ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 18 أكتوبر 2025 12:06 صباحاً - دبي - رحاب حلاوة وجميلة إسماعيل
تتغير ملامح التعليم في العالم بوتيرة متسارعة، ومعها تتبدل صورة الطفولة ذاتها، فبعد أن كانت رياض الأطفال فضاءً للألوان والمكعبات وحكايات المعلمات، أصبح من الممكن أن يدخل الطفل في حوار مع روبوت صغير، أو أن يتعلم كتابة الحروف عبر برنامج ذكي يصحح له الأخطاء فوراً.
إدخال الذكاء الاصطناعي في مرحلة الطفولة المبكرة لم يعد فكرة مستقبلية، بل واقعاً ملموساً، وسط قناعة بأن إعداد الطفل لعصر رقمي يجب أن يبدأ من سنواته الأولى، ووصف المعلمون بيئة رياض الأطفال الحديثة بأنها «كوكب ذكي» يدمج اللعب بالعلم، والخيال بالتكنولوجيا، ليعيد تعريف مفهوم التعلم في مراحله الأولى.
تنمية الحواس
تقول الدكتورة رحاب الشافعي، خبيرة الطفولة المبكرة: إن دمج الذكاء الاصطناعي أعاد تشكيل بيئة رياض الأطفال لتواكب التطور التقني، مقدماً تجربة تعلم شاملة تشرك الحواس والعقل معاً.
وأوضحت أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي أصبحت جزءاً من اليوم الدراسي، إذ تستخدم في تصميم القصص التفاعلية التي تتحدث بصوت الطفل وتتحرك أمامه، وفي إنشاء ألعاب تعليمية تنمي مهارات العد والتمييز اللوني والتفكير المنطقي.
وأضافت: إن الطفل لم يعد يحفظ المعلومة بل يعيشها، فالذكاء الاصطناعي نقل التعليم من التلقين إلى التفاعل، ومن نقل المعرفة إلى إنتاجها، وأكدت أنها حرصت على تنظيم ملتقيات للأطفال حول الذكاء الاصطناعي، يشاركون فيها بأنشطة واقعية مرتبطة بالتقنيات الحديثة، ليتعلموا الرسم والبرمجة البسيطة ويتفاعلوا مع روبوتات تجيب عن أسئلتهم بطريقة ودية.
وبينت أن هذه الملتقيات تسهم في بناء الثقة بالنفس وتنمية مهارات التواصل والقيادة لدى الأطفال، وتغرس فيهم فكرة أن التكنولوجيا ليست للتسلية فقط، بل أداة للتفكير والإبداع.
خيال منظم
تؤكد المعلمة آلاء الحوراني أن الذكاء الاصطناعي فتح باباً جديداً أمام «الخيال المنظم»، إذ يتيح للطفل تحويل أفكاره إلى مشاهد حقيقية عبر تطبيقات الرسم والقصص المصورة. وتوضح: «حين يكتب الطفل جملة بسيطة مثل:
أنا ذهبت إلى البحر مع أصدقائي، يقوم النظام برسم القصة وتحريك شخصياتها، ما يجعله يربط اللغة بالخيال، والكلمة بالصورة، والفكرة بالتطبيق العملي». وترى أن هذه التجارب تعزز التفكير النقدي منذ سن مبكرة، لأن الأطفال يتعلمون طرح الأسئلة وتحليل المواقف بدلاً من حفظ الإجابات.
إدارة صف ذكية
وترى المعلمة وداد أبو الفتوح أن رياض الأطفال اليوم تشبه كوكباً ذكياً بالفعل، لأن كل زاوية فيها تنطق بالحركة والصوت. وتقول: «الذكاء الاصطناعي غيّر دور المعلم تماماً، فلم نعد مجرد موجهين للمعلومة، بل شركاء في بناء تجارب تعلم حية نصممها وفق استجابة كل طفل».
وأضافت: إن بعض الأنظمة الحديثة تراقب تعابير وجه الطفل وترصد مدى تفاعله، ثم ترسل للمعلم إشارات توضح إن كان يحتاج دعماً أو راحة أو مزيداً من التحفيز. وتصف ذلك بأنه «إدارة صفية ذكية» تحافظ على انضباط الأطفال بطريقة مرنة وإنسانية.
منصات تفاعلية
وأوضحت ياسمين زهرة أن تفعيل منصات الذكاء الاصطناعي في التعليم المبكر يتم عبر أشكال متعددة، وبعد تدريب المعلمين والطلبة على الأدوات الذكية، تفعل المنصات في ابتكار قصص رقمية خاصة بالطلبة الموهوبين.
حيث يصمم الطفل قصته الخاصة عبر توليد الصور وتحويلها إلى كتاب رقمي ناطق بشخصيات وتأثيرات صوتية جذابة. وأضافت أن المنصات تستخدم أيضاً لمحاورة الطفل في القراءة وتصحيح نطقه، مثل تطبيق Read Along الذي يعزز النطق السليم والفهم القرائي.
كما أوضحت أن الذكاء الاصطناعي يقوم بتحليل إجابات الطلبة وتقديم تغذية راجعة فورية حول أدائهم، مع اقتراح سبل لتطوير مهاراتهم. ويشارك المعلم روابط الأنشطة، بينما يتولى النظام تحليل النتائج وإرسال تقارير بناءة تساعد على تحسين مستوى الطالب.
