ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 12:51 صباحاً - القاهرة – محمد عبدالعزيز
في لحظة إقليمية تتزاحم فيها الأزمات، وتتداخل فيها الحسابات السياسية والإنسانية، برزت الإمارات العربية المتحدة كأحد أكثر الفاعلين قدرة على المزج بين الدبلوماسية الهادئة والعمل الميداني المنظم.
وعلى امتداد العامين الماضيين، تحركت دولة الإمارات في مسارات متعددة داخل غزة والسودان، ليس بوصفها داعماً مالياً فحسب، بل كقوة إقليمية تسعى لإعادة صياغة مفهوم الاستجابة للأزمات عبر «دبلوماسية المسؤولية».
هذا النهج، الذي يجمع بين الإسناد الإغاثي المكثف والتحركات السياسية المبنية على التوازن والاتصال المستمر مع الأطراف الدولية، منح الإمارات موقعاً محورياً في المشهد الإقليمي، ورسّخ دورها كجسر يربط بين المبادرات السياسية ومسارات الدعم الإنساني العاجل.
استطاعت الإمارات أن تفرض نموذجاً عملياً قائماً على الفاعلية، بعيداً عن الشعارات والتجاذبات التي أنهكت ساحات الصراع.
يرى خبراء في شؤون الشرق الأوسط أن الإمارات حافظت على خطاب دبلوماسي ثابت يدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار، وإلى فتح ممرات إنسانية مستدامة، بالتوازي مع تحرك دبلوماسي بعيد عن الأضواء مع شركاء غربيين وإقليميين لتخفيف القيود على دخول المساعدات.
هذا التوازن بين العمل الإغاثي والضغط السياسي الهادئ وضع الإمارات، وفق الخبراء، في موقع وسيط قادر على حشد موارد سريعة وبناء تفاهمات ضرورية في بيئة معقدة تشهد تراجع الثقة بين مختلف الأطراف.
بنية تحتية لوجستية متقدمة
ويؤكد خبراء في الشؤون الدولية والإغاثية أن القدرة التنفيذية كانت وما زالت أحد أهم عناصر القوة في تحرك الإمارات في ساحات الأزمات. فالإمارات، بحسب تحليلهم، ليست مجرد مانح كبير، بل دولة تمتلك بنية تحتية لوجستية متقدمة، وأساطيل جوية وساحلية تسمح بإيصال المساعدات في أوقات قياسية، إضافة إلى منظومات توزيع تعتمد على التكنولوجيا والتنسيق المتقدم.
هذه العناصر جعلت من الإمارات شريكاً رئيسياً للأمم المتحدة في العمليات الإنسانية المعقدة، وفي مقدمتها غزة، حيث لعبت القدرة على تنظيم الجسور الجوية والبحرية دوراً حاسماً في الحفاظ على تدفق المواد الإغاثية.
ويرى الخبراء أن هذا الدور سيستمر في اكتساب أهمية متزايدة، خصوصاً مع نجاح الإمارات في تعزيز الشفافية، من خلال آليات مستقلة لمتابعة حركة المساعدات، ما دحض أي شكوك حول وصولها لوجهتها الصحيحة، بعيداً عن أي تسييس لهذا الدور الإنساني.
سياسة نشطة
وفي هذا السياق، يؤكد محمد الديهي، نائب مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، أن الإمارات العربية المتحدة تلعب دوراً بارزاً في حل الأزمات والقضايا العربية من خلال التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
ويوضح أن الإمارات تتبنى دوماً سياسة نشطة تجاه القضية الفلسطينية، ضمن ثوابت الموقف الإماراتي الداعم للفلسطينيين وتعزيز الاستقرار في المنطقة. وينعكس هذا النهج أيضاً على الأزمة السودانية، حيث عملت الإمارات على دعم الموقف الفلسطيني عبر الآليات العربية والإسلامية الرافضة لتهجير الفلسطينيين، والمساهمة في إعادة إعمار غزة، ودفع عجلة السلام الشامل.
ويشير الديهي إلى أن الدور الإماراتي يمتد على كافة المستويات السياسية، وكذلك في المجال الإنساني من خلال إيصال المساعدات والإغاثة إلى أهالي قطاع غزة.
ويبرز هذا النهج التزام الإمارات بالجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي من جهة، والدعم الإنساني المباشر من جهة أخرى، بما يعكس تكامل أدوات القوة الناعمة في سياستها الخارجية.
حماية المدنيين
وعلى صعيد الأزمة السودانية، يشدد الديهي على حرص الإمارات على حماية المدنيين والحفاظ على حياتهم منذ الأيام الأولى للأزمة، حيث أصدرت بيانات رسمية منذ مايو 2023 وحتى أكتوبر 2025 تدعو فيها المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته تجاه الانتهاكات والجرائم الموثقة يومياً في السودان.
ويذكر الديهي أن الإمارات أدانت في 9 يونيو 2024 الهجمات على المدنيين في مدينة الفاشر، ووصفتها بأنها «تصعيد خطير وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني».
