ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 26 ديسمبر 2025 08:36 مساءً - تشهد سوق الديون الأميركية موجة حذر متصاعدة تجاه شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة. فبينما تواصل أسهم الذكاء الاصطناعي التحليق في مستويات قياسية مدفوعة بحماسة المستثمرين وتوقعاتهم اللامحدودة، تقدّم أسواق الدَّين رواية مختلفة تماماً. فالمقرضون الذين يمولون البنية التحتية للذكاء الاصطناعي يرفعون أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة ويطالبون بضمانات أعلى، معبّرين عن قلق عميق من المخاطر الكامنة وراء الشركات الناشئة في هذا القطاع.
يكشف التباين الحاد بين «تفاؤل الأسهم» و«حذر الديون» أن مستقبل طفرة الذكاء الاصطناعي ليس مضموناً كما يبدو من مؤشرات البورصة. ورصدت صحيفة نيورك تايمز في تقرير مطول لها بعض مظاهر هذا القلق بشأن الشركات الناشئة في قطاع الذكاء الاصطناعي.
إذا، شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، التي تسعى لاقتراض الأموال لتسريع خططها الطموحة، تُجبر على دفع فوائد مرتفعة، ما يعكس شكوك المستثمرين تجاه الشركات غير المجرَّبة التي تتحمّل ديوناً ضخمة.
في إحدى الصفقات، اضطرت شركة «آبلايد ديجيتال»، المتخصّصة في بناء مراكز البيانات، إلى دفع فائدة أعلى بنسبة بـ3.75% عن الشركات ذات التصنيف الائتماني نفسه — أي ما يعادل نحو 70% زيادة في تكلفة الاقتراض.
وتوجد مؤشرات أخرى على حذر المستثمرين في سوق الديون. فقد هبطت أسعار بعض السندات بعد إصدارها، في إشارة إلى تزايد القلق. كما ارتفعت تكلفة عقود التأمين الائتماني ضد التعثر، والتي يلجأ إليها حاملو السندات للحماية من الخسائر، على بعض ديون شركات الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر الأخيرة.
ويخشى المستثمرون من أن تؤدي تأخيرات التشييد في منشآت مراكز البيانات الضخمة إلى تأجيل تحقيق العائدات من عقود الإيجار مع شركات الذكاء الاصطناعي. كما يقلق البعض من احتمال انخفاض الطلب على القدرة الحاسوبية للذكاء الاصطناعي مستقبلاً، ما قد يخلق تخمة في مراكز البيانات ويؤدي إلى تعثّر الشركات في سداد ديونها.
وقال ويل سميث، مدير محفظة الاستثمار في شركة «ألايانس برنشتاين» لصحيفة نيويورك تايمز: «علينا أن نكون أكثر تشاؤماً، وألّا ننخدع بضجيج السوق».
وينظر عادةً إلى مستثمري الديون على أنهم أكثر تشاؤماً من مستثمري الأسهم، لأن مستثمر السهم يراهن على صعود غير محدود، بينما المقرض يريد استرداد أمواله مع الفائدة فقط، دون مكاسب إضافية.
يقول سميث: «إن سوق الأسهم مستعد لتحمّل مخاطر كبيرة لأنه قد يجني أرباحاً هائلة إذا نجحت هذه الشركات. أما نحن، فلو سارت الأمور على أفضل حال فلن نحصل سوى على الفائدة، لذلك نركّز على جانب المخاطر أكثر من التركيز على الأمل».
وتظهر البيانات أن الشركات الساعية إلى تمويل المرحلة التالية من بنية الذكاء الاصطناعي اقترضت أكثر من 100 مليار دولار هذا العام، وفق بيانات «ريفينيتيف». وجاء جزء كبير من هذه المبالغ من شركات تقنية عملاقة ذات تصنيف عالٍ وتتمتع بسيولة ضخمة، مثل شركة «أمازون» التي جمعت خمسة عشر مليار دولار بسعر السوق لزيادة استثماراتها في خدمات الحوسبة السحابية.
لكن في المقابل، هناك شركات أصغر وأحدث اضطرت لدفع تكلفة أعلى بكثير. ففي منتصف أكتوبر، جمعت شركة «وولف كومبيوت»، التابعة لشركة «تيرا وولف»، 3.2 مليارات دولار عبر سوق السندات. وتحمل هذه الشركة معدل فائدة 7.75% حتى عام 2030، وهو أعلى بكثير من متوسط الفائدة للشركات ذات التصنيف الائتماني المماثل، الذي يبلغ نحو 5.5%.
