ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 15 ديسمبر 2025 11:36 مساءً - أكد عدد من الخبراء ومديري الشركات أن مرسوم تعديل بعض أحكام قانون الشركات التجارية في الإمارات يعيد «هندسة أسواق المال»، كما يساعد على توسيع وتنويع قاعدة المستثمرين، ويفتح قناة جديدة لجمع التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة وذات النمو المرتفع.
وقالوا، لـ«حال الخليج»، إن تعديلات بعض أحكام قانون الشركات التجارية تستهدف تعزيز تنافسية بيئة الأعمال، ومواكبة التحولات الاقتصادية العالمية، وتطوير الإطار القانوني للشركات في الدولة، وتوفير خيارات أوسع للمستثمرين والشركاء، وتحديث أدوات تنظيم الملكية والتمويل بما يعزز جاذبية الدولة وجهة استثمارية رائدة. وأضافوا أن هذه التعديلات تعزز من التنافسية وثقة المستثمرين بمواكبة الممارسات العالمية المتبعة، كما تمهد لتطوير الأسواق المالية وتزيد من المرونة وعمق السوق المحلية وسيولتها، وترفع من مستوى الشفافية والثقة بالسوق المحلي.
أكثر مرونة
وقال بافيك ميهتا، كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشال»، إن المرسوم يعد خطوة مهمة نحو تعزيز بيئة الأعمال في الإمارات وجعلها أكثر تنافسية ومرونة وجاذبية للمستثمرين العالميين. وتعمل هذه التعديلات على تحديث آليات عمل الشركات، وطرق جمع رأس المال، وممارسات الحوكمة، إلى جانب دعم الرؤية الاقتصادية طويلة الأمد للدولة.
وأضاف: من بين التحديثات الرئيسة التي حظيت بترحيب واسع إدخال الشركة غير الربحية، والتي تتيح توجيه الأرباح نحو تطوير مشاريع اجتماعية أو مجتمعية بدلاً من توزيعها كأرباح على المساهمين. وفي هذا الشكل الجديد من الكيانات، ستعمل الجمعيات الخيرية والمؤسسات البحثية والجهات المعنية بالخدمة المجتمعية محلياً وإقليمياً.
وتابع: يعزز المرسوم مرونة الهيكل الرأسمالي من خلال السماح للشركات بإصدار فئات متعددة من الأسهم، بما في ذلك أسهم ذات حقوق تصويت مختلفة، وحقوق توزيع أرباح مخصّصة، وأولوية في التصفية. ويضع هذا التوجه ممارسات الشركات في الإمارات على خطى المعايير العالمية للاستثمار، بما يجعل الدولة أكثر جاذبية لرأس المال المخاطر، والشركات الناشئة، والشركات العائلية.
وفي ما يتعلق بالتمويل، أكد أنه أصبح بإمكان الشركات المساهمة الخاصة الآن طرح أوراق مالية عبر الاكتتاب الخاص في الأسواق المالية الإماراتية دون الحاجة للتحول إلى شركات مساهمة عامة، وهو ما يفتح قناة جديدة لجمع التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة وللشركات ذات النمو المرتفع.
وذكر أن القانون ينظم أيضاً انتقال الشركات بين الإمارات والمناطق الحرة مع الحفاظ على شخصيتها القانونية، الأمر الذي يسهم في الحد من النزاعات التجارية، وحماية المساهمين الأقلية، وتسهيل عمليات التوسع وإعادة الهيكلة، كما يتضمّن التحديث اعتماد أدوات تعاقدية حديثة، إلى جانب وضع قواعد واضحة للتعامل مع ملكية الأسهم في حال وفاة شريك أو مساهم، بما يعزز الاستمرارية والاستقرار.
وأردف قائلاً: إلى جانب هذه التغييرات الهيكلية، تتمتع الشركات الآن بمرونة أكبر في إصدار أرباح مرحلية تصل إلى أربع مرات سنوياً، مدعومة باختبارات ملاءة مالية تمتد لـ12 شهراً لضمان الاستدامة. كما يتعين على مجالس الإدارة تقديم تقرير رقمي إلى هيئة الأوراق المالية والسلع خلال 48 ساعة من الموافقة على الأرباح، بما يعزز الشفافية. واستطرد: بصورة عامة، تجعل هذه التعديلات بيئة الشركات في الإمارات أكثر شفافية وحداثة وجاذبية للمستثمرين، بما يدعم نمواً اقتصادياً أقوى وتنافسية عالمية أعلى.
