ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 16 نوفمبر 2025 11:36 صباحاً - اختلط في زماننا هذا هدوء الحقيقة بضوضاء الزيف والافتراء الذي أضحى أسرع انتشاراً من الشمس في رابعة النهار. تطالعنا بين الفينة والأخرى حسابات مأجورة تُعيد تدوير الأكاذيب ذاتها عن الإمارات ودورها في السودان، متناسيةً عمداً وقوفها مع الشعب السوداني بأطيافه، تمدّ يدها البيضاء بالدواء والغذاء لإنسانٍ أنهكته الحرب.
منذ اندلاع الحرب السودانية، لم تألُ الإمارات جهداً في إيصال مأساة الشعب السوداني إلى العالم، إلى جانب قوافل الإغاثة وطائرات المساعدات. فقد تدفّق ما يناهز 4 مليارات دولار خلال العقد الأخير دعماً للشعب السوداني في محنته، في وقتٍ انشغل فيه كثيرون بالنفخ في أتون الحرب أو باستثمارها في تجارة المعاناة.
لقد وجدت جماعات، على رأسها "الإخوان"، تتغذى على الفوضى وجراح الشعوب في الموقف الإماراتي الداعم للشعب السوداني هدفاً لسهامها، تقيس السياسة بمعيار الغنيمة، وتخلط الإغاثة بحسبةٍ أيديولوجيةٍ ضيقة، تُلبس الحقيقة ثوب الزيف، غير مدركةٍ أن الشمس لا تُغطّى بغربال، وأن الواقع على الأرض أوضح من أن يُنكرَه ذو بصر، ناهيك عن صاحب بصيرةٍ لا تخفى عليه حقيقة تلك الجماعات.
ويشخِّص الباحث السوداني الدكتور إسحاق آدم، أستاذ الكيمياء في جامعة الخرطوم، الحالة بقوله: "الظلاميون" يتذرعون في هجومهم على الإمارات بانتهاكات حقوق الإنسان في الفاشر، والواقع يحكي عكس ذلك، فالحملة التي انطلقت ضد الإمارات مصدرها "الإخوان" في السودان والمنطقة، وهم نفسهم من دبر ونفذ الإبادة الجماعية في دارفور منذ عام 2003 وحتى الآن، وذلك بشهادة أعلى هيئة قضائية في العالم، المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة اعتقال في حق الرئيس السابق عمر البشير وفي أحمد هارون الرئيس الحالي لتنظيم الإخوان في السودان.
ويرى آدم أن من يدينون انتهاكات الدعم السريع (التي تستوجب الإدانة والمساءلة) يغضون الطرف عن انتهاكات جيش وميلشيات الإخوان، ضاربين بعرض الحائط مصداقيتهم وأخلاقهم الإنسانية.
لا شك أن التضليل «سلاحٌ بلا ذخيرة»، يُستخدم في الحروب باعتبارها بيئة خصبة لانتشار الأخبار الكاذبة، نظراً لقابلية الناس لتصديق أي معلومة في ظل حالة القلق والترقب التي يعيشونها. ويتم التضليل بتغذية أدوات تكنولوجية في العالم الافتراضي والواقعي على حد سواء، من خلال تزييف الخبر والصورة المولدة بالذكاء الاصطناعي. وقد أكدت منصات متخصصة في كشف التضليل أن معظم المقاطع والصور التي رُوّجت أخيراً حول السودان كانت مفبركة، فهي إما مولّدة بالذكاء الاصطناعي أو مقتطعة من سياقها الصحيح، منها منصة «بيم ريبورتس» التي تشدد على أن «المحتوى الكاذب يُفقد الأدلة الحقيقية قيمتها»، مشيرةً إلى أن تلك الحملات قد تهدف إلى تبرئة طرف على حساب آخر.
الحقيقة أن الإمارات كانت وستبقى صوتَ العقل وضميرَ الإقليم؛ فهي تدعو لوقف الحرب وتعمل على تهيئة مسارٍ سياسيٍّ يحقن الدماء ويمهّد لسلامٍ مستدام، بينما يسعى «الإخوان» لتمديد الصراع حتى آخر جندي وآخر طفلٍ في السودان.
يقول القيادي في حزب الأمة القومي عروة الصادق في تصريحات صحافية، إن «الهدنة المقترحة هي الامتحان الأخطر لضمير القوى السودانية»، مشيراً إلى أن تجار الدم هم المنتفعون من استمرار الحرب، حيث يضيف: «الحرب بالنسبة لهم ليست مأساة بل رأسمال سياسي.. يشكلون طبقة من المنتفعين من اقتصاد الدم، من سماسرة السلاح وتجار الذهب والعملة ومقاولي الدمار».
تقف الإمارات على مسافةٍ واحدة من طرفي النزاع في السودان، ثابتةً على مبدئها في الدعوة إلى السلام والحوار ووقف نزيف الدم، بعدما أدركت ببصيرتها السياسية النافذة أنّ الطرفين كليهما فقدا الأهلية اللازمة لإرساء الاستقرار وقيادة مسيرة الازدهار في البلاد.
ومن هذا المنطلق، دعت إلى تمكين القوى المدنية من أخذ دورها في انتشال السودان من دوّامة الفوضى والاقتتال، في موقفٍ إنسانيٍ يعكس معدنها الأصيل، ويكشف في الوقت نفسه زيف نيات من اعتادوا مهاجمتها، متغافلين عن دولٍ ما زالت تغذّي الصراع بالسلاح والمال من وراء ستار، طمعاً في دوام الانقسام ونهب ثروات السودان — ويا للمفارقة.
ستبقى الإمارات، حيث كانت دائماً، على الضفة التي يلتقي عندها الضمير الإنساني بعقلٍ عربيٍّ رشيد، تعمل من أجل السودان كما تعمل من أجل كل إنسان، وتترك للأيام مهمة كشف الحقيقة حين تسقط الأقنعة ويخرس الزيف. فتحت أبوابها لمئات الآلاف من السودانيين، ومنحتهم الأمن وفرص العيش الكريم، حين اشترط غيرها عليهم آلاف الدولارات مقابل عبور الحدود.
حين يهاجمون الإمارات، فإنهم في الحقيقة يهاجمون نموذجاً يقلقهم؛ نموذج الدولة العربية التي اختارت أن تكون قوة سلام وأن تستثمر في الإنسان، وأن تبني جسور الأمل في أي بقعة عطشى للاستقرار.
فليقل من شاء ما شاء، فالإمارات تعرف وجهتها جيداً، وتمضي فيها بثقة الصالحين لا ضجيج المتعصبين. ولعلّ التاريخ، كعادته، سينصفها حين تخفت الأصوات ويعلو صوت الحقيقة.
أخبار متعلقة :