مجتمع أفضل».
محتوى مبتذل
ونوهت الدكتورة ميرفت أمين، أكاديمية بجامعة الإمارات، من خطورة انسياق البعض وراء صناعة الترند بمحتوى مبتذل لجذب أكبر قدر من المشاهدات، لا سيما الترند الذي يتضمن التفاهة والسخرية والتنمر على الآخرين.
واقترحت توجيه الترند بحيث يكون قوة دافعة للتغيير الإيجابي عبر المنصات الرقمية، وتسخيره ليكون وسيلة لنشر الوعي حول قضايا مجتمعية مهمة، في إطار حملات توعية، أو مبادرات تطوعية، لا سيما وأن مثل هذه الترندات تتميز بقدراتها على التأثير الجيد على الناس.
وجه آخر للعملة
وأوضح محمد علي نجفي، الخبير النفسي بدبي، أن «الترندات» ليست ضارة بحد ذاتها، بل بالعكس يمكن أن تكون أداة وعي أو ترفيه، لكن حين تصبح مقياساً للقبول الاجتماعي، تفقد قيمتها وتتحول إلى قيد نفسي، مشيراً إلى أنه لا بأس أن نتابع، نشارك، نضحك، ونواكب، لكن الأهم ألا نفقد هويتنا، ولا نغرق في موجات الترند.
خارج السرب
وأكد أحمد عبد المنعم أن التفاعل مع الترندات لم يعد مجرد رغبة في المتابعة، بل أصبح بالنسبة لكثير من الشباب عنصراً لتأكيد الانتماء الجماعي.
وقال: «إن لم أشارك في الترند المنتشر، أشعر أنني غائب عن المشهد، أصدقائي يتحدثون عنه، يتناقلونه، يضحكون عليه، وحين يسألوني لا أريد أن أبدو كمن يعيش في كوكب آخر».
وقالت مريم محمد: «إنها ليست فقط رغبة في المتابعة، بل حاجة نفسية للانتماء، وللهروب من وصمة «التأخر» أو «الانعزال الرقمي»، والمشكلة ليست في الترند، بل في عقلية اللهاث خلفه دون إدراك، إذ إن كثيراً من الشباب يشاركون فقط حتى لا يتم تجاهلهم في دوائرهم الاجتماعية، وهو شكل من أشكال الضغط غير المعلن».
وتابعت: «أعلم أن بعض الترندات سطحية أو حتى مسيئة، لكن أحياناً أشعر أنني سأُتّهم بالتخلف أو الجدية الزائدة إذا لم أعلق أو أشارك، أصبح الخوف من الرفض أقوى من قناعاتي الشخصية».
أخبار متعلقة :