ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 3 ديسمبر 2025 04:21 صباحاً - خطوات الشيخ زايد.. بداية الحكاية على رمال الوطن
«سيارة زايد».. أثر حي يعود إلى المسرح بعد نصف قرن
اللؤلؤة.. أقدم كنوز أبوظبي على الإطلاق
خرز العقيق الأحمر.. دلائل تجارة مزدهرة منذ 5000 عام
لم يكن مساء الثاني من ديسمبر، أمس، مساء عادياً في أبوظبي، ولم يكن المسرح الذي احتضن الاحتفال مجرد مساحة لعرض فني، بل صرح شاهد على تاريخ دولة، فمتحف زايد الوطني، بجناحيه الشبيهين بجناحي الصقر، بدا كأنه جزء من السرد نفسه لمسيرة وطن في الحفل الرسمي لعيد الاتحاد الـ54 لدولة الإمارات.
ومع بداية اللقطات الأولى للعرض، ظهرت خطوات هادئة فوق الرمل، تشير إلى بداية الحكاية، هي خطوات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مصحوبة بصوت مفاتيح سيارته ومحركها، لتكون هذه الإشارات هي نقطة افتتاح رحلة زمنية سيقودها لاحقاً المذياع، بينما تتولى الأرض دور الراوي الذي يعلق على المشاهد بصوت يحمل أثراً وجدانياً بسيطاً وواضحاً.
سيارة زايد
وتضمن المشهد الافتتاحي للعرض السيارة التي قادها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من طراز «كرايسلر نيوبورت»، مطلية باللون الأسود كما ظهرت في فيلم «وداعاً يا جزيرة العرب» (1968)، لتكون بداية زمنية تسبق الانتقال إلى مراحل أقدم بكثير، والمفاجئ في الأمر أنه تم العثور على نسخة نادرة من السيارة الأصلية في ولاية كاليفورنيا وكانت سنة صنعها 1966، وتم نقلها إلى متحف زايد الوطني، ثم تجديدها لتتطابق مع سيارة الشيخ زايد، حيث تمت إضافة سارية للعلم وإطارات أكبر للقيادة على الطرقات الوعرة.
الانتقال إلى الزمن البعيد
قاد المذياع الانتقال الأول، معلناً الوصول إلى مرحلة تعود إلى نحو 8000 عام، وقدم 5 آثار نادرة ستعرض في المتحف، وكانت البداية مع لؤلؤة أبوظبي باعتبارها واحدة من أقدم اللآلئ الطبيعية المعروفة في العالم، وقد اكتشفت عام 2017 على أرضية إحدى مستوطنات العصر الحجري الحديث في جزيرة مروح، وهي موقع أثري رئيسي يقع على مسافة حوالي 20 كيلومتراً قبالة ساحل الإمارات، وحوالي 100 كيلومتر إلى الغرب من أبوظبي. ويعتبر هذا الاكتشاف أيضاً أحد أقدم الدلائل المعروفة على الغوص بحثاً عن اللؤلؤ في الدولة.
يظهر في سرد العرض أن الغطاس كان يحبس أنفاسه ليصل إلى اللؤلؤ، وأن مهنة الغوص لم تكن قائمة على فرد واحد، بل كانت تعتمد على تعاون مجموعة كاملة من العاملين في السفينة، وهو ما حافظ على استمرارية هذه الحرفة عبر الزمن، وتعرض اللؤلؤة باعتبارها من أوائل الأدلة على ممارسة الغوص في الإمارات، وأنها ربما كانت تستخدم بغرض الزينة في ذلك الوقت.
5000 عام.. خرز العقيق الأحمر
ومن ثم يعلن المذياع الانتقال إلى مرحلة تعود إلى 5000 عام، حيث يتم تقديم خرز العقيق الأحمر.
