ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 22 ديسمبر 2025 11:36 مساءً - أبقى بنك الإمارات دبي الوطني على نظرة إيجابية للغاية تجاه اقتصاد الإمارات في عام 2026، إذ من المتوقع أن يشهد كلٌّ من القطاعين النفطي وغير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي عاماً جديداً من النمو القوي، وإن كان بوتيرة أبطأ قليلاً مما نقدّره لعام 2025. وقال البنك في تقرير حديث تحت عنوان «الإمارات.. عام آخر من النمو القوي في الأفق»: تشير توقعاتنا الرئيسة إلى تحقيق نمو بنسبة 5%، مقارنةً بتقدير نمو يبلغ 5.4% خلال العام الجاري، ويعود هذا التباطؤ بشكل رئيس إلى توقعاتنا بتسجيل نمو أبطأ نسبياً في الناتج المحلي النفطي، في ظل عودة جزء كبير من الإمدادات التي كانت مقيّدة سابقاً إلى السوق بالفعل.
في المقابل، يُتوقع أن يتباطأ نمو القطاع غير النفطي بشكل طفيف فقط، ويعزى ذلك إلى تأثير سنة الأساس بعد فترة من النمو فوق المتوسط، وكما كان الحال خلال السنوات الماضية، نتوقع أن تحقق كل من دبي وأبوظبي معدل نمو قوي في القطاع غير النفطي، وإلى جانب الإمارات الشمالية فهي مرشحة لتحقيق توسع اقتصادي قوي ومتين. ونُقدّر أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في دولة الإمارات 5.3% في عام 2026، أي بوتيرة أبطأ بشكل طفيف من نمو يُقدّر بنحو 5.5% في 2025، في المقابل، من المتوقع أن يظل نمو اقتصاد دبي قوياً عند نحو 4.5%، متقدماً على وتيرته المسجلة خلال السنوات القليلة الماضية.
مكاسب إضافية
في أعقاب التحوّل في استراتيجية تحالف أوبك+ الذي برز في منتصف عام 2025، حيث انتقلت كتلة المنتجين إلى التركيز على الحفاظ على الحصة السوقية بدلاً من دعم الأسعار، نتوقع أن يشهد الناتج المحلي النفطي في الإمارات عاماً قوياً آخر من النمو.
وكان من المتوقع أصلاً أن تستفيد الإمارات من رفع حصتها الإنتاجية الذي جرى الاتفاق عليه في ديسمبر 2024، على أن يتم تطبيقه بشكل تدريجي، بحيث لا يصل مستوى الإنتاج الجديد البالغ 3.4 ملايين برميل يومياً قبل سبتمبر 2026. إلا أن هذا التحول في النهج أدى إلى تسريع وتيرة الإنتاج، إذ تشير تقديرات بلومبرغ إلى أن إنتاج الإمارات بلغ 3.6 ملايين برميل يومياً في نوفمبر 2025، مقارنةً بنحو 3.2 ملايين برميل يومياً في يناير من العام نفسه. ونتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج الإمارات النفطي نحو 3.7 ملايين برميل يومياً في 2026، وحتى في حال تم الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية طوال الاثني عشر شهراً المقبلة، فإن ذلك سيعني زيادة سنوية قدرها 5.1%.
ومع ترجيح ارتفاع إنتاج المكثفات أيضاً، إلى جانب استمرار الاستثمارات في توسيع الطاقة الإنتاجية، فإن المخاطر المحيطة بتوقعاتنا لنمو الناتج المحلي النفطي البالغ 4.0% في 2026— بعد نمو تقديري عند 5.0% في 2025 - تظل مرجّحة إلى الجانب الإيجابي.
في حين تراجعت حصة النفط من إجمالي الناتج المحلي من أكثر من 30% في عام 2013 إلى نحو الربع خلال العامين الماضيين في ظل جهود التنويع المستمرة، فإنه لا يزال أكبر قطاع اقتصادي بفارق واضح، إذ يأتي قطاع تجارة الجملة والتجزئة في المرتبة الثانية بحجم يعادل نحو نصف حجمه فقط. وبناءً على ذلك، نتوقع أن تواصل الجهود الرامية إلى تعزيز الطاقة الإنتاجية دعم النمو خلال السنوات المقبلة، سواء من خلال الاستثمارات الأولية أو عند دخول الطاقات الإنتاجية الجديدة حيز التشغيل.
الميزانيات التوسعية
من شأن زيادة الإنتاج أن تُخفّف من تأثير انخفاض أسعار النفط المتوقّع العام المقبل على رصيد الميزانية الموحّدة لدولة الإمارات، ونتوقع تسجيل فائض جديد في عام 2026 يعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي، ورغم أن هذا المستوى أدنى من فوائض السنوات القليلة الماضية، فإنه يظل هامش أمان صحياً، ويؤكد سلسلة متواصلة من فوائض الميزانية منذ عام 2018 لم ينقطع منها سوى عام 2020 بسبب جائحة كوفيد- 19.
ومن المتوقع الحفاظ على هذا الفائض حتى مع خطط الإنفاق التوسعية التي أُعلن عنها حتى الآن.