ويؤكد الديهي أن الإمارات تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف في الأزمة السودانية، وتعمل عبر آليات تنسيق عربية ودولية لدعم الاستقرار، بما في ذلك مشاركتها في الرباعية الدولية بشأن السودان، التي تضم مصر والسعودية والولايات المتحدة والإمارات، كمبادرة تهدف إلى تهدئة الصراع وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
ويخلص الديهي إلى أن السياسة الإماراتية تتسم بالمرونة والفاعلية، فهي تجمع بين العمل الدبلوماسي والسياسي، والمبادرات الإنسانية المباشرة، والتنسيق الإقليمي والدولي، ما يجعل الإمارات شريكاً موثوقاً في إدارة الأزمات في كل من غزة والسودان، ويعزز قدرتها على تقديم حلول عملية للتحديات المعقدة في المنطقة.
داعم أول لاستقرار السودان
وفي ما يتعلق بالسودان، يوضح محللون سياسيون أن مقاربة الإمارات في السنوات الماضية كانت تقوم على المزج بين الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية، في محاولة للمساهمة في استقرار بلد لطالما مثّل عقدة جغرافية وسياسية في الإقليم.
وبحسب الخبراء، لعبت أبوظبي دوراً واضحاً في تمويل مشاريع تنموية وتسهيل الحوار بين بعض القوى، بهدف خلق قاعدة دعم للاستقرار.
ويشير الخبراء إلى أن الإمارات تعتمد على الشفافية والتعاون الرقابي مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، حفاظاً على الدور الحيوي الذي تلعبه الإمارات في المسارات الإنسانية والسياسية على حد سواء.
حلقة وصل سياسية وإنسانية
ويرى خبراء أن الإمارات، بما تمتلكه من حضور وتأثير، هي الأكثر قدرة على الاستفادة من هذه الآليات لتعزيز مصداقيتها وحماية دورها المتنامي في ملفات المنطقة.
ويتفق الخبراء على أن الإمارات باتت اليوم في موقع يمكّنها من لعب دور «حلقة الوصل السياسية والإنسانية» في أزمات غزة والسودان، بفضل مزيج من الأدوات الإغاثية والقدرات اللوجستية والعلاقات الدولية المستقرة.
إلا أن نجاح هذا الدور تعزز مع توسيع التعاون الدولي مع مؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الحقوقية. فبهذه المقاربة الحكيمة — التي تتجنب الصدام وتستثمر في العمل الميداني — يمكن للإمارات الحفاظ على موقعها كدولة فاعلة في إدارة أزمات المنطقة.
تعزيز مسار السلام
بدوره، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبدالمهدي مطاوع في تصريحات خاصة لـ«حال الخليج»، أن السياسة الخارجية الإماراتية في الملف الفلسطيني تقوم على مرتكزات ثابتة هدفها تعزيز مسار السلام ودعم الشعب الفلسطيني عبر أدوات سياسية ودبلوماسية وإنسانية متوازنة.
ويشير إلى أن الإمارات تتبنى نهجاً واضحاً في التعامل مع التطورات في غزة، يقوم على الدفع نحو حلول سياسية حقيقية، بالتنسيق الكامل مع الدول العربية المركزية مثل مصر والسعودية، بما يعيد إحياء مسار التسوية ويفتح الباب أمام ترتيبات اليوم التالي للحرب.
ويشرح مطاوع أن الإمارات تمتلك رؤية دقيقة لإدارة المرحلة المقبلة في غزة، تقوم على دعم ترتيبات دولية لإعادة البناء وتعزيز الاستقرار.
تحرك بارز داخل مجلس الأمن
ويضيف مطاوع أن هذا الموقف السياسي يتوازى مع تحرك إماراتي بارز داخل مجلس الأمن، حيث لعب الإمارات دوراً مهماً في تعديل المسودة الأمريكية المتعلقة بقوة الاستقرار الدولية المقترحة لإدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب، لضمان أن تكون تلك القوة داعمة للاستقرار وليست قوة اشتباك أو صدام.
وعلى الصعيد الإنساني، يوضح الخبير الفلسطيني أن الإمارات قامت بدور محوري منذ الأيام الأولى للحرب عبر «عملية الفارس الشهم»، التي شكلت أحد أهم برامج الإغاثة الدولية الموجهة لدعم سكان القطاع.
ويشير إلى أن هذا البرنامج أصبح عصباً رئيسياً في الجهود الإنسانية العالمية، من خلال تنوع تدخّلاته بين الإغاثة العاجلة، والمساعدات الغذائية والطبية، مروراً بعمليات نقل الجرحى وترتيبات سفرهم للعلاج داخل الإمارات مع عائلاتهم، وصولاً إلى كفالة الأيتام الذين فقدوا أسرهم في العدوان.
ويؤكد مطاوع أن هذا التحرك الإماراتي يجري في إطار تنسيق وثيق مع السلطة الفلسطينية والدول العربية الفاعلة، بهدف إعادة إطلاق مسار سلام حقيقي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، باعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار المستدام في المنطقة.
خبراء:
الإمارات شريك رئيسي للأمم المتحدة في العمليات الإنسانية المعقدة
محمد الديهي:
الدور الإماراتي يمتد على المستويات السياسية والإنسانية كافة
عبدالمهدي مطاوع:
التحرك الإماراتي لعب دوراً بارزاً داخل مجلس الأمن
أخبار متعلقة :