يوضح العرض أن هذه الحبات جاءت عبر تجارة بحرية ممتدة، ووصلت إلى إحدى المستوطنات القديمة، حيث ارتدتها النساء للزينة، ويشير إلى أن هذه القطع أصبحت لاحقاً إرثاً ينتقل بين الأجيال، وأنها دليل على ازدهار الحركة التجارية الإقليمية في تلك الفترة.
وفي هذا الجزء يظهر صوت الأرض ليشير إلى أن التجارة كانت جزءاً أصيلاً من حياة المجتمعات القديمة التي استقرت على أرض الإمارات.
موقع ساروق الحديد نافذة على مهارة الصناعة قبل 3000 عام
عملة أبيئيل أولى المسكوكات على أرض الإمارات قبل 2000 عام
الكَمال... أداة الملاحة التي فتحت طرق البحر قبل 600 عام
3000 عام.. ساروق الحديد
ينتقل العرض عبر المذياع إلى حقبة أخرى تمتد إلى نحو 3000 عام، وهنا يعرض موقع ساروق الحديد بوصفه نافذة مهمة على العصر الحديدي، ويشير إلى أنه كان مركزاً لصناعة السيوف البرونزية والزخارف الدقيقة، وتعلق الأرض بصوتها في هذا الجزء بأن هذا الموقع يعكس مراحل من الصناعة والمهارة التي تميزت بها المنطقة، وتوضح أن هذا التفاعل بين المواد المحلية والمستوردة كان جزءاً من شبكة متقدمة من الصناعة في تلك الحقبة.
2000 عام.. عملة أبيئيل
بعد ذلك يقود المذياع رحلة جديدة إلى الأثر الرابع بمرحلة تعود إلى نحو 2000 عام، مع تقديم عملة أبيئيل، ويشرح العرض أن هذه العملة تعد من أولى العملات المعدنية التي صيغت على أرض الإمارات، وكانت تنتج في إحدى المستوطنات الساحلية، ومع مرور السنين، صيغت هذه العملات وأعيد تشكيلها بعناية، لتجسد هويتنا المتجددة، التي احتل الحصان فيها مكانة خاصة بوصفه رمزاً محلياً للقوة والاعتزاز.
وتعد هذه العملة مثالاً على أولى العملات المعدنية المسكوكة على أرض الإمارات، وهي مستوحاة من عملة الإسكندر الأكبر في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وتتميز بنمط نقوشها الذي يصور البطل الإغريقي هرقل على أحد الوجهين، فيما يصور الوجه الثاني نقشاً لشخص جالس مع حصان.
ويحل الحصان، الذي يمثل الرمز المحلي للقوة، محل الطائر الذي كان يظهر بانتظام على عملات الإسكندر الأكبر، وتحل كلمة (أبيئيل) الآرامية التي تشير إلى لقب ملكي، محل كلمة الإسكندر التي كانت تكتب باللغة اليونانية.
صدرت بعض هذه المسكوكات في عهود حكمت فيها النساء، ما يشير إلى التاريخ العريق لتمكين المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
600 عام.. أداة الكمال
ويقود صوت المذياع في العرض إلى الانتقال للمرحلة الخامسة من الآثار، وهي أداة الكمال التي تعود إلى نحو 600 عام، ويقدم العرض الكمال بوصفه أداة ملاحة تعتمد على قياس ارتفاع النجوم، وتتكون من قطعة خشبية صغيرة وخيط معقود بعقد متساوية.
ويشرح العرض دور الملاح أحمد بن ماجد، المعروف بـ«أسد البحر»، الذي عاش بين 1421 و1500م، ويعتقد أن له جذوراً في جلفار (رأس الخيمة اليوم).
ويوضح في العرض، بصوت الأرض، في هذا الجزء أن استخدام الكمال مكن البحارة من فتح مسارات تجارية جديدة، وأسهم في تقدم المجتمعات الساحلية في المنطقة.