وفي أكتوبر، وافق مجلس الوزراء على ميزانية اتحادية قياسية بقيمة 92.4 مليار درهم، بزيادة سنوية قدرها 29.3%، ورغم أن الميزانية الاتحادية تمثل حصة محدودة نسبياً من إجمالي الإنفاق الحكومي في الدولة، فإنها تُعد مؤشراً مهماً إلى أولويات الإنفاق الاتحادي واتجاهات السياسة الاقتصادية. وتبع ذلك إقرار ميزانية دبي في نوفمبر، والتي اعتمدت إنفاقاً بقيمة 99.5 مليار درهم لعام 2026، بزيادة 15.4% مقارنة بالإنفاق المخطط له في 2025 والبالغ 86.2 مليار درهم، ومن المتوقع أن يكون هذا الإنفاق داعماً للنمو، سواء عبر قناة الاستثمار أو من خلال دعم الأسر والشركات.
ومع إدراج ضريبة أرباح رأس المال ضمن القاعدة الضريبية، وعدم الإعلان عن زيادات ضريبية جوهرية جديدة، يمكن اعتبار هذه الميزانيات توسعية صافية. ويجري توجيه جزء من هذا التوسع في الإنفاق نحو الاستثمار في البنية التحتية، مع تنفيذ مشاريع كبرى حالياً تشمل مشاريع النقل مثل قطار الاتحاد، ومترو أبوظبي، ومطار آل مكتوم الدولي، إضافة إلى مشاريع النفط والغاز، ومنها مشروع حقلَي حيل وغشا للغاز الحامض التابع لأدنوك.
استراتيجيات
بوصفها اقتصاداً منفتحاً يركز على التجارة، كان من المفترض أن تكون دولة الإمارات أكثر عرضة لتأثيرات الضغوط السلبية على التجارة العالمية التي فرضتها الرسوم الجمركية الأمريكية في عام 2025، غير أن حزمة من الاستراتيجيات التي اعتمدتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة أسهمت في الحد من الأثر المحتمل لهذه التطورات.
ونتوقع أن يستمر هذا النهج في عام 2026، ولا سيما في ظل التقديرات التي تشير إلى أن حالة عدم اليقين التجاري ستكون أقل حدّة مقارنة بعام 2025.
أولاً، إن السعي إلى إبرام اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة (CEPAs) جديدة مع مجموعة متنوعة من الدول والشركاء التجاريين حول العالم، من شأنه أن يضمن استمرار انسيابية التجارة مع عدد كبير من الدول، كما يُسهم في حماية سلاسل الإمداد.
وتشمل الاتفاقيات الجديدة التي جرى توقيعها هذا العام تلك المبرمة مع نيوزيلندا وماليزيا وكينيا، ومع وجود خط متواصل من الاتفاقيات قيد التصديق، تبقى التوقعات إيجابية لإبرام المزيد منها في عام 2026.
ووفقاً لتقديراتنا، تمثل الدول التي وقّعت الإمارات معها اتفاقيات CEPAs حالياً نحو 37.4% من الصادرات في عام 2024 و39.2% من الواردات، مع دخول 11 اتفاقية حيز التنفيذ الكامل حتى الآن.
استراتيجية أخرى يُرجّح أنها أسهمت في تحصين التجارة والنمو، تتمثل في الاستثمارات المكثفة في تطوير قطاع الذكاء الاصطناعي في الإمارات، ولا سيما مراكز البيانات، وقد أشارت منظمة التجارة العالمية إلى أن التوسع المبكر في استثمارات الذكاء الاصطناعي ساعد على تعزيز تدفقات التجارة العالمية خلال عام 2025، ونتوقع أن يستمر هذا الأثر في دول الخليج خلال 2026.
وفي الوقت نفسه، نتوقع أن يقابل تيسير السياسة النقدية في الولايات المتحدة — حيث نرجّح أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار تراكمي يبلغ 75 نقطة أساس في 2026 —بخطوات مماثلة من مصرف الإمارات المركزي، ما سيوفر دفعة إيجابية للأسر والشركات عبر انخفاض كلفة الاقتراض.
قطاعات بارزة
هناك عدد من القطاعات التي نتوقع أن تواصل التفوق في أدائها في الإمارات خلال العام المقبل، ويعزى نمو بعضها إلى التوسع السكاني السريع، حيث تشهد دبي وبقية الإمارات مكاسب سكانية متواصلة منذ بداية العام 2025.
ونتيجة لذلك، يُتوقع أن تواصل القطاعات الموجّهة للمستهلكين، مثل الاتصالات والرعاية الصحية، تحقيق أداء قوي، في حين سيبقى قطاع التشييد والبناء أحد محركات النمو الرئيسة، مدفوعاً بإطلاق مشاريع سكنية جديدة من القطاع الخاص، إلى جانب الإنفاق الحكومي على البنية التحتية الداعم لهذا التوسع.
كما يُتوقع أن يستفيد قطاع الإقامة والخدمات الغذائية من النمو السكاني المتزايد ومن الزخم المستمر في قطاع السياحة، ومن المرتقب أن تسجّل دبي نمواً بنحو 5.0% في أعداد الزوار خلال 2025، ونرى إمكانات صعودية إضافية في 2026، مع احتمال تعافٍ جزئي في أعداد الزوار القادمين من جنوبي آسيا، إلى جانب انحسار التوترات الإقليمية وإطلاق وجهات ترفيهية جديدة ستوفر عوامل دعم إضافية. يُعد قطاع الخدمات المالية من بين القطاعات الأخرى التي نتوقع أن تواصل التوسع بوتيرة قوية في عام 2026، ويُشكّل هذا القطاع عنصراً محورياً في استراتيجيات النمو المختلفة لدولة الإمارات، بما في ذلك «نحن الإمارات 2031» وأجندة دبي الاقتصادية D33 التي تهدف إلى جعل دبي واحد من أفضل ثلاثة مراكز مالية عالمية.
