ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 06:21 مساءً - كشف استبيان عالمي جديد أجرته شركة «تينيو» المتخصصة في الاستشارات الاستراتيجية، عن استمرار ثقة الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين بآفاق النمو الاقتصادي العالمي مع اقتراب عام 2026، رغم تصاعد التحديات الجيوسياسية واضطرابات التجارة وتسارع التحولات التكنولوجية. ويعكس الاستبيان، الذي شمل أكثر من 750 من كبار الرؤساء التنفيذيين ومديري المؤسسات الاستثمارية حول العالم، رؤية تفاؤلية حذرة تستند إلى قدرة الشركات على التكيّف، واستمرار جاذبية الأسواق الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى جانب الرهان المتزايد على الذكاء الاصطناعي كمحرّك رئيسي للنمو.
وبحسب نتائج الاستبيان، يتوقع 73% من الرؤساء التنفيذيين و82% من المستثمرين تحسن الاقتصاد العالمي خلال عام 2026، وهي نسب مرتفعة تعكس ثقة عامة في قدرة الاقتصاد العالمي على تجاوز حالة عدم اليقين. إلا أن هذه الثقة شهدت تراجعاً ملحوظاً لدى الرؤساء التنفيذيين في الشركات الكبرى، بانخفاض قدره 20 نقطة مئوية مقارنة بالعام الماضي، في إشارة إلى تصاعد الضغوط التي تواجهها المؤسسات الكبيرة في بيئة أعمال معقدة وسريعة التغيّر. في المقابل، ظل التفاؤل قوياً لدى الرؤساء التنفيذيين في الشركات متوسطة الحجم، وكذلك لدى المستثمرين، الذين يرون في التقلبات الراهنة فرصاً لإعادة التموضع وتحقيق عوائد مستقبلية.
ويشير الاستبيان إلى أن الولايات المتحدة لا تزال السوق الأكثر جاذبية للاستثمار على مستوى العالم، مدفوعة بسياسات داعمة للتقدم التكنولوجي وتبسيط الأطر التنظيمية، إضافة إلى عمق أسواق رأس المال وقدرتها على توفير التمويل. ويؤكد قادة الأعمال أن الشركات أصبحت خلال السنوات الأخيرة أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع الاضطرابات، وهو ما يعزز مستويات الثقة الحالية، حتى في ظل استمرار المخاطر الجيوسياسية وارتفاع تكاليف رأس المال.
وفي ما يتعلق بأنشطة الاندماج والاستحواذ، تكشف النتائج عن تفاؤل واسع النطاق، حيث يتوقع نحو 78% من الرؤساء التنفيذيين زيادة في هذه العمليات خلال عام 2026. ويرى ثلاثة من كل أربعة من الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين أن العام المقبل سيشهد نشاطاً متزايداً في الصفقات، مدفوعاً بالسعي إلى تعزيز الكفاءة، وتوسيع الحصص السوقية، والاستفادة من الفرص التي تتيحها التحولات القطاعية. وتبدو قطاعات الرعاية الصحية والموارد الطبيعية الأكثر تفاؤلاً في هذا المجال، تليها القطاعات الصناعية والتكنولوجية، في حين يُنظر إلى ارتفاع تكاليف رأس المال باعتباره العائق الأكبر أمام إتمام الصفقات.
وعلى صعيد العولمة، يعكس الاستبيان قناعة متزايدة بأن مسار تراجع العولمة سيتسارع خلال عام 2026، إذ يتفق 60% من الرؤساء التنفيذيين و57% من المستثمرين على هذا التوجه. وفي هذا السياق، يبرز التحول في موازين الأهمية الاستراتيجية بين الاقتصادات الكبرى، حيث يعتقد عدد متزايد من الرؤساء التنفيذيين أن الهند مرشحة لتجاوز الصين من حيث الأهمية الاستراتيجية خلال العقد المقبل. ومع ذلك، لا تزال الصين تحتفظ بمكانتها كأولوية استراتيجية رئيسية على المدى القريب، بفضل حجم سوقها، وقوة قطاعها الصناعي، وسلاسل الإمداد المتطورة، وريادتها في مجالات التكنولوجيا والابتكار.
