ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 24 نوفمبر 2025 12:06 صباحاً - تتحرك الأزمة السودانية على إيقاع جديد، بعدما أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فتح نافذة التأثير الدولي على مسار الصراع، مطلقاً إشارة سياسية غير مسبوقة بشأن ضرورة العودة إلى التفاوض، حيث أعلن أنه سيعمل مع دولة الإمارات والسعودية ومصر وشركاء آخرين في الشرق الأوسط، لإنهاء الحرب في السودان، حيث لا تألو الإمارات أي جهد من أجل ضمان وقف إطلاق النار في السودان.
بدأت تحركات دولية وإقليمية قوية، تتصدرها الإمارات، لوقف النزيف السوداني، وعودة الحكم المدني، وبدأ ترامب بالاعتماد على الرباعية، وفقاً لخطة الطريق التي وضعتها، وأعطاها من خلال إعلانه الانخراط في الملف، دفعة جديدة لتنفيذ خارطة الطريق التي وضعتها لإحلال سلام مستدام في السودان، بحكم مدني، بعيداً عن حكم العسكر.
يؤكد خبراء في الشؤون الأفريقية والدولية، أن المداخلة العلنية الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن السودان، شكّلت نقطة تحول مهمة في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع الأزمة.
ويرى هؤلاء أن تصريحات ترامب، التي شدد فيها على ضرورة إنهاء الحرب فوراً، والانخراط في حل سلمي شامل، أعطت دفعة قوية لمسار «الرباعية الدولية» (الإمارات، الولايات المتحدة، السعودية، مصر)، التي تحاول منذ أشهر إعادة الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار.
ويعتبر الخبراء أن الرسالة الأمريكية الجديدة، منحت زخماً دبلوماسياً غير مسبوق للتحركات الراهنة، ورسخت قناعة بأن استقرار السودان بات أولوية دولية، خصوصاً مع تصاعد المخاطر الإنسانية والأمنية، وتمدد خطوط النزاع على نحو يهدد التوازن الإقليمي في القرن الأفريقي والساحل.
صناعة الحل
ويشير مختصون في السياسة الخارجية الأمريكية، إلى أن «الرباعية» استعادت وتيرة عمل أكثر صرامة منذ مطلع الأسبوع، مع تزايد التنسيق بين العواصم الأربع، حول صيغة تُفضي إلى وقف نار مراقَب، يعقبه مسار تفاوضي مُلزم، يحدد آليات التنفيذ والمحاسبة.
ويقولون إن أهمية المرحلة الجديدة تكمن في الانتقال من مرحلة «إدارة الأزمة» إلى «توليد الحل»، عبر إجراءات عملية، ويرى الخبراء أيضاً أن الانخراط الأمريكي الأخير، مقترناً بالدورين الإماراتي والسعودي، وبالدعم المصري المتواصل، قد يفتح نافذة تفاوضية، هي الأكثر صرامة منذ اندلاع الحرب، خصوصاً مع تزايد إدراك جميع الأطراف أن الكلفة العسكرية للصراع، تجاوزت أي مكاسب سياسية محتملة، وأدت إلى خسائر بشرية كبيرة.
جذور المأزق
يؤكد جمال الدين البيومي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وأمين عام اتحاد المستثمرين العرب، أن السودان يمثل مساحة عزيزة في الوجدان العربي، مشيراً إلى أن أجيالاً كاملة عاشت حلم «الراية الواحدة»، التي جمعت مصر والسودان في مرحلة تاريخية فارقة.
ويرى البيومي أن جذور المأزق السوداني الحالي، ترتبط بالبنية القبلية التي طبعت المشهد السياسي والاجتماعي، وتحولت لاحقاً إلى انقسامات هيكلية، حتى بين أبرز العائلات التاريخية، مثل المهدي والميرغني، رغم اختلاف رؤيتهما تجاه الوحدة والانفصال. ويتابع البيومي أن السودان انزلق بعد انفصاله عن مصر إلى انقسام داخلي جديد، قبل أن تتجدد الحروب، ويزداد خطر التفكك، لافتاً إلى أن انقسام القوات المسلحة السودانية، أثّر بشدة في وحدة الدولة، وفتح الباب أمام موجة صراعات متداخلة.
بارقة أمل
ويشدّد جمال البيومي على أن جهود الإمارات تمثل بارقة أمل حقيقية لإعادة رأب الصدع السوداني، موضحاً أن الإمارات تمتلك إرثاً راسخاً في دعم المصالحات العربية، ومساعي لمّ الشمل، منذ عهد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، الذي عُرف بقدرته على إخماد النزاعات، وتعزيز وحدة الصف العربي.
ويرى البيومي أن الأداء الإماراتي في ملفات المصالحة، يعكس قدرة الدولة على إدارة ملفات معقدة، وتحقيق اختراقات ملموسة في مسارات السلام، بفضل أدوات تأثيرها السياسية والاقتصادية والإنسانية، إضافة إلى ثقة الأطراف في توازن مقاربتها.
