حال المال والاقتصاد

الرؤساء التنفيذيون غاضبون من مستخدمي الهواتف أثناء الاجتماعات

الرؤساء التنفيذيون غاضبون من مستخدمي الهواتف أثناء الاجتماعات

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 29 أكتوبر 2025 09:06 مساءً - في زمنٍ باتت فيه الشاشات شريكاً دائماً في كل لحظة من العمل والحياة الشخصية، تواجه الشركات معضلة جديدة: كيف يمكن عقد اجتماع فعّال في عصر الإشعارات والهواتف الذكية؟ فقد تحوّلت الاجتماعات، التي كانت مساحة للنقاش والتخطيط، إلى مشاهد يتوزع فيها الانتباه بين الكلام والشاشات. ويعترف كبار الرؤساء التنفيذيين بأن ثقافة التركيز الجماعي تتآكل أمام سطوة الأجهزة المحمولة. وبين من يفرض غرامات على استخدام الهاتف ومن يفصل الإنترنت في قاعات الاجتماعات، تتجسد معركة صامتة في عالم الأعمال بين ثقافة الحضور وثقافة الانشغال عن العمل.

وفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، طلب براين تشيسكي، الرئيس التنفيذي لشركة «إير بي إن بي»، قبل أسابيع، من كبار مساعديه تحديد المشكلات التي يرونها تُعكّر صفو الشركة بهدوء. طرح أحد التنفيذيين مشكلة: كثير من موظفي الشركة لا يكونون حاضرين فعلياً في الاجتماعات لأنهم منشغلون بهواتفهم أو حواسيبهم المحمولة.

قال تشيسكي: «إنها مشكلة ضخمة». ثم أدرك فجأة أنه هو نفسه يقع في الخطأ ذاته. وأضاف: «أحياناً أقول في نفسي: حسناً، سمعت الفكرة، أعرف ما ستقوله، أعرف الموضوع. فأبدأ بإرسال الرسائل النصية، ثم يراني الآخرون فيبدؤون هم أيضاً بالرسائل. هذه مشكلة مجتمعية كبيرة».

على مدى سنوات، كان الرؤساء التنفيذيون يشكون من التشتت في الاجتماعات. لكنهم يقولون الآن إنه رغم حظر الهواتف وعمليات التوبيخ العلنية، لم يتحسن الوضع. لذا بدأ بعضهم بتجريب أساليب جديدة، مثل إخفاء كلمات مرور الإنترنت أو فرض غرامات مالية على من يستخدم الأجهزة.

كتب جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك «جي بي مورغان تشيس»، في رسالته السنوية للمستثمرين في أبريل الماضي: «يجب أن يتوقف هذا. إنه سلوك غير محترم ويهدر الوقت».

وجدد ديمون انتقاده هذا الشهر قائلاً خلال «قمة النساء الأكثر نفوذاً» التي تنظمها مجلة فورتشن: «إذا كان أمامي جهاز آيباد ويبدو أنك تقرأ بريدك الإلكتروني أو تتلقى إشعارات، أقول لك أغلق هذا الجهاز اللعين».

أما براد جاكوبس، الملياردير والرئيس التنفيذي لشركة توزيع مواد البناء QXO، فقد خصص فصلاً في كتابه بعنوان «الاجتماعات الكهربائية»، انتقد فيه الملل القاتل الذي يطغى على معظم الاجتماعات وكثرة المستمعين السلبيين، وكتب: «الكراسي تبدو وكأنها مليئة بدمى كرتونية على شكل بشر».

ويرى جاكوبس أن الاجتماع الخالي من المشتتات يمكن أن يكون مثيراً للغاية: «من الرائع أن تجد بضع عشرات من زملائك يصغون فعلاً لما تقوله».