وتُظهر النتائج انقساماً واضحاً في آراء قادة الأعمال والمستثمرين حول طبيعة المرحلة الجيوسياسية الراهنة؛ فبينما يرى البعض أنها ظاهرة مؤقتة يمكن التعامل معها تكتيكياً، يعتبرها آخرون بداية لإعادة ترتيب طويلة الأمد للنظام الاقتصادي العالمي. وفي كلتا الحالتين، تظل التطورات الجيوسياسية، إلى جانب استدامة سلاسل الإمداد والتقدم التكنولوجي، من أبرز مصادر القلق التي تستعد الشركات للتعامل معها خلال عام 2026.
ويحتل الذكاء الاصطناعي موقع الصدارة كأسرع مجالات الاستثمار نمواً، وفقاً لنتائج الاستبيان. إذ يعتزم 68% من الرؤساء التنفيذيين زيادة استثمارات شركاتهم في تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال عام 2026، في ظل قناعة واسعة بقدرته على تمكين الشركات من التخفيف من آثار الاضطرابات وتحسين الكفاءة التشغيلية. ويرى 88% من الرؤساء التنفيذيين و84% من المستثمرين أن الذكاء الاصطناعي يشكّل أداة استراتيجية أساسية لمواجهة التحديات.
ومع ذلك، يكشف الاستبيان عن فجوة لافتة بين تطلعات المستثمرين وتوقعات الرؤساء التنفيذيين فيما يتعلق بسرعة تحقيق العائد على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. ففي حين يتوقع 53% من المستثمرين تحقيق عوائد خلال ستة أشهر أو أقل، يعتقد 84% من الرؤساء التنفيذيين في الشركات الكبرى أن تحقيق هذا العائد سيستغرق أكثر من ستة أشهر. ويعكس هذا التباين اختلافاً في منظور المخاطر والآجال الزمنية بين الطرفين، ويشكّل عامل ضغط إضافياً على إدارات الشركات خلال المرحلة المقبلة.
وتشير النتائج إلى أن أقل من نصف مشاريع الذكاء الاصطناعي تحقق حالياً عائداً إيجابياً، مع تسجيل مكاسب ملموسة في مجالات الكفاءة الداخلية، والتطبيقات الإدارية، وخدمة العملاء. في المقابل، لا تزال التطبيقات الأعلى تعقيداً ومخاطر، مثل الأمن السيبراني، والشؤون القانونية، والموارد البشرية، تواجه تحديات أكبر في تحقيق نتائج سريعة.
وفي ما يتعلق بسوق العمل، يفنّد الاستبيان المخاوف السائدة بشأن استبدال الوظائف بالذكاء الاصطناعي، إذ يتوقع معظم الرؤساء التنفيذيين أن تسهم هذه التقنيات في زيادة معدلات التوظيف خلال عام 2026. ويتوقع 67% زيادة في الوظائف المبتدئة، و58% في المناصب القيادية العليا، بالتوازي مع إعادة تشكيل مهارات القوى العاملة لدعم طموحات الذكاء الاصطناعي وتسريع تحقيق العائد على الاستثمار. ويؤكد قادة الشركات أن الأولوية في المرحلة المقبلة ستكون لتعزيز القدرات البشرية بالذكاء الاصطناعي ورفع مهارات الكفاءات، في مزيج يجمع بين الأتمتة وتنمية رأس المال البشري.
ويعكس استبيان «تينيو» صورة عالم اقتصادي يتقدم بخطى حذرة نحو عام 2026، حيث يمتزج التفاؤل بالحذر، وتبرز القدرة على التكيّف والابتكار كعاملين حاسمين في رسم ملامح المرحلة المقبلة. وبينما تفرض الجغرافيا السياسية والاقتصاد العالمي تحديات متزايدة، يظل الذكاء الاصطناعي، وأنشطة الاندماج والاستحواذ، والتحولات في مراكز الثقل الاقتصادي العالمي، ركائز أساسية لرهانات قادة الأعمال والمستثمرين على مستقبل النمو.
