ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 10 نوفمبر 2025 12:06 صباحاً - محللون وخبراء:
موجة البيع المكثفة امتدت من أمريكا إلى آسيا وأوروبا.. والفقاعة لم تنفجر
التراجع انعكاس لتحول معنويات المستثمرين بعد عامين من التوقعات المفرطة
أسعار الأسهم أصبحت مرتفعة بشكل غير مبرر مقارنة بالأرباح الفعلية للشركات
ما يحدث ليس انفجار فقاعة بل تصفية ضرورية تعيد الأسواق إلى الواقعية
ترامب يحاول احتواء المخاوف في إشارته إلى أنه ليس قلقاً من فقاعة محتملة
تفرض مخاوف واسعة النطاق نفسها على الأسواق بشأن التقييمات المرتفعة لأسهم شركات التكنولوجيا المرتبطة بطفرة الذكاء الاصطناعي، وهي المخاوف التي كانت محفزة لعمليات بيع واسعة النطاق، خلال الأسبوع الأخير بشكل خاص، ما أسفر عن خسارة تريليون دولار لأسهم تلك الشركات في أسبوع.
وتراجعت القيمة السوقية لثماني شركات - بما في ذلك إنفيديا وأوراكل وميتا وبالانتير- مجتمعة بنحو 800 مليار دولار الأسبوع الماضي تحت ضغط عمليات البيع المكثفة، التي دفعت مؤشر ناسداك، الذي تهيمن عليه أسهم التكنولوجيا إلى أسوأ أسبوع منذ أبريل الماضي عندما انخفض بوتيرة أعلى جراء سلسلة القرارات المرتبطة بالرسوم الجمركية، التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفيما يحذر محللون ومؤسسات أو يبدون تخوفاتهم المبنية على أسس حركة السوق من «فقاعة محتملة» يرى آخرون أن ما يحدث يندرج تحت التصحيح الطبيعي، لا سيما أن المشهد يذكّر بفقاعة «الدوت كوم».
خسائر ضخمة
سلط الخبير الاقتصادي، محمد العريان، الضوء على الخسائر، التي تكبدتها شركات التكنولوجيا الأمريكية، خلال الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أن الشركات الكبرى قد تكبدت خسائر ضخمة.
وقال في منشور عبر إكس، «الشركات الأمريكية المرتبطة بطفرة الذكاء الاصطناعي تكبدت خسائر قدرها تريليون دولار من قيمتها السوقية خلال أسبوع».
وبحسب البيانات التي شاركها الخبير الاقتصادي فقد كانت شركة إنفيديا صاحبة الخسارة الأكبر بنحو 500 مليار دولار، وجاءت المرتبة الثانية في الخسائر من نصيب شركة مايكروسوفت بأكثر من 150 مليار دولار، تليها شركة برودكوم بنحو 100 مليار دولار.
وأوضحت البيانات أن كلاً من ميتا وأوراكل وبالانتير قد سجلت خسارة بأكثر من 50 مليار دولار.
مايكل بيري يراهن
وشهدت أسهم شركات التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي عمليات بيع واسعة، بعدما توقع المستثمر الأمريكي المخضرم مايكل بيري حدوث فقاعة مالية في الذكاء الاصطناعي.
وراهن بيري بأكثر من مليار دولار على انهيار أسهم شركتي إنفيديا وبالانتير، مشيراً إلى أن أسهم شركات الذكاء الاصطناعي مقوّمة بأكثر من قيمتها بكثير. ويُعرف مايكل بيري بأنه المستثمر الملياردير، الذي تنبأ بانهيار سوق العقارات بالولايات المتحدة في عام 2008، كما نجح في جني الملايين من طفرة أسهم الميم.
تراجعات
يقول خبير أسواق المال محمد سعيد، إن أسهم شركات التكنولوجيا المرتبطة بتطور الذكاء الاصطناعي شهدت أسبوعاً صعباً للغاية؛ بعد أن فقدت كبرى الشركات في هذا القطاع مجتمعة قيمة سوقية قد تصل إلى تريليون دولار خلال أيام قليلة، ما تسبب في اهتزاز ثقة المستثمرين بشكل واضح.
شركات عملاقة مثل «إنفيديا»، التي تصل لأرقام قياسية تاريخية، شهدت تراجعاً ملحوظاً في أسعار أسهمها، إلى جانب شركات أخرى مثل «ميتا» و«مايكروسوفت»، وحتى مزودي البنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى تسجيل مؤشر ناسداك أسوأ أداء أسبوعي له منذ أبريل، كما لم تقتصر موجة البيع المكثفة على الأسواق الأمريكية، بل امتدت لتشمل أسواق آسيا وأوروبا أيضاً.
ووفق حسابات «حال الخليج»، فقد تراجع ناسداك - الذي تغلب عليه شركات التكنولوجيا- بنحو 3% في الأسبوع الأول من نوفمبر، كما تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 1.2%، وهبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.63%، وفي أوروبا تراجع مؤشر ستوكس 600 بنسبة 1.24% خلال الأسبوع، بينما في اليابان سجل مؤشر نيكاي خسائر أسبوعية تجاوزت الـ 4%، بما يمثل أكبر خسارة منذ أبريل.