تعزيز التنافسية
وأفاد رائد دياب، نائب رئيس إدارة البحوث والاستراتيجيات الاستثمارية في «كامكو إنفست»، بأن الإمارات تستمر في سن تشريعات وقوانين جاذبة للاستثمار، مشيراً إلى أن هذه التعديلات على قانون أحكام الشركات التجارية من شأنها أن تعزز من التنافسية وثقة المستثمرين بمواكبة الممارسات العالمية المتبعة. وأوضح أن هذه التعديلات تسمح للشركات الخاصة بالطرح وهذا يمهد لتطوير الأسواق المالية وتزيد من المرونة وعمق السوق المحلية وسيولتها وترفع من مستوى الشفافية والثقة بالسوق المحلي. وقال دياب: هذه التعديلات تسهم في تعزيز حركة رؤوس الأموال وتزيد من النشاط الاقتصادي وتفتح قنوات تمويل جديدة. كما تدعم استقرار الشركات وحرية حركة الأعمال وتنظم النزاعات، الأمر الذي يحول أسواق المال الإماراتية إلى بيئة عمل متنوعة وتعمل على ترسيخ مكانة الإمارات.
بيئة مرنة
وقال الدكتور علاء نصر، المستشار القانوني المتخصص في القوانين المالية والتجارية: إن المشرّع يواصل نهجه في بناء بيئة تشريعية مرنة تستوعب التطورات المتسارعة في المشهد الاقتصادي، وتواكب طبيعة الأعمال الحديثة دون المساس بجوهر الاستقرار القانوني. هذه التعديلات جاءت لتعكس رؤية متقدمة تعزز وضوح القواعد الناظمة لممارسة النشاط الاقتصادي، وتحد من أي تداخل تفسيري قد ينعكس على قرارات المستثمرين أو كفاءة السوق.
وذكر أنه من أبرز الإشارات الإيجابية في هذه التعديلات توسيع نطاق الخضوع لأحكام القانون ليشمل الشركات الأجنبية وفروع شركات المناطق الحرة عند ممارستها نشاطها داخل الدولة، وهو ما يحقق اتساقاً تنظيمياً بين مختلف الكيانات العاملة في السوق المحلي، ويعزز مبدأ تكافؤ الفرص، ويضمن خضوع الأنشطة الاقتصادية ذات الأثر الداخلي لإطار قانوني موحد وواضح.
وأضاف: «حملت التعديلات بعداً عملياً مهماً في تنظيم مفهوم الشركة وأشكالها القانونية، مع تأكيد جنسية الشركات المؤسسة في الدولة، بما في ذلك شركات المناطق الحرة والمناطق الحرة المالية. هذا التوجه يعزز من مفهوم السيادة القانونية، دون أن ينتقص من جاذبية الدولة أو انفتاحها على الاستثمارات الخارجية، بل يرسخ نموذجاً متوازناً يجمع بين الانفتاح والتنظيم الرشيد».
وتابع: «في جانب الحوكمة، عالجت التعديلات مسائل دقيقة تتعلق بإدارة الشركات، كتقييم الحصص العينية، وتنظيم خلو منصب المدير، والحقوق المرتبطة بالأسهم، بما يوفر أدوات قانونية أكثر كفاءة لمعالجة النزاعات المحتملة، ويحد من الممارسات التي قد تخل بحقوق الشركاء أو المساهمين».
ولفت إلى أنه تبرز مرونة المشرّع بوضوح في الأحكام المنظمة لتحول الشركات ونقل قيدها بين الجهات المختصة داخل الدولة أو بين المناطق الحرة والاقتصاد المحلي، مع الحفاظ على الشخصية الاعتبارية. وهي خطوة تعكس فهماً متقدماً لاحتياجات الشركات في مراحل النمو والتوسع، وتدعم قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب التحولات المؤسسية دون تعقيدات إجرائية مفرطة.
خطوة مهمة
وأكد حسام الحسيني، المحلل المالي، أن التعديلات الأخيرة على قانون الشركات تمثل خطوة مهمة جداً لبيئة الأعمال وأسواق المال، وخاصة توسيع خيارات هيكلة رأس المال وتعدد فئات الأسهم، لأن هذا الشيء يدعم بشكل واضح الشركات الناشئة والتكنولوجية التي تحتاج مرونة أكبر بدون أن تخسر السيطرة.