ويختتم مؤكداً أن الدور العربي يظل الأجدر بقيادة عملية السلام في السودان، مع تقديره للموقف الإيجابي للرئيس الأمريكي، مشيراً إلى أن وحدة اللغة والتاريخ والمصير، تجعل من التحرك العربي –وفي مقدمه الإماراتي– قاعدة صلبة لأي تسوية دائمة.
دور فاعل
ويرى خبراء متخصصون في الشأن الأفريقي أن دولة الإمارات تواصل تثبيت موقعها فاعلاً رئيساً في المسار الرباعي، من خلال نهج يقوم على تمكين الحلول السلمية، ودعم مؤسسات الدولة السودانية بعيداً عن صراع البنادق. ويشيرون إلى أن الإمارات تعاملت مع الأزمة منذ بدايتها بمنطق دعم الشعب السوداني وتخفيف معاناته، وليس دعم أي طرف من أطراف الصراع، وهو ما منحها مصداقية عالية لدى الفاعلين الإقليميين والدوليين.
ويؤكد الخبراء أن الإمارات تُعد من أكثر الأطراف قدرة على توفير دعم إنساني فوري، وقيادة جهود الحوار لحكومة مدنية في السودان، ما يتيح خلق مساحات تفاوضية جديدة، ويجعل الدور الإماراتي عنصراً لا غنى عنه في أي عملية هندسة للحل السياسي.
ويقول المحللون إن الطريق نحو تسوية مستدامة لا يزال مفتوحاً، لكنه مشروط بقدرة الرباعية على تفعيل آليات تنفيذ مُحكمة، تشمل رقابة دولية - إقليمية مشتركة على وقف إطلاق النار، وتوسيع مظلة المشاركة السياسية، لتشمل القوى المدنية، والمكونات القبلية، والنساء والشباب.
ويؤكد الخبراء أن الإمارات، بما تمتلكه من رصيد إنساني كبير، وشبكة علاقات إقليمية واسعة، قادرة على دفع هذا المسار إلى الأمام، وأن الدفع الأمريكي - العربي المتزامن، قد يجعل من المرحلة المقبلة نقطة تحول حقيقية في مستقبل السودان، إذا التزمت الأطراف بخطوات وقف النار والتحول السياسي.
حضور قوي
وفي هذا السياق، تؤكد الباحثة في الشؤون السودانية والأفريقية، نورهان شرارة، أن دولة الإمارات تواصل ترسيخ دورها الفاعل في مسار المفاوضات الرباعية الرامية إلى إنهاء الأزمة السودانية، موضحة أن الدولة كانت حاضرة بقوة في المشهد منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، سواء على الصعيد السياسي أو الإنساني، باعتبارها واحدة من أكبر الدول المانحة في العالم. وتشير شرارة إلى أن الدور الإماراتي يتوزع على وظائف متكاملة، إذ تعمل الدولة وسيطاً بين الأطراف المتناحرة، وضاغطاً إقليمياً له حضور وتقدير، إضافة إلى كونها مزوّداً رئيساً للمساعدات الإنسانية الموجهة إلى الشعب السوداني، وهو ما يجعلها لاعباً لا غنى عنه في أي مبادرة وساطة دولية، إلى جانب شركائها الإقليميين.
وتوضح شرارة أن المقاربة الإماراتية في التعامل مع الملف السوداني، تحمل رؤية ثاقبة، إذ تتعامل مع الملف السوداني ضمن رؤيتها الأوسع لأمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ما يجعل تدخلها جزءاً من سياسة إقليمية، تهدف إلى حماية خطوط الملاحة ومصالح الاستثمار.
استقرار إقليمي
وتوضح شرارة أن الرباعية تعزز فرص الاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي والساحل، حيث تسهم أي تسوية أو هدنة ترعاها في تقليص مخاطر انتشار العنف عبر الحدود، والحد من موجات النزوح، وتقويض احتمالات تحوّل السودان إلى منطلق للجماعات المسلحة أو ساحة تنافس دولي.
وترى الباحثة أن فرص نجاح المسار التفاوضي الذي سترعاه الولايات المتحدة، مشروطة بثلاثة عوامل رئيسة: أولها وضع آليات تنفيذ ومراقبة واضحة، تشمل فرقاً أمنية وإقليمية وآليات عقوبات سريعة في حال حدوث خروقات، وثانيها ضمان شمول العملية التفاوضية لكافة الفاعلين المحليين، أما ثالثها، فهو ربط الحوافز التنموية بالعقوبات السياسية والاقتصادية لضمان الالتزام، وتؤكد أن غياب هذه الشروط، سيجعل المسار يحقق هدنة مؤقتة فقط، دون الوصول إلى تسوية سياسية دائمة.
كما تشدد على ضرورة ربط المساعدات الإنسانية والتنموية بشروط تنفيذية محددة، بحيث تتحول إلى أداة تحفيز، تضمن التزام الأطراف المتنازعة ببنود الاتفاق، إضافة إلى توسيع قاعدة المشاركة، لتشمل القوى المدنية والقبلية والشباب والنساء، وهو ما يقلل من احتمالات عودة العنف.
أخبار متعلقة :