ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 27 يوليو 2025 12:22 صباحاً - أكدت معالي الدكتورة آمنة بنت عبدالله الضحاك، وزيرة التغير المناخي والبيئة، بمناسبة اليوم العالمي لصون النظم البيئية لأشجار القرم أن شراكاتنا العالمية لعبت دوراً أساسياً في النهوض بمساعي الحفاظ على أشجار القرم، ويتجسد هذا التعاون في تحالف القرم من أجل المناخ، الذي يضم حالياً 45 عضواً، ومن خلال هذا التحالف دعمت دولة الإمارات مبادرة «تنمية القرم»، التي تهدف إلى حشد التمويل العالمي اللازم لاستعادة أشجار القرم، وتحث الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية على التحرك العاجل لحماية هذه الأشجار، التي تواجه خطر الانقراض، كما يمثل إنشاء «مركز محمد بن زايد – جوكو ويدودو» لأبحاث القرم في جزيرة بالي الإندونيسية إنجازاً مهماً في دعم النظم البيئية لأشجار القرم حول العالم.
وأضافت: «نقف وقفة تأمل في رحلتنا، نجدد خلالها التزامنا بحماية هذا المورد الطبيعي الثمين، كما نحتفي بما حققناه من إنجازات في هذا المجال، ونرسم بوضوح ملامح الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة».
وتابعت معاليها: «إنها لحظة ملهمة لتأمل جمال وعظمة أشجار القرم التي تزين سواحلنا، وتشكل درعاً طبيعية تحمي من ارتفاع منسوب مياه البحر، وتآكل السواحل، وتداعيات تغير المناخ، غير أن أبرز ما يميز هذه الأشجار هو قدرتها الفريدة على التقاط وتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث يمكنها احتجاز ما يصل إلى أربعة أضعاف الكمية، التي تخزنها الغابات الاستوائية.
وإلى جانب دورها المناخي تسهم أشجار القرم في إثراء التنوع البيولوجي، إذ تعد شريان حياة للأسماك والعديد من الكائنات الحية الأخرى، لما توفره من غذاء ومأوى أساسيين لاستمراريتها.
وبالنظر إلى هذه الأهمية البيئية الاستثنائية تضع رؤيتنا الوطنية، وبدعم من قيادتنا الحكيمة، تطوير هذه المنظومة الخضراء في صميم جهودنا، داخل الدولة وعلى مستوى العالم».
وقالت: «بينما نواصل مسيرتنا بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفنا بزراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول عام 2030 لا بد من الإشادة بالدور القيم، الذي تؤديه مجتمعاتنا وقطاعاتنا العامة والخاصة في دعم هذا التوجه الوطني، حيث تنطلق جهودنا في الاعتماد على النظم البيئية لأشجار القرم كونها حلولاً طبيعية، لمواجهة تغير المناخ من إيماننا العميق بدورها المحوري في تحقيق هدفنا بالوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050».
وأكدت معاليها أن المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة IUCN، التابع للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، والمزمع عقده في أبوظبي، خلال شهر أكتوبر المقبل يعد منصة رئيسية، تجمع نخبة من الخبراء والقادة وصناع القرار المعنيين بحفظ البيئة من مختلف دول العالم، وسيعمل المؤتمر على تعزيز قدرة البيئة على الصمود، وتشجيع تبني سياسات بيئية فاعلة، وتهيئة بيئة داعمة للتنوع البيولوجي، مع إيلاء اهتمام خاص لأشجار القرم ذات القيمة البيئية الكبرى.
وتشير الدراسات الحديثة إلى الحاجة الماسة إلى 8 تريليونات دولار من الاستثمارات، لمواجهة أزمة فقدان التنوع البيولوجي، ويتعين علينا مضاعفة التمويل السنوي المخصص للطبيعة أربع مرات بحلول عام 2050، لا سيما في المنطقة العربية، فالمشاريع الصغيرة، رغم أهميتها، لا يمكنها وحدها تلبية هذا التحدي، لذا فإن توسيع نطاق الاستثمار هو الحل الأمثل، لا سيما أن نحو 50 % من غابات القرم العالمية معرضة لخطر الزوال بحلول عام 2050 نتيجة للضغوط البشرية المتزايدة.
ويبرز الدور الريادي لدولة الإمارات متمثلة في جهود إمارة أبوظبي مركزاً عالمياً متخصصاً في علوم القرم، وإعادة تأهيل النظم الساحلية، إذ تقود هيئة البيئة – أبوظبي «مبادرة القرم – أبوظبي» بوصفها منصة وطنية شاملة، تضم جميع المشاريع والبرامج البحثية والتطبيقية المعنية باستعادة غابات القرم، وأنظمة الكربون الأزرق.
وتحظى المبادرة بدعم تحالفات دولية، من أبرزها التحالف العالمي لأشجار القرم، ومجموعة العمل المتخصصة التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وبرنامج الكربون الأزرق للأمم المتحدة، في إطار يعكس التزام الإمارة بتوحيد الجهود العلمية والمجتمعية.
وشهدت السنوات الأخيرة تكثيف التعاون بين الهيئة وجهات محلية ودولية مثل Dolphin Energy، ومؤسسات بحثية محلية، وشركات تكنولوجية ناشئة، من أجل تطوير تقنيات مبتكرة، لتعزيز كفاءة الزراعة والرصد البيئي.