وفي صفقة مشابهة، باعت شركة «سايفر كومبيوت»، التابعة لشركة «سايفر ماينينغ»، سندات بقيمة 1.7 مليار دولار بسعر فائدة تجاوز 7%.
وقال نافين سارما، رئيس قسم تصنيفات الإعلام والاتصالات في «إس آند بي جلوبال»: «إذا تجاوزت الشركات مخاطر التشييد، فإن تدفقات الإيرادات ستكون منتظمة. لكن التحدي الحقيقي هو عبور مرحلة البناء ذات المخاطر العالية».
وتعتمد الشركات الصغيرة عادة على عقود إيجار من شركات أكبر وأكثر استقراراً. فشركة «كور ويف» — التي تستأجر مراكز بيانات وتزوّدها بأنظمة حوسبة عالية القدرة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي لشركات عملاقة مثل «ميتا» و«مايكروسوفت» — استخدمت هذه العقود للحصول على تصنيف ائتماني متوسط رغم ضعف سجلّها التجاري.
وحصلت شركة «أبلايد ديجيتال» عند طرح سنداتها بقيمة 2.35 مليار دولار في نوفمبر على تصنيف «دابل بي»، غير أن سعر الفائدة ارتفع إلى 9.25%، في إشارة واضحة إلى ارتفاع مستوى القلق لدى المستثمرين. ويعود جانب كبير من هذه المخاوف إلى اعتماد الشركة شبه الكامل على «كور ويف» كمستأجر رئيسي لمراكزها، وهو ما يرفع درجة التركّز في المخاطر ويقلل من مرونتها.
أما «كور ويف» نفسها، فقد جمعت 1.75 مليار دولار في يوليو بتصنيف «سينغل بي»، وهو تصنيف يعكس درجة مخاطر أعلى، خصوصاً أنها اقترضت دون تقديم ضمانات عينية. وقد بلغت الفائدة على هذا الدين 9%.
ورغم أن أسهم الشركة ارتفعت بنحو 350% منذ إدراجها في مارس وحتى ذروتها في يونيو، فإن سنداتها فقدت جزءاً من قيمتها وتراجعت لتتداول عند نحو 90 سنتاً للدولار. ونتيجة هذا التراجع، قفز العائد الفعلي على ديون الشركة إلى أكثر من 12%، أي ما يقارب ضعف العائد المتعارف عليه للشركات من الفئة التصنيفية نفسها. وقال شارما إن أي اهتزازات كبيرة «لن تؤثر على شركات عملاقة مثل ميتا، لكنها قد تُلحق ضرراً بالغاً بشركات مثل كور ويف».
وقد ارتفع أيضاً العائد على سندات «أبلايد ديجيتال» إلى ما فوق 10%، بينما تحسنت أوضاع شركات مثل «سايفر كومبيوت» و«وولف كومبيوت» مع ارتفاع قيمة سنداتها خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما يعكس تبدّل المزاج الاستثماري مع مرور الوقت.
ويرى مستثمرون أن المشهد الحالي يعكس عملية إعادة تسعير واسعة: فالشركات التي اقترضت في السابق تُعاد قراءة مخاطرها، فيما تُسعَّر الصفقات الجديدة وفق معايير أكثر حذرا وتشددا. ومع تصاعد القلق في أسواق الديون، بدأت أسواق الأسهم أيضاً بالتصحيح، ولا سيما في فئة الشركات الأكثر مضاربة في قطاع الذكاء الاصطناعي.
وقال كايسي بير، الشريك المؤسس في «سي كيه سي كابيتال»، إن «أسواق الديون تتحرك تبعاً للمعنويات تماماً مثل أسواق الأسهم، بل إنها تقود المزاج العام أحياناً». وجاء هذا التراجع بينما زادت الشركات اعتمادها على الاقتراض لتمويل خطط توسعها في الذكاء الاصطناعي. وعندما لجأت «أوراكل»، التي تحمل نحو 100 مليار دولار من الديون، إلى الاقتراض في سبتمبر، بادرت الأسواق إلى إعادة تقييم حجم الأموال المتدفقة باتجاه مستقبل ما يزال غير محسوم.
ومنذ ذلك الحين، ارتفعت تكلفة حماية سندات «أوراكل» عبر عقود مقايضة المخاطر الائتمانية.
أخبار متعلقة :