تعلم مرن
وأكدت المعلمة ليلى أحمد أن جميع المعلمين يوظفون تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المواد الدراسية، سواء في اللغة العربية أم الرياضيات أم الإنجليزية، حتى أصبحت هذه الأدوات جزءاً من الممارسات اليومية داخل الصفوف.
وأضافت أن الذكاء الاصطناعي جعل التعلم أكثر تفاعلاً ومرونة من خلال تطبيقات تبسط المفاهيم وتصمم أنشطة تناسب قدرات كل طالب، ما يعزز الفهم العميق ويحفز التفكير الإبداعي.
وأشارت إلى أن هذه التقنيات تساعد المعلم في تحليل أداء الطلبة بدقة وتقديم تغذية فورية، وتخفف عنه الأعباء الروتينية كتصحيح الواجبات وإعداد الاختبارات، ما يمنحه وقتاً أكبر للتركيز على بناء مهارات التفكير العليا وتعزيز بيئة تعليمية تواكب تطلعات المدرسة الإماراتية نحو تعليم ذكي ومستدام.
محتوى ذكي
وأوضحت هبة معين إسماعيل، معلمة رياض الأطفال والحاصلة على ماجستير في المناهج، أن توظيف الذكاء الاصطناعي في الطفولة المبكرة أصبح ضرورة تربوية لتعزيز تجربة التعلم.
وقالت إن هذه التقنيات تتيح إنشاء برامج وألعاب تعليمية تفاعلية تقدم محتوى مخصصاً لكل طفل وفق احتياجاته واهتماماته، ما يسهم في تنمية القراءة والكتابة والرياضيات.
وأضافت أن الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحسين جودة التعليم بتحليل أداء الأطفال وتحديد نقاط القوة والضعف لديهم، وتمكين المعلمة من تقديم الدعم المناسب لكل طفل.
كما يسهم في تعزيز التواصل بين المعلمين وأولياء الأمور عبر المنصات الذكية، وتوفير الوقت والجهد من خلال أتمتة المهام، مؤكدة أهمية الاستخدام الآمن الذي يحافظ على خصوصية بيانات الأطفال.
أساليب تعليمية
وقالت مريم حمد الشامسي، الأمين العام لمؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية، إن إدخال الذكاء الاصطناعي في حياتنا يحتم إعادة النظر في الأساليب التعليمية التقليدية بدءاً من رياض الأطفال، لأن الأطفال يتعلمون بسرعة ويستجيبون للتحفيز.
وأشارت إلى أن التوجهات العالمية تؤكد أهمية استكشاف كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في مناهج الطفولة المبكرة بما يحقق أقصى فائدة تعليمية ويسهم في تنمية مهارات التفكير والإبداع لدى الناشئة.
أجيال متمكنة
ولفتت نجلاء يعقوب المنصوري، مديرة إدارة «معلم وأفتخر» في هيئة الشارقة للتعليم الخاص، إلى أن تحفيز الكوادر الطلابية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي سيسهم في تزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة لفهم مبادئ الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الحياة اليومية.
وأكدت أن الإمارات وبتوجيهات القيادة الرشيدة أطلقت برامج رائدة لترسيخ مكانتها كدولة تستخدم الذكاء الاصطناعي لخدمة التعليم، وصناعة جيل واعٍ ومؤهل بالمعارف المستقبلية، قادر على استشراف الغد وصناعته.
معلم ملهم
وقالت الدكتورة مرفت أمين جحا من كلية العلوم الإنسانية بجامعة الإمارات، إن المعلم الذكي المتمكن من تطبيقات الذكاء الاصطناعي والمدرك لرسالته التربوية قادر على تسخير الذكاء الاصطناعي لإنجاح استراتيجيات التعليم في رياض الأطفال.
وأوضحت أن فهم المعلم العميق لهذه الأدوات يمكنه من تقديم محتوى تعليمي أكثر جودة وفعالية، وتعزيز تجربة التعلم للأطفال بطريقة ممتعة تناسب عمرهم الزمني، شرط أن يتم الاستخدام بطريقة آمنة تراعي خصوصية البيانات.
وأكدت أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً محورياً في تحسين مهارات الأطفال المعرفية والاجتماعية وتقديم محتوى مخصص لكل طفل بناءً على اهتماماته.
توازن
وتؤكد الأخصائية النفسية الدكتورة ميساء العبدالله أن توظيف الذكاء الاصطناعي في رياض الأطفال يجب أن يبقى ضمن إطار إنساني يوازن بين التقنية والعاطفة.
وقالت: «الطفل في هذه المرحلة يحتاج إلى التفاعل الإنساني بقدر حاجته إلى الإثارة التقنية، لذا يجب أن تبقى المشاعر جزءاً من عملية التعلم». وأشارت إلى أن البرامج الذكية التي تستجيب لانفعالات الطفل يمكن أن تدعم نموه العاطفي، لكنها لا تغني عن دفء المعلم القادر على الاحتواء والاحتضان.
أخبار متعلقة :