الانتقال إلى الحاضر.. الطريق نحو الاتحاد
بعد استعراض الآثار الخمسة، يعود العرض إلى فترات أقرب، حيث يعلن المذياع الانتقال إلى المرحلة التي سبقت الاتحاد بنحو 60–65 عاماً.
ويعرض دور المغفور له الشيخ زايد في لقاء حكام وشعوب الإمارات، وتأسيس روابط قوية مهدت لقيام الدولة، وكان الشيخ زايد ممثل حاكم أبوظبي في منطقة العين، بين عامي 1946 - 1966، قبل أن يتولى حكم الإمارة، وفي الخلفية يظهر صوت الأرض ليشير إلى أن هذه المرحلة الحديثة كانت جزءاً من المسار التاريخي الطويل الممتد منذ 8000 عام.
قبل 54 عاماً
قدم صوت المذياع المرحلة الفاصلة، حين اتحدت الإمارات تحت راية واحدة ورفع العلم وأعلن قيام دولة الإمارات، ويعرض حال الخليج الأول بصوت معالي أحمد بن خليفة السويدي، كما قدمه عبر الإذاعة وتعرض صور حكام الإمارات وقت الاتحاد، في توثيق مباشر للبداية الرسمية للدولة من لقطات أرشيفية.
قارب ماجان.. استمرار الحكاية
بعد توثيق لحظة الاتحاد، يعود العرض إلى قارب ماجان، الذي صنع كنموذج اختباري وفق الأدلة الأثرية، ضمن مشروع تعاوني استمر 4 سنوات بين متحف زايد الوطني وجامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي.
يُعرض القارب بوصفه جزءاً من تاريخ التجارة البحرية في العصر البرونزي، ويستخدم في الحفل رمزاً لاستمرار المسيرة عبر الزمن.
الحاضر.. مؤسسات الابتكار
ويقودنا صوت الأرض في العرض إلى الانتقال للوقت الحاضر، حيث تعرض لقطات لمؤسسات تعمل في مجالات الابتكار: مثل هيئة البيئة – أبوظبي، مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، M42، ومركز محمد بن راشد للفضاء، ومعهد الابتكار التكنولوجي.
ويعرض مشهد لطائرة Mirage 2000-9 كونها جزءاً من التصوير الذي يربط بين الحاضر والمستقبل.
الموسيقى وصوت الأرض
ويقدم صوت المذياع أداء السلام الوطني «عيشي بلادي» لأول مرة من قبل الأوركسترا الوطنية للدولة، ثم يعود العرض إلى متحف زايد الوطني نفسه، ليظهر بوصفه موطناً للقطع الأثرية التي ظهرت في العمل، بما فيها سيارة Chrysler Newport 1966.
وينتهي العرض بلقطة يقدم فيها الأطفال أغنية «نفتخر بك يا وطن»، لتختتم الأرض السرد بتأكيد أن المستقبل يحمله أبناؤها.
متحف زايد الوطني.. موطن قصتنا
وها هو متحف زايد الوطني، أحدث إبداعاتنا، يقف شامخاً في جزيرة السعديات، موطناً لقصص أجدادنا وشاهداً على جوهر حاضرنا ومسارات مستقبلنا، ويكرم المتحف الذي يستلهم رؤية الشيخ زايد، تفانيه طوال حياته من أجل الحفاظ على ثقافة دولة الإمارات وصون تراثها وتاريخها، ويقع متحف زايد الوطني في قلب المنطقة الثقافية في السعديات، وهو من تصميم شركة فوستر وشركاه.
يستوحي المتحف تصميمه من شكل جناح الصقر أثناء التحليق، ويأتي تكريماً لجهود الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وشغفه بالبيئة والتراث الوطني.
ويجمع المتحف أيضاً بين تقنيات الاستدامة القديمة والحديثة بما يتلاءم مع مناخ الإمارات، وجميع القطع التي احتفل بها في العرض، بما فيها سيارة كرايسلر نيوبورت 1966، هي جزء من مجموعة متحف زايد الوطني.
أخبار متعلقة :