وقال الحسيني: الميزة الثانية هي السماح للشركات المساهمة الخاصة بطرح اكتتابات خاصة داخل الدولة، وهذا يفتح قناة تمويل إضافية بدون الاضطرار للتحول لشركة مساهمة عامة فوراً، ويخلق مرحلة وسط بين القطاع الخاص والإدراج العام، ويساعد على تجهيز شركات أكثر للإدراج مستقبلاً، وإضافة آليات مثل Tag-Along و Drag-Along بتنظيم حقوق الأقلية وتسهيل صفقات الاستحواذ وخروج المستثمرين بطريقة واضحة، وهذا مهم جداً لجذب صناديق الاستثمار والملكية الخاصة، اللي صارت تلعب دوراً كبيراً في تمويل النمو.
وأضاف: استحداث الشركة غير الربحية أيضاً يعكس توجهاً واضحاً نحو دعم الاقتصاد الاجتماعي والاستدامة، وهذا بحد ذاته عامل جاذب لرأس المال العالمي الذي يركز على ESG.
خطوة نوعية
من جانبه، قال بهارات باتيا الرئيس التنفيذي لشركة كوناريس للصلب، ومقرها دبي: «تُعد التعديلات الجديدة على قانون الشركات التجارية خطوة نوعية تعكس الرؤية المستقبلية الطموحة لدولة الإمارات في تعزيز بيئة الاستثمار وتحديث منظومتها التشريعية بما يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية، كما أن إتاحة مرونة أكبر في هيكلة رأس المال وتعدد فئات الأسهم يعززان من جاذبية الدولة كمركز مالي متطور، ويفتح الباب أمام تنوّع أوسع في الشراكات والاستثمارات، ولا سيما في ظل تنامي الاهتمام برأس المال الخاص والاستثمارات المؤسسية».
وأشار إلى أن إدراج مفهوم «الشركة غير الربحية» يشكل تطوراً لافتاً يعكس إدراكاً عميقاً لدور القطاعات المجتمعية والتنموية في دعم الاقتصاد الوطني، من خلال إطار قانوني مرن يمكّن المبادرات الاجتماعية من النمو والاستدامة بعيداً عن النماذج التقليدية.
رؤية متكاملة
وقال عبدالجبار بي بي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة هوتباك العالمية: «تمثّل التعديلات الجديدة على قانون الشركات التجارية في دولة الإمارات خطوة استراتيجية متقدمة نحو تعزيز بيئة الأعمال وتحديث الإطار التشريعي بما يواكب طموحات الدولة في التحول الاقتصادي المستدام، كما أن استحداث مفهوم «الشركة غير الربحية» يشير إلى رؤية تنموية متكاملة تضع في اعتبارها أهمية إشراك القطاعات الاجتماعية ضمن منظومة اقتصادية مرنة وممكنة، تسهم في دفع عجلة التنمية المجتمعية من خلال أدوات مؤسسية واضحة وشفافة».
وأضاف: «من اللافت في هذا المرسوم بقانون، ما يقدمه من خيارات مبتكرة في هيكلة رأس المال وتعدد فئات الأسهم، الأمر الذي من شأنه جذب استثمارات نوعية وتعزيز تنافسية القطاع الخاص، كذلك، فإن فتح باب الاكتتاب الخاص أمام الشركات المساهمة الخاصة ضمن الأسواق المالية المحلية، يمثل تطوراً مهماً في توسيع أدوات التمويل وتيسير وصول الشركات إلى مصادر رأسمالية جديدة دون الحاجة لتحوّلها إلى مساهمة عامة».
محطة مفصلية
وأوضح أشرف دريد المدير العام لشركة XTB في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن التعديلات الجديدة تشكل محطة مفصلية في تطور الإطار التشريعي لبيئة الأعمال في دولة الإمارات، إذ يتجاوز مجرد تحديث لبعض مواد قانون الشركات ليقترب من إعادة تصميم للبنية القانونية التي تعمل ضمنها الشركات على البرّ الرئيسي.
وقال: تتمثل أهميتها في ما يمكن وصفه بتهجين النظام القانوني، حيث تم تطعيم منظومة قائمة على القانون المدني بأدوات ذات مرونة عالية مستوحاة من ممارسات القانون العام، مثل تقنين آليات الإلزام بالبيع والانضمام للصفقة وتعدد فئات الأسهم والحصص بحقوق مختلفة في التصويت والتوزيعات والتصفية. هذا يتيح ترسيخ الاستثمار داخل الدولة، كما يعزز مستوى اليقين القانوني أمام المستثمر المحلي والأجنبي.
