ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 7 أغسطس 2025 10:26 صباحاً - ترتبط دولة الإمارات وروسيا الاتحادية بعلاقات ثنائية متينة، تقوم على أسس التعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات، ويعد قطاع الفضاء، أحد أبرز مجالات هذا التعاون، نظراً لما يحمله من أهمية استراتيجية، تعكس طموحات البلدين في مجالات الابتكار والتقدم العلمي.
حيث استفادت الإمارات بشكل كبير من الخبرات الروسية العريقة في هذا القطاع، سواء على صعيد تدريب رواد الفضاء، أو تطوير البرامج والمشاريع الفضائية، وهو ما مكنها من تحقيق إنجازات نوعية خلال فترة زمنية قصيرة، ضمن رؤية طموحة، تهدف إلى ترسيخ مكانتها قوة صاعدة في مجال الفضاء، على المستويين الإقليمي والدولي.
اتفاقية تاريخية
تعود بدايات التعاون بين البلدين في مجال الفضاء، إلى أكثر من عقد من الزمن، حين انطلقت اجتماعات تنسيقية مكثفة بين وكالة الإمارات للفضاء ووكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس»، استمرت لمدة عام كامل، في إطار استراتيجي، أسفرت عن توقيع مذكرة تفاهم، وضعت الأسس الأولى لتعاون طويل الأمد.
حيث شكلت هذه المذكرة نقطة انطلاق نحو مرحلة متقدمة، توجت باتفاقية تاريخية بين مركز محمد بن راشد للفضاء و«روسكوسموس»، لإرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، ضمن بعثة علمية روسية، على متن مركبة «سويوز إم إس».
جاء اختيار روسيا كشريك في هذا المشروع الطموح، نظراً لما تمتلكه من إرث علمي وتقني راسخ في قطاع الفضاء، وهو ما وفر للدولة فرصة مثالية للاستفادة من هذه الخبرات، وتطوير قدراتها، وكان ثمرة ذلك التعاون، وصول أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، على متن مركبة فضاء روسية.
خارطة الفضاء
وقبل انطلاقهما في مهامها للفضاء، تلقى رائدا الفضاء الإماراتيان هزاع المنصوري وسلطان النيادي، برامج تدريبية في مركز «يوري جاجارين» لتدريب رواد الفضاء، بمدينة النجوم في موسكو، في سبتمبر عام 2018.
ضمن مراحل الاستعدادات قبل الانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية، خضعا فيها بجانب رواد فضاء آخرين، إلى تدريبات مكثفة، تكللت بالرحلة التاريخية لهزاع المنصوري لمحطة الفضاء الدولية، في سبتمبر من عام 2019، كأول رائد فضاء عربي يزور المحطة.
حيث جاءت هذه المهمة، نتيجة مباشرة لاتفاقية التعاون الموقعة بين الطرفين في يونيو 2018، والتي أتاحت للمنصوري تنفيذ 16 تجربة علمية، بالتعاون مع وكالات عالمية، من بينها وكالة الفضاء الروسية.
وتواصلت الإنجازات المشتركة مع مهمة سلطان النيادي عام 2023، التي أصبحت أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب، امتدت لستة أشهر، وشارك خلالها في أكثر من 200 تجربة علمية، وسجل أول مهمة عربية للسير في الفضاء خارج المحطة الدولية، ما عزز موقع الإمارات على خارطة الفضاء العالمية.
وفي سياق دعم البحث العلمي الفضائي، شهد عام 2022 تنفيذ «المهمة رقم واحد»، ضمن مشروع الإمارات لمحاكاة الفضاء، حيث نجح رائد محاكاة الفضاء الإماراتي، صالح العامري، في استكمال تجربة عزل استمرت 8 أشهر، داخل المجمع التجريبي التابع لمعهد الأبحاث الطبية والحيوية في موسكو.
ضمن مشروع «سيريوس 21»، الذي جمع رواداً من الإمارات وروسيا والولايات المتحدة، وأجرى العامري خلال هذه المهمة 70 تجربة علمية، تحاكي بيئة الكوكب الأحمر.
كان الهدف من الدراسة إشراك فريق بشري مختص في تجربة محاكاة العيش وسط ظروف بيئية وحياتية تحاكي تضاريس الكوكب الأحمر وبيئته القاسية، مع إجراء الدراسات السلوكية المطلوبة لمتابعة النتائج العلمية.
والاستفادة منها في تحضيرات دولية لرحلات مأهولة إلى الكوكب الأحمر، واستهدفت المهمة دراسة تأثير العزلة في مكان مغلق لفترة طويلة، في الحالة النفسية والجسدية للإنسان، بهدف المساعدة في التحضير لمهام استكشاف الفضاء طويلة المدى.
وجاءت مشاركة دولة الإمارات في هذه المهمة، بهدف تطوير الإمكانات الإماراتية، وتعزيز برنامج المريخ 2117، الذي يهدف إلى إنشاء مستوطنات بشرية على المريخ بحلول عام 2117، ويدعم مهام رواد الفضاء في رحلاتهم إليه مستقبلاً.
اتفاقية حكومية
وإلى جانب هذا التعاون، وقّعت الإمارات وروسيا اتفاقية حكومية جديدة لتعزيز الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، وذلك على هامش المؤتمر الدولي للملاحة الفضائية، وتضمنت الاتفاقية مجالات متعددة، مثل المهمات الفضائية المأهولة، وخدمات الإطلاق، والاتصالات الفضائية، والتقنيات المتقدمة، والأبحاث الطبية والبيولوجية، بالإضافة إلى تنظيم الأنشطة الفضائية، من خلال تطوير الأطر القانونية، وتعزيز الحوكمة الدولية في هذا القطاع.
كما نصت الاتفاقية على تنفيذ برامج ومشاريع مشتركة، تشمل تصميم وتصنيع واختبار وإطلاق وتشغيل أنظمة ومركبات فضائية، إلى جانب تبادل البيانات العلمية والتقنية، بما يعزز من قدرات الإمارات الوطنية في هذا المجال الحيوي.
وجاء هذا التعاون الشامل، امتداداً لنهج الدولة في بناء قطاع فضائي متكامل، يواكب التحديات العالمية، ويسهم في ترسيخ مكانة الإمارات شريكاً علمياً موثوقاً على الساحة الفضائية الدولية.
وتؤكد الاتفاقية أن زخم التعاون بين دولة الإمارات وروسيا في مجالات استكشاف الفضاء متواصل، فهو ليس مجرد تقارب علمي وتقني، بل هو التزام مشترك بخدمة البشرية، واستشراف مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
حيث يبرهن البلدان من خلال هذا التعاون، على أن التلاقي في طموحات الابتكار والمعرفة، يمكن أن يصنع إنجازات نوعية، تتجاوز الحدود، وتسهم في بناء عالم أكثر تطوراً وتكاملاً.
أخبار متعلقة :