الارشيف / حال المال والاقتصاد

في صعود هو الأقوى منذ عام 1979 هل أصبحت مناجم الذهب ملاذاً أخيراً لأموال العالم؟

في صعود هو الأقوى منذ عام 1979 هل أصبحت مناجم الذهب ملاذاً أخيراً لأموال العالم؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 8 أكتوبر 2025 09:38 مساءً - شهد الذهب عاماً تاريخياً حافلاً بالإنجازات، محطماً حاجز 4,000 دولار أمريكي للأونصة، وهو مؤشر اقتصادي لا يمر مرور الكرام؛ فارتفاع الذهب بهذه الوتيرة عادة ما يكون علامة حمراء تومض في أوقات الاضطراب العالمي، حين يشعر المستثمرون بأن العالم على شفا كارثة.

لكن المفارقة اليوم هي أن هذا الصعود الجنوني يحدث بالتوازي مع ازدهار سوق الأسهم، مدفوعاً بفقاعة الذكاء الاصطناعي. هذا التناقض يدفع الخبراء للتحذير من أن الأموال تتدفق نحو الملاذات الآمنة هرباً من عوامل القلق الاقتصادي والتضخم العنيد.

والدافع الأقوى لهذه الظاهرة ليس مجرد القلق، بل ضعف الدولار والمخاوف الجيوسياسية المتزايدة، التي دفعت البنوك المركزية والمستثمرين للبحث عن أصل لا يرتبط بحكومة واحدة، في مسعى واضح لـ "التخلي عن الدولرة" عالمياً.

المكاسب التي حققها هذا المعدن الثمين في عام 2025 تاريخية، متجاوزة الفترات المضطربة السابقة، مثل ما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر، والانهيار المالي في عام 2008، أو حتى فترة الجائحة.

ارتفع الذهب بنسبة 54% حتى الآن هذا العام، وهو في طريقه لتحقيق أفضل أداء له منذ عام 1979، وفقاً لمؤسسة "فاكت سيت" (FactSet).

هذا التشابه الزمني لافت؛ فالفترة في عام 1979 كانت تشهد صراع الولايات المتحدة مع تضخم وصل إلى خانة العشرات وأزمة طاقة شاملة، مما يرسخ مقولة أن الذهب هو الملاذ الآمن الأساسي خلال فترات الضغط الاقتصادي والقلق من التضخم.

الأمر غير المعتاد في الارتفاع الحالي للذهب هو أنه يأتي بالتزامن مع سوق أسهم مزدهر،عادة ما تتجه الأسهم والذهب في اتجاهين متعاكسين.

لكن اليوم، وبفعل الانبهار بإمكانات الذكاء الاصطناعي، تدفق المستثمرون بكثافة على عدد قليل من شركات التكنولوجيا الكبرى التي تقود مؤشر "إس آند بي 500 الأمريكي" نحو الأعلى.

اختلاف الإيقاع

هذا التباين الحاد يوحي بأن رأس المال ينقسم إلى قسمين: قسم يلاحق النمو عالي المخاطر المدفوع بالابتكار التكنولوجي، وقسم آخر يهرب بحثاً عن الأمان المطلق.

وعلق ديفيد كوتوك، المؤسس المشارك لشركة "كمبرلاند أدفايزرز"، قائلاً: "سوق الأسهم والذهب يسيران على إيقاع طبول مختلفة تماماً".

يعكس صعود الذهب القلق بشأن الاقتصاد والمخاوف المستمرة بشأن التضخم، الذي ظل عالقاً فوق مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% لأكثر من أربع سنوات. هذا القلق يتفاقم بسبب التوترات التجارية؛ فقد رفعت الولايات المتحدة التعريفات الجمركية إلى أعلى مستوى لها منذ الكساد الكبير، بينما أيَّد رئيس وزراء اليابان القادم سياسات نقدية تزيد من الاقتراض.

ووسط هذه الخلفية، يتجه المستثمرون بكثافة نحو أصل غير مرتبط بحكومة واحدة: وهو الذهب. وتؤكد كريستالينا جورجيفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، وجود "علامات مقلقة" على أن اختبار المرونة العالمية قد يأتي، مشيرة إلى الطلب العالمي المتزايد على الذهب.

أحد أكبر محركات هذا الصعود هو أن الدولار الأمريكي يمر بواحد من أسوأ أعوامه منذ عقود، مما يثير تساؤلات حول مكانة العملة الخضراء كملاذ آمن عالمي.

أحد أكبر محركات هذا الصعود هو أن الدولار الأمريكي يمر بواحد من أسوأ أعوامه منذ عقود، وقد أدى ضعف الدولار إلى تشكيك المستثمرين في مكانة العملة الخضراء كملاذ آمن عالمي،  هذا الشك انتقل إلى أعلى المستويات؛ فالبنوك المركزية حول العالم تساهم بقوة في تكديس الذهب.

وقد اكتسب هذا الاتجاه زخماً بعد أن عاقبت واشنطن وحلفاؤها روسيا بتجميد أصولها، مما أثار المزيد من التساؤلات بين المسؤولين الأجانب حول أماكن حفظ أموالهم.

هيكلي استراتيجي

أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي (WGC) أن البنوك المركزية اشترت في عام 2024 أكبر كمية من الذهب على الإطلاق في تاريخها، مدفوعة برغبة الصين والهند ودول أخرى في تنويع احتياطاتها بعيداً عن الدولار، مما يؤكد أن هذا الاتجاه هو تحول هيكلي استراتيجي وليست مجرد ضوضاء سوقية عابرة.

توقع غولدمان ساكس، المؤسسة المالية والاستثمارية الدولية، أن يصل الذهب إلى 4,900 دولار أمريكي للأونصة بحلول نهاية العام المقبل، مستشهداً بالشراء القوي من البنوك المركزية ومستثمري التجزئة وتخفيضات أسعار الفائدة المرتقبة.

كما أعرب الملياردير كين غريفين، عن قلقه الشديد من أن المستثمرين بدأوا يرون الذهب كرهان أكثر أماناً من الدولار، مشيراً إلى "تضخم كبير في الأصول بعيداً عن الدولار" وسعي الناس لـ "التخلي عن الدولرة" فعلياً، وهو ما يمثل تحدياً وجودياً للهيمنة الاقتصادية الأمريكية.

Advertisements

قد تقرأ أيضا