كتب ناصر المحيسن - الكويت في الخميس 16 أكتوبر 2025 10:31 صباحاً - أكدت ندوة «حوار كونا»، التي نظمتها وكالة الأنباء الكويتية اليوم الأربعاء، ضمن فعاليات «الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025»، أن مصداقية الإعلام ركيزة أساسية، لتعزيز الشفافية وبناء جسور الثقة مع المتلقي، حيث ألقى المتحدثون الضوء فيها على أهمية التزام الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، على المستويين الحكومي والخاص، بأعلى معايير الموضوعية والمهنية في نقل الأخبار والمعلومات وتقديم الحقيقة بدقة وأمانة.
وأجمع الإعلاميون، من رؤساء تحرير صحف محلية، ومديري وكالات أنباء عربية، خلال ثلاث جلسات تضمنتها الندوة، على أن الصحافة الورقية تلعب دوراً محورياً في تعزيز الوعي العام وحفظ الهوية الوطنية، مؤكدين أهمية استمرارها كأداة فاعلة في الدفاع عن قضايا الوطن وحماية تراثه الثقافي.


كفاءات مقيّدة
تحدث في الجلسة الأولى من الندوة، رئيس التحرير الزميل وليد الجاسم، الذي شبه الاعلام الحكومي بـ«فرس جامحة أصيلة مربّطة»، مؤكداً أن «المؤسسات الإعلامية الحكومية، ومن واقع خبرتي الطويلة في مجال الإعلام، تزخر بكفاءات كبيرة جداً، متى ما أتيحت لها الفرصة لتنطلق، لكنها واقعة بين مطرقة وسندان التقييد الحكومي الذاتي، فالكل وقت الجد يخشى التعامل مع الخبر، لأنه لا يدرك رد فعل الطرف الآخر الذي يحاسبه، وليس بالضرورة أن يكون وزير الإعلام، فقد يكون وزيراً في الحكومة أو مسؤولاً في مجلس الوزراء».
وقال الجاسم، في الجلسة التي حملت عنوان «الإعلام الرسمي بين الماضي والحاضر»، إن «بعض المسؤولين في الإعلام لديهم مشكلة في محاولتهم توصيل الخبر بالشكل الذي يطرب المسؤول، وهذه الطريقة ليست بالضرورة مؤثرة، فالإعلام يتعامل مع جمهور ولديه هدف في التسويق والإقناع عبر مختلف الوسائل الإعلامية».
وأضاف أن «وكالات الأنباء في الكويت والدول العربية واقعة في مأزق شديد، وأنا متأكد دون أن أسأل، أن وكالة كونا تعاني كثيراً في إقناع المسؤولين الكويتيين في الظهور الإعلامي، لكنهم يخشون ذلك، فيما هناك مثل دائماً أستخدمه وهو أن المملكة العربية السعودية التي قطعت خطوات إصلاحية كبيرة جداً، ولديها مشروع ضخم عرفته للناس ليس عن طريق الدفع الذاتي وإنما من خلال وسائل الإعلام، بدءاً من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وصولاً إلى بقية المسؤولين والوزراء ورؤساء الهيئات الذين توجه إليهم أسئلة صحافية بالساعات».
فرس مربّطة
وتابع «الإعلام إذا لم يعرف شريحته المستهدفة ويتعامل معها ويعرف طرق تفكيرها، ويعرف وسائل إقناعها والتأثير عليها ليس منه فائدة».
وأضاف «لا أطعن أبداً بكفاءة أي عامل في الموسسات الإعلامية الحكومية لأنني عملت معهم وأدرك تماماً مدى كفاءتهم، لكن أدرك في الوقت نفسه الفرس الأصيلة الجامحة التي ترغب بدخول السباق ولكنها مربّطة»، وهذا حال الإعلامي في الوسائل الإعلامية الحكومية ونعاني منه في الكويت والخليج والدول العربية.
وعن الخبر الإيجابي، قال «التعامل معه يكون بطريقين فحين تم الإعلان عن الاكتشاف الغازي النفطي الجديد في الكويت كان إما أن نتعامل مع الخبر وفق الطريقة الكلاسيكية وإما من خلال ما تعاملنا معه في صحيفة (الراي) تحت عنوان (يا ربنا زيد النعم) وهي 3 كلمات اختصرت معاني كثيرة، واستطاعت أن تصل بالرسالة وتؤثر، بما فيها من الدعاء والتراث والوطنية وقد ضربت الصفحة وتم تداولها في السوشيال ميديا».