تأهيل وطني
وفي خطوة نوعية نحو تعزيز المعايير الوطنية أصدرت هيئة البيئة – أبوظبي، بالتعاون مع وزارة التغير المناخي والبيئة وجمعية الإمارات للطبيعة، وبالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، أول دليل وطني لإعادة تأهيل غابات القرم في الدولة، يتضمن إرشادات دقيقة تستند إلى أسس علمية، وتغطي منهجية اختيار المواقع، وآليات الزراعة، وخطط المتابعة والتقييم، بما يضمن تنفيذ مشاريع قابلة للقياس وقابلة للتكرار في مختلف البيئات الساحلية للدولة، كما يعزز هذا الدليل من قدرة الجهات المعنية على المواءمة مع المبادرات العالمية مثل Mangrove Breakthrough، التي تسعى إلى استعادة 15 مليون هكتار من القرم حول العالم بحلول عام 2030.
ومن أبرز مبادرات الابتكار البيئي، التي شهدتها الإمارة مؤخراً، مشروع الزراعة باستخدام الطائرات المسيرة (الدرون)، حيث نجحت الهيئة في زراعة أكثر من مليون شتلة في مناطق مختلفة من إمارة أبوظبي، اعتماداً على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، هذا النهج لم يسهم فقط في تقليل الكلفة والجهد البشري، بل مكن الجهات المختصة من الوصول إلى المناطق النائية بدقة وكفاءة، كما تم استخدام نماذج حاسوبية لتوقع نجاح الزراعة، ورصد أداء الشتلات في مراحل مبكرة، ما يعزز من فاعلية هذه المبادرات على المدى الطويل.
وفي إطار الالتزام بالخطط الوطنية بعيدة المدى شهدت الدولة زراعة ما يزيد على 44 مليون شتلة قرم خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك ضمن جهود منسقة بين هيئة البيئة – أبوظبي وشركائها من القطاعين العام والخاص، وتأتي هذه الجهود استكمالاً للتعهد الوطني، الذي أعلنته دولة الإمارات خلال مؤتمر الأطراف COP26 بزراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول عام 2030، كجزء من استراتيجيتها لتحقيق الحياد المناخي، ومساهمتها الطوعية المحدثة في اتفاقية باريس للمناخ، وتسعى هذه الحملة إلى استعادة مساحة إجمالية تقارب 483 كيلومتراً مربعاً من الغطاء النباتي الساحلي، بما يمكن أن يسهم في تخزين أكثر من 100 ألف طن من الكربون سنوياً.
تقنيات
وقد عززت دولة الإمارات، عبر هيئة البيئة – أبوظبي، من قدراتها التحليلية لرصد غطاء القرم باستخدام بيانات الأقمار الصناعية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يعزز كفاءة وفعالية عمليات إعادة التأهيل، حيث يتم استخدام الروبوتات الذكية والتقنيات المستقلة لجعل جهود إعادة تأهيل غابات القرم أكثر كفاءة وتأثيراً، كما ستضع هذه التقنيات معايير جديدة لاستعادة النظم البيئية، ما يسهم في الحد من التدهور البيئي، ومواجهة تحديات التغير المناخي على المستوى العالمي، كما تؤكد هذه الخطوة دور أبوظبي مركزاً إقليمياً ودولياً للابتكار التكنولوجي، وتجسد التزام الإمارة بدمج الذكاء الاصطناعي والروبوتات في مختلف القطاعات، بما في ذلك الحفاظ على البيئة.
إلى جانب ذلك تواصل وزارة التغير المناخي والبيئة دعم مبادرات مجتمعية وتعليمية، تستهدف رفع وعي الجمهور بأهمية أشجار القرم، إذ تعمل بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني على إشراك طلبة المدارس والمجتمعات الساحلية في حملات تطوعية لزراعة الشتلات، وتطوير برامج تدريبية حول مراقبة الموائل البحرية، ونشر أدوات تفاعلية في المحميات الطبيعية، لتعزيز التثقيف البيئي.
وتمثل هذه البرامج ركيزة مكملة للجهود التقنية والعلمية، إذ تضمن استدامة الأثر البيئي عبر تعزيز الانخراط الشعبي في عمليات الحماية والاستعادة.
حماية
وتأتي هذه الجهود مجتمعة في وقت يواجه فيه العالم تحديات مالية ضخمة، تعيق توسيع نطاق مشاريع إعادة تأهيل غابات القرم، ما يستدعي تنويع مصادر التمويل، وتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع طويلة الأجل تستند إلى دراسات علمية دقيقة.
وقد شكلت مبادرة «تنمية القرم»، التي أعلن عنها خلال مؤتمر COP27، بهدف جمع 4 مليارات دولار لصون الغابات الساحلية بحلول 2030 نموذجاً طموحاً لسد الفجوة بين السياسة والتنفيذ، وسط دعوات إلى تطوير آليات تمويل مبتكرة لا تقتصر على أرصدة الكربون، بل تعكس القيمة البيئية المتكاملة لهذه النظم، من حماية التنوع البيولوجي، إلى تقليل مخاطر الكوارث الطبيعية، وتعزيز الأمن الغذائي في المناطق الساحلية.
أخبار متعلقة :