في اجتماع خارجي بشهر يوليو، قرر براد فيكسلر، نائب رئيس قسم التسويق في نظام الرعاية الصحية الأمريكي (يو سي هيلث) ومقره كولورادو، عدم مشاركة كلمة مرور الواي فاي في قاعة الاجتماع. وإذا احتاج أحد الموظفين إلى إجراء مكالمة أو الاتصال بالإنترنت، يمكنه فعل ذلك في الخارج.

قال فيكسلر إن الناس لم يصابوا بالذعر، بل شعر كثير منهم بالراحة لعدم ارتباطهم بأجهزتهم. وأضاف: «كانت المحادثة أفضل»، وهو يفكر الآن بتطبيق نسخة مرحة من «صندوق الشتائم»، بحيث يدفع الموظف غرامة بسيطة كلما أخرج هاتفه أو حاسوبه أثناء الاجتماع، على أن تُوجَّه الأموال إلى الأعمال الخيرية. «إذا كان الهاتف مرئياً خلال الاجتماع، فعليك أن تضع نقوداً في صندوق الهواتف».

في شركة البرمجيات UKG، طلب بوب ديلبونتي من زملائه خلال الاجتماعات أن يضعوا هواتفهم على الطاولة مقلوبة على الأقل. ويقول إن الموظفين تعلموا ضبط أنفسهم، حتى إن بعضهم ينبه الآخر بعبارات مثل: «يبدو أنك في مكان آخر»، مضيفاً: «الأمر يتم بطريقة لطيفة، دون حاجة إلى أسلوب القبضة الحديدية».

قواعد العمل تغيّرت

غير أن بعض الموظفين يشيرون إلى أن قواعد العمل تغيّرت، فالرؤساء يتوقعون من العاملين أن يكونوا متصلين طوال الوقت للرد السريع على الرسائل. كما أن بعض المدراء لا يدركون أن المحادثات الموازية أصبحت جزءاً من ثقافة الاجتماعات، حيث يتبادل الموظفون الرسائل لتوضيح نقاط أو الإجابة على أسئلة، إلى جانب انشغالاتهم الشخصية التي تحتاج إلى متابعة فورية.

بالمقابل، يرى آخرون أن الرسائل قد تكون مفيدة أثناء الاجتماعات. وفي وقت تشهد فيه الشركات تباطؤاً في التوظيف وتسطيحاً في الهرمية الإدارية، أصبح كثير من الموظفين يقومون بمهام متعددة، لذا يرى البعض أنه من الطبيعي التساهل مع من ينظر إلى هاتفه أثناء العمل.

قال بوب تشابمان، رئيس مجلس إدارة مجموعة Barry-Wehmiller الصناعية والخدمية، الذي شارك في تأليف كتاب عن القيادة الإنسانية: «الناس يستخدمون هواتفهم اليوم للحصول على معلومات مهمة. لم يخطر ببالي أبداً أن أطلب من أحد ألا يستخدم هاتفه في الاجتماع».

ويرى آخرون أن المسؤولية تقع أيضاً على الرؤساء التنفيذيين أنفسهم لجعل الاجتماعات أكثر فائدة. فعندما تقود آشلي هيرد، وهي مسؤولة سابقة للموارد البشرية والمستشارة القانونية العامة، جلسات تدريب للمدراء، فإنها تتوقف عند ملاحظتها أشخاصاً ينظرون إلى هواتفهم، لا لتوبيخهم، بل لفتح نقاش حول كيفية إدارة الوقت وضغوط المهام.

أما في شركة Airbnb، فيقول تشيسكي إن الشركة لن تفرض قواعد جديدة، بل ستسعى قيادتها إلى تغيير ثقافة الاجتماعات بالقدوة. وأضاف أنه يسعى لعدم النظر إلى هاتفه مطلقاً أثناء الاجتماعات إلا في حالة الطوارئ.

«هذه الأدوات ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها، الأمر يعتمد على كيفية استخدامها. الإفراط في الاستخدام هو المشكلة. لا أعتقد أن الهاتف بحد ذاته مشكلة، بل الوقت الذي نقضيه ونحن نحدّق فيه».

Advertisements

قد تقرأ أيضا