ويشير سعيد إلى أن السبب الرئيسي وراء هذا الهبوط يعود إلى القلق المتزايد من التقييمات المبالغ فيها لشركات التكنولوجيا؛ إذ أصبحت أسعار الأسهم مرتفعة بشكل غير مبرر مقارنة بالأرباح الفعلية، موضحاً أن بعض الشركات وصل مضاعف ربحيتها إلى مستويات قياسية، ما يعني أن المستثمرين يدفعون ثمن توقعات مستقبلية بعيدة المدى، في وقت لا تزال فيه معظم مشاريع الذكاء الاصطناعي تحقق عوائد محدودة أو حتى خسائر، مع استمرار ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية دون مردود فوري واضح.
وتبعاً لذلك، فقد فرض الحديث عن «فقاعة تكنولوجية» نفسه على الأسواق، في مشهد يذكّر بفقاعة «الدوت كوم» في نهاية التسعينيات، عندما يتغلب الحماس والتوقعات المبالغ فيها على المنطق.
يضيف خبير أسواق المال: «شخصيات بارزة في الصناعة مثل سام ألتمان أقرت بوجود حماس مفرط، لكنه يرى أن الفقاعة لم تنفجر بعد بالكامل، وما يجري الآن يمكن وصفه بأنه تصحيح حاد أو «تنفيس» للارتفاعات المفرطة».
ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يظل تقنية ثورية حقيقية تشبه الإنترنت في جوهرها، لكن التقييمات سبقت الواقع بسنوات طويلة.
وتميل التوقعات للأسبوع الجديد نحو استمرار التقلبات في وول ستريت، مع إمكانية تعرض السوق لمزيد من الضغط البيعي لاختبار مستويات سعرية أدنى، فيما سيراقب المستثمرون عن كثب البيانات الاقتصادية المقبلة ونتائج أعمال الشركات الكبرى.
وحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب احتواء المخاوف التي سيطرت على الأسواق، من خلال إشارته يوم الجمعة الماضي إلى أنه ليس قلقاً من فقاعة محتملة.
الذهب الجديد
من جانبه، يقول أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري لـ«حال الخليج»، إن ما يجري في أسواق الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي لا يمكن اختزاله في مجرد تراجع مؤقت أو حركة تصحيح طبيعية، بل هو انعكاس لتحول أعمق في معنويات المستثمرين، بعد عامين من التوقعات المفرطة، التي جعلت الذكاء الاصطناعي أشبه بالذهب الجديد.
بنيت كثير من التقييمات السوقية على وعود مستقبلية غير مؤكدة، حيث تصرفت الشركات والمستثمرون على أساس أن الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة فورية في الإيرادات والإنتاجية، بينما الواقع يؤكد أن التحول الحقيقي يحتاج لسنوات طويلة من التجريب، والبنية التحتية، وتعديل النماذج التشغيلية.
يضيف العمري: «نحن أمام مرحلة نضوج مبكر لقطاع حديث وواعد، لكنه لا يزال يفتقر إلى العائد المستدام؛ فالشركات الكبرى مثل ميتا ومايكروسوفت وجوجل أنفقت عشرات المليارات على بناء مراكز بيانات وتطوير نماذج لغوية ضخمة، إلا أن العائد المالي المباشر لم يتناسب حتى الآن مع حجم الاستثمار».
وهنا تبدأ الأسواق عادة في التساؤل: «هل نحن نعيش ابتكاراً حقيقياً أم فقاعة توقعات؟ ولعل الجواب ليس أبيض أو أسود؛ فالتاريخ يعلمنا أن كل ثورة تكنولوجية، من الإنترنت في التسعينيات إلى العملات الرقمية في العقد الماضي، تمر بموجة من الضجيج والاستثمار المفرط، يعقبها تصحيح يسقط الشركات الهشة، ويبقي فقط أصحاب القيمة الحقيقية».
ويرى خبير الذكاء الاصطناعي أنه من الخطأ النظر إلى التراجع الحالي كونه علامة على نهاية طفرة الذكاء الاصطناعي؛ بل هو أقرب إلى مرحلة فرز صحي تميز بين من يمتلك نموذجاً ربحياً واضحاً وقدرة على توظيف الذكاء الاصطناعي في منتجات قابلة للتطبيق، وبين من يكتفي بالشعارات والعروض الترويجية.
ويعتقد أن الذكاء الاصطناعي ليس موضة، بل اتجاه استراتيجي سيعيد تشكيل كل القطاعات، لكنه لن يكون طريقاً سريعاً إلى الثروة، مضيفاً: «نمر حالياً بفترة إعادة تقييم عميقة، تعيد التوازن بين القيمة الاقتصادية والخيال التقني، وفي نظري فإن ما يحدث اليوم ليس انفجار فقاعة، بل تصفية ضرورية تعيد الأسواق إلى الواقعية وتضع الذكاء الاصطناعي في مساره الصحيح كونه أداة للإنتاج والابتكار، لا كونه مضاربة على الوعود».