تحديات الإعلام
وفي الجلسة الثانية تحت عنوان«الصحافة والإعلام الجديد»، أشار الأمين العام لاتحاد وكالات الأنباء العربية «فانا» الدكتور فريد مايو، أن التحول الرقمي في الإعلام أصبح ضرورة وليس خياراً. فمع التحول الرقمي تحولت طبيعة العمل وأصبحت غرفة الأخبار تجمع بين الإنتاج الرقمي والمرئي، لذا أصبح على الصحافي امتلاك مهارات إضافية في الكتابة والتصوير والمونتاج والنشر عبر المنصات».
من جانبه، تطرق رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء الأردنية «بترا» نبيل غيشان إلى التحديات التي تواجه الإعلام الذي كان «السلطة الرابعة أما اليوم بفعل ثورة التكنولوجيا انتقل إلى رقم 1 وأصبح الإعلام هو الفاعل والرقيب والمشرع ويضغط بكل الاتجاهات».
كما تطرق المدير العام لوكالة أنباء البحرين «بنا» عبدالله بوحجي، إلى اشكالية تعريف الأدوار بين الإعلام الرسمي والصحف، وقال إن «الوكالة الرسمية تنقل الحدث وخبر الدولة الرسمي بكل تجرد ومهنية وتالياً دور الإعلام في كيفية إعادة صياغة الخبر، إذ ليس دور الوكالة أن توصل الخبر للجمهور».
وبيّن بوحجي أن «الوكالة الرسمية تمثل صوت الدولة في نقل الخبر أما دور الصحافة والإعلام هو أن يعطي المواطن ما وراء الخبر».
بدوره، لفت المدير العام السابق لـ«بترا» رمضان الرواشدة، إلى «ظهور ما يسمى المواطن الصحافي، الذي يسابق الإعلام إلى الأخبار دون دقة أو ضوابط. فالسرعة ليست على حساب الدقة في الخبر».
وذكر أن «المواطن الصحافي والمواطن العالمي، أسهما في اضعاف الصحافة الورقية والإعلام التقيلدي كالتلفزيونات كما أن المواقع أخذت جمهور الوكالات والصحافة».
تحول الاهتمام
وحملت الجلسة النقاشية الثالثة، عنوان «تكامل الأدوار الإعلامية»، وتحدث فيها رئيس تحرير الزميلة «القبس» وليد النصف، وقال إن «مواكبة التحول الرقمي أصبحت ضرورة في المجال الصحافي، ولاسيما في ظل المتغيرات المتسارعة التي تمر بها وسائل الإعلام»، موضحاً أن «الصحف كانت تستحوذ في عام 2015 على نسبة 60 في المئة تقريباً من ميزانية الإعلانات في الكويت، بينما لا تتجاوز ميزانية الإعلانات اليوم نسبة 9 في المئة، وهو ما يعكس حجم التحول في اهتمامات الجمهور والمعلنين».
وبيّن النصف أن «الاستشعار المبكر لهذا الأمر دفع صحيفة (القبس) إلى إرسال وفد منها لصحيفة (الغارديان) البريطانية في عام 2015، للتعرف على تجربتها في التحول الرقمي، حيث أوصى مسؤولو الصحيفة البريطانية بعدم الاستثمار في الجانب الورقي والتركيز على الإعلام الرقمي، باعتباره المستقبل»، مؤكداً أن «هذه التجربة عززت أهمية التوجه نحو المنصات والوسائل الحديثة».
بين الحكومي والخاص
من جانبه، قال رئيس تحرير الزميلة «الجريدة» ناصر العتيبي، إن «تعريف الحقيقة في الإعلام يختلف باختلاف الجهة التي تنقلها. ففي الإعلام المستقل يختلف مفهومها عن الإعلام الحكومي. إذ إن الصحافة المستقلة تبحث عن الحقيقة وتنقلها كما هي، بغض النظر عن نتائجها، لأن نقل الحقيقة حق للمجتمع وواجب على الصحافة».
ورأى العتيبي أن «هذا التباين بين وسائل الإعلام الحكومية والخاصة يعزز التعددية ويثري المنافسة الإعلامية. فالاختلاف في تناول الأخبار مطلوب، حتى لا يكون للإعلام الكويتي لون واحد وصبغة واحدة».
وذكر أن «هناك خلطاً في مفاهيم الإعلام الوطني. إذ يعتقد البعض أن انتقاد الأداء الحكومي يتعارض مع الوطنية، بينما الصحيح أن دور الصحافة هو نقل الحقيقة كما هي، سواء كانت لها انعكاسات إيجابية أو سلبية».
وحول الرؤية المستقبلية للإعلام الكويتي 2030، قال العتيبي إنه «من المبكر الحديث عن رؤية مستقبلية واضحة، في ظل انتظار صدور قانون الإعلام الموحد».
دور وطني
من جهته، قال رئيس جمعية الصحفيين عدنان الراشد إن «علاقة جمعية الصحفيين والصحف الكويتية وثيقة جداً مع وكالة (كونا)، حيث إن نسبة كبيرة من الأخبار المحلية والصور تنقلها الصحف الكويتية من (كونا)، الأمر الذي يؤكد الطاقات والقدرات المهنية التي يمتلكها العاملون بهذه المؤسسة»، مؤكداً أن «الإعلام الرسمي جهة مساندة وموثوقة لدى الصحافة المحلية».
واستذكر الراشد دور (كونا) إبان فترة الغزو العراقي الغاشم سنة 1990، حيث اعتمدت الدولة بشكل كامل على مكاتب الوكالة في الخارج، وكانت الوكالة المتحدث الرسمي باسم الدولة، إضافة إلى الجهود التي قامت بها بعض الصحف الكويتية التي صدرت بالخارج، داعياً الحكومة إلى تقديم الدعم الكامل لهذه المؤسسة الإعلامية المهنية.
وحول دور الصحافة الورقية في الإعلام الوطني، أوضح الراشد أن «الصحافة الورقية تقوم بدور مهم في تعزيز الهوية الوطنية. وجمعية الصحفيين حريصة على التواصل والتنسيق والعمل مع المؤسسات الصحافية الكويتية دون أي سلطة أو رقابة عليها».
عبث... فوضى الـ «سوشيال ميديا»
عقّب الزميل وليد الجاسم، على «فوضى السوشيال ميديا»، معبراً عن أسفه لأن بعض السياسيين وبعض الأجهزة الأمنية في الدول جزء أساسي من فوضى السوشيال ميديا.
وأضاف: «مؤسف أن تجد جهات أمنية أو سياسية وراء نشر إشاعة أو بث مغلوط للأخبار، كما أنه في بعض الأحيان، من التافه جداً أن تُعرّض الأمن الوطني للدولة حتى تحصل على مكسب صغير».
وعقب عبدالله بوحجي بأن الفوضى في السوشيال ميديا موجودة في السابق على هيئة الصحف والمجلات واسعة الانتشار. وقال «تجد فيها أخباراً مغلوطة، ويبنى عليها خبر، وتشغل جهاز دولة لنفي خبر غير صحيح. فالمشكلة ليست الصحافة بل الوسيط، كانت ورقية، والآن إلكترونية، فالإعلام واحد».
بدوره، عقب رمضان الرواشدة بأن «وسائل التواصل لا تستخدم من الأجهزة الأمنية المحلية الحريصة على أمن أي بلد ومكافحة الارهاب والتطرف». ورأى أن «الإرهابيين يستخدمون الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل، وهناك أجهزة استخبارية معادية لدولنا تريد شيطنة مواقف الدول العربية التي لها قيادات محترمة».
حرية النشر... بين وليد الجاسم و«كونا»
أثناء الحديث عن حريات الصحافة، رأى وليد النصف أنه «من دون حرية لا توجد مؤسسة تعمل، وكونا مقيدة ومعذورة في ذلك».
وأشاد النصف بمهنية وكفاءة «كونا»، قائلاً «بلا شك هم غير منافسين، لكن في اللقاءات الرسمية والمؤتمرات الصحافية، تكون كونا أكثر قدرة على التحقيق والنشر، ونحن نعتمد على كونا في تلقي الشيء الرسمي».
وتطرق النصف إلى الفرق بين الإعلام الرسمي والصحف، بأن «الفرق، عندما يُعقد مؤتمر صحافي مهم والمسؤول يتكلم، يقوم الزميل وليد الجاسم بإرسال مقتطفات إلى جريدة الراي، وهذا سبق. (شوف الحرية اللي عند وليد واللي عند كونا)»، مبيناً أنه «خوفاً من (الشطحات) نعتمد على كونا لقدرتهم العالية».
وأمل النصف من «كونا» الابتعاد عن السياسة والتركيز على القضايا والمواضيع الاقتصادية والأمور الأخرى، حتى تفيد الصحف أكثر في هذه الجوانب.
بدر الدعي: 8 قنوات في التلفزيون تنقل الصورة الوطنية
شكر مدير إدارة البرامج الثقافية في تلفزيون الكويت بدر الدعي، جميع الذين شهدوا انطلاقة تلفزيون الكويت عام 1961، حتى تم تحويل البث بالألوان عام 1974، مؤكداً أن «ليدنا الآن 8 قنوات تعمل جاهدة على نقل الصورة الوطنية، وجميع المذيعين كويتيون يعكسون الصورة الوطنية».
وقال الدعي إن «تلفزيون الكويت كان نقطة الانطلاق لمعظم الخليجيين آنذاك»، لافتاً إلى وجود كثير من البرامج الهادفة في تلفزيون الكويت، منها مهرجان القرين الذي تكرم فيه الدولة بعض الشخصيات الإعلامية والأدبية